محمد عابد الجابري بين رحيل الذات وخلود الأفكار

د.حميـــد بحكـــاك

 تحل الذكرى السابعة لوفاة ورحيل المفكر المغربي محمد عابد الجابري رحمه الله(3 ماي 2010) وبمناسبة هذه الذكرى واستحضارا لروح الفقيد وفكره نحاول في هذا المقال عرض رؤوس أقلام وعناوين لبعض طروحاته التي أثارها ولا زالت تحتفظ براهنيتها، ويعتبر الجابري من المثقفين والمفكرين الكبار الذين عرفهم المغرب والعالم العربي والإسلامي ووصل صداه إلى العالم الغربي إذ ترجمت بعض كتبه إلى بعض اللغات الأجنبية، كما أثرى المكتبة العربية بمساهمات ومشاريع فكرية وثقافية وسياسية تميزت بعمق الطرح ووضوح الرؤية وحس نقدي وصرامة منهجية،

كان مفكرا عابرا للحدود ولم يسجن نفسه في مدرسة أو اتجاه أيديولوجي معين، انفتح على جميع المدارس والاتجاهات وتبنى المقاربة الإبستمولوجية في معالجته لنظم المعرفة في الثقافة العربية الإسلامية والتي لازالت تفعل فعلها إلى اليوم، وجمع الجابري في شخصه بين صفة المفكر والمناضل والباحث والمدرس والصحفي والأكاديمي والمنظَر، كما تميزت كتاباته بانخراطها في صلب القضايا ذات الطابع النظري الإشكالي والعملي تهم قضايا العالم العربي والإسلامي، كقضية أو ثنائية “الأصالة والمعاصرة” التي شكلت العنوان الأبرز لقرن من الصراع الفكري والسجال الأيديولوجي بين مختلف التيارات اليسارية والقومية والليبرالية والإسلامية والسلفية والعلمانية وشطرت المجتمعات العربية و الإسلامية إلى شطرين، وكانت كتاباته وأفكاره تخلق جدلا واسعا في داخل المغرب وخارجه لجدتها وخلخلتها للمسلَمات الفكرية لدى كل التيارات،. تحدَث عن الديمقراطية وعن حقوق الإنسان وقضية المرأة وتطبيق الشريعة والحرية والتطرف والتكفير والإرهاب والتنمية والوحدة والتجزئة والقومية وكل القضايا المصيرية، وكتب في السياسة والفلسفة والفكر والدين والاجتماع، كان مثقفا عضويا ملتزما، قارب أغلب القضايا والإشكاليات التي تمس من قريب أو بعيد مسألة النهضة والنهوض بأوضاع العالم العربي وشرَح الأسباب التي تؤثر في أوضاعه حالا واستقبالا ومآلا، والتحديات التي تحيط به، وكانت طروحاته تخلق جدلا فكريا وثقافيا وإعلاميا، فما أن يصدر كتابا من كتبه إلا ويكون له صدى بحجم الأفكار والقضايا التي يعالجها ويبسطها بأسلوبه “السهل الممتنع” والرؤية الاستشرافية لما سيحدث أو قد يحدث، وهذا ناتج عن قراءته للأحداث في صيرورتها الاجتماعية ونظامها الداخلي وتفاعلها مع محيطها،  كما فعل بن خلدون في مقدمته وهو بالمناسبة من دارسي بن خلدون ومنتقديه والمعجبين به، ولم يكن الجابري من عشاق الظهور الإعلامي الاستعراضي كما كان يبتعد عن الرسميات والأضواء الإعلامية والبحث عن النجومية كما هو شأن المفكرين الكبار الذين يعملون في صمت، وكان ملازما للمطالعة والبحث والتأليف، يجد راحته في عالم الفكر والمعرفة وتفكيك العقل العربي والحفريات في التراث الإسلامي بعد أن قضى ربع قرن في ممارسة النضال السياسي الحزبي المباشر، إذ ساهم في صياغة التقرير الأيديولوجي للمؤتمر الاستثنائي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان عضوا في مكتبه السياسي، وعندما ضاقت به الأجواء داخل هذا الحزب أعلن الطلاق التنظيمي مع الحزب وقدَم استقالته في بداية الثمانينات من القرن الماضي لينتقل إلى التفرغ للعمل الفكري والثقافي والأكاديمي والسياسي أيضا، باحثا عن جذور الأزمة التي تتخبط فيها شعوب الأمة العربية والإسلامية وأنظمتها ونخبها وتياراتها ومناهجها الفكرية والمعرفية، ومشخَصا أعطاب أدوات إنتاج المعرفة وفي مقدمتها العقل وبنياته ومكوناته، مقترحا الحلول والمخارج لهذه الأزمة.

وفي هذه المناسبة نريد أن نستعرض بعض العناوين والقضايا التي أثارها الجابري بشكل مركز، وهي قضايا تندرج في إطار المشروع النهضوي الذي انخرط فيه الجابري والذي يهدف إلى تشخيص الداء ووصف الدواء للأمراض الفكرية والمنهجية التي تؤطر الفكر والتفكير الذي ساد ويسود العالم العربي بمكوناته وتياراته ومدارسه الفكرية والمذهبية والسياسية ومن بين الحلول التي اقترحها وألحَ عليها لتجاوز هذه الأعطاب : “الكتلة التاريخية” .

الكتلة التاريخية 

الكتلة التاريخية حلَ طرحه واقترحه الجابري للخروج من الوضع التي تتلظى فيه المجتمعات والدول العربية والإسلامية، واستعار هذا المفهوم من المفكر الإيطالي “انطونيو غرامشي” الذي كان يسعى إلى توحيد إيطاليا، و مصطلح “الكتلة التاريخية” استعمله الجابري كمفهوم إجرائي وليس نقلا ميكانيكيا، ويقتضي هذا الحل في حالة أوضاع العالم العربي والإسلامي حسب الجابري أن تجتمع كل التيارات والجهات المؤثرة رسمية وشعبية على اختلاف مشاربها ومواقعها وتطرح خلافاتها الأيديولوجية والثانوية والمصلحية جانبا والاتفاق على برنامج حد أدنى يتفق عليه الجميع أو يتوافقوا عليه، عنوانه الأبرز “الديمقراطية” و”العقلانية ” و”الاستقلال الحضاري والتاريخي” و”الوحدة” و”التنمية” و”التحرر” والاعتراف المتبادل بين التيارات والتحاور بدل التناحر الذي يصب في خدمة الاستبداد الداخلي و الاستعمار الخارجي وهما وجهان لعملة واحدة، والكتلة التاريخية تقتضي أيضا ان تتوحد أو تتقارب القوى والتيارات ذات الانتماء الأيديولوجي الواحد كخطوة ضرورية للتقريب بين مختلف الفرقاء، والمتأمل في أوضاع المجتمعات العربية والإسلامية وتياراتها السياسية والفكرية والمذهبية والقبلية والعشائرية، ويلاحظ أن ثقافة الخلاف والاختلاف والاحتراب والحرص على التفرد واحتكار التمثيلية الدينية و السياسية والأيديولوجية والجماهيرية وسيطرة ذهنية الخلاص الفردي والطائفي هي القاعدة وأن الاتفاق والعمل الجبهوي الموحد والتنسيق والعمل المشترك و البحث عن الأرضية المشتركة وبناء التوافقات هو الاستثناء، مما يؤكد الحاجة مرة أخرى إلى ثقافة وحدوية تغلب التناقضات المركزية على التناقضات الثانوية، وتغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وتترفع عن الحزازات الشخصية و شخصنة الخلاف والاختلاف وسيادة المنطق القبلي والعقلية الإقصائية وثقافة الفرقة الناجية، وتعمل على محاربة الاستبداد والفساد والاستعمار الجديد الذي يهدد جميع التيارات والشعوب والأنظمة والحكومات، وهذا لا يتحقق حسب الجابري إلا في إطار الكتلة التاريخية بين الأطراف والمكونات التي لها مصلحة في التغيير، لأن الأزمة أكبر من أن يحلها طرف أو تيار بعينه فلابد من تكاتف الجميع وتجاوز حالة التشرنق والعصبية المذهبية والطائفية والأيديولوجية، وهو ما دعا إليه  في غير ملل، وبثَه في كتبه ومقالاته وحواراته ومحاضراته .والمتأمل في أوضاع العالم العربي والإسلامي حاليا، يجد أن غياب ثقافة الكتلة التاريخية وحضور ثقافة “كل حزب بما لديهم فرحون” هو أحد الأسباب الرئيسية للمآسي التي يعيشها، وما تحول الربيع الديمقراطي العربي الذي انطلق سنة 2011  إلى خريف إلا مثالا حيًا لغياب ثقافة الكتلة التاريخية كما طرحها المفكر الراحل، وكما يقتضيها ويفرضها الواقع المر والتحديات المحيطة.

استراتيجية “التجديد من الداخل”

لم تكن كتابات الجابري ترفا فكريا، أو تأليف من أجل التأليف والثرثرة الثقافية التي تتحدث في كل شيء دون أن تقول أي شيء، لقد كانت مؤلفاته تندرج ضمن رؤية واضحة ووظيفة ذات هدف محدد وهو الجواب على سؤال لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق، وهذا السؤال يستبطن سؤلا آخر وهو: ما المخرج من هذا التخلف الذي يعيشه العالم العربي على كل المستويات، فكان الجواب الذي اقترحه الجابري بداية هو “التجديد من الداخل” واستراتيجية التجديد من الداخل كما أسماها الجابري ” استراتيجية ذات ثلاثة محاور أو أبعاد : محور النقد الابستمولوجي لتراثنا، ومحور التأصيل الثقافي للحداثة في فكرنا ووعينا، ومحور نقد الحداثة الأوروبية نفسها والكشف عن مزالقها ونسبية شعاراتها” 1 . وجاءت كتبه تباعا تصبَ في خدمة هذه الاستراتيجية خصوصا المحورين الأولين، بينما المحور الثالث لم يكتب له الخروج في شكل مشروع أو كتاب مستقل وإن كانت أفكاره وعناصره مبثوثة في أغلب كتب الجابري حسب السياق والموضوع، وأغلب المؤلفات التي كتبها الجابري جاءت في سياق حدث أو تفاعل مع حدث معين له علاقة بشكل مباشر أو غير مباشر بالتراث وبالعقل العربي، يقول الجابري متحدثا عن سياق تأليفه كتاب “مدخل إلى القرآن الكريم” والكتب الأخرى “من هنا يمكنني القول إن التفكير في تأليف هذا الكتاب قد جاء، بصورة ما، نوعا من الاستجابة لظروف ما بعد أيلول / سبتمبر 2001، تماما مثلما يمكن النظر إلى كتابي نحن والتراث، وبالتالي نقد العقل العربيبأجزائه الأربعة، كنوع من الاستجابة لظروف “النكسة” التي عاشها العالم العربي بعد 1967 بما في ذلك حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973 وما شاع في ذلك الوقت من استبشار ب”الصحوة الإسلامية” التي رافقتها، أو تجاوزتها أو حلت محلها الثورة الخمينية في إيران” 2 . لقد كانت كتاباته تخضع لمنطق “أسباب النزول” وتتفاعل مع الأحداث والوقائع أولا بأول محللا وموجها ومنتقدا.

تأصيل  عالمية حقوق الإنسان 

مع بروز الصحوة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي في بداية السبعينات من القرن الماضي  وظهور الحركات الإسلامية كتيارات دينية وسياسية تحت مسمى “الإسلام السياسي” ملأت الساحة الفكرية والسياسية مكان التيارات اليسارية والقومية التي عرفت تراجعا ملحوظا منذ هزيمة 1967 لأسباب متعددة منها الذاتي ومنها الموضوعي، وحلَت “المرجعية الإسلامية” محل المرجعية الماركسية والاشتراكية والقومية في تفسير أسباب التقهقر والتخلف الذي تعشيه المجتمعات العربية والإسلامية، كان الجابري مقتنعا بأن أي محاولة تغيير أو نهضة في العالم الإسلامي لا تنطلق من التراث فهي محاولة محكوم عليها بالفشل الذريع أو الاصطدام بالواقع، وهذا أحد أسباب فشل المشاريع الأيديولوجية الوافدة  فالمنطقة العربية تشكلت بنيويا في حضن الثقافة العربية الإسلامية، وأن القفز على هذه الحقيقة التاريخية هو قفز نحو المجهول ولن يؤدي إلى أي نتيجة، فكل حركة نهضوية أو مشروع يروم تغيير الأوضاع  إلى الأحسن واللحاق بركب الحضارة الغربية لابد أن يأخذ جواز المرور من المرجعية الإسلامية  أو ما يسميه الجابري بالمرجعية التراثية، وذلك من خلال تجديد هذا التراث وتحيينه ليكون “معاصرا لنا ومعاصرا لنفسه”.

وكان من بين الموضوعات التي حظيت باهتمام الجابري في هذا السياق هو تأصيل عالمية حقوق الإنسان والديمقراطية من داخل المرجعية الإسلامية ليخلص إلى أن حقوق الإنسان مسألة كونية لا خصوصية فيها وهو ما تطرق إليه في كتاب .”الديمقراطية وحقوق الإنسان” يقول في هذا الصدد ” إن ادعاء فلاسفة أوروبا “العالمية” لحقوق الإنسان، حقه في المساواة وما تفرع منها، ليس أمرا خاصا بالحضارة الأوروبية، وبالتالي فالأبعاد الثقافية الحضارية لحقوق الإنسان هي أبعاد إنسانية، تشترك في التعالي بها، فوق الواقع الثقافي الحضاري القائم، جميع الثقافات….وجميع الثقافات والحضارات تشترك في تأسيس هذه الدعوة على مرجعية تقدم نفسها على أنها البداية، والأصل، مثل حال الطبيعة، ودين الفطرة ” 3 .

النقد المزدوج للتراث والثقافة الغربية 

ما يميز محمد عابد الجابري أنه كان يمتلك حسا نقديا، فهو كان ينتقد المثقف السلفي والمثقف الليبرالي والمثقف القومي والمثقف اليساري بشكل أقرب إلى الموضوعية، فحسب الجابري أنه رغم اختلاف المرجعية بين هذه التيارات فإن عقلية التفكير واحدة ومنهجية التحليل واحدة، فكلهم ينطلقون من “سلف” ونموذج في الماضي أو الحاضر يرجعون إليه ويحتكمون إليه وهذه الطريقة في التفكير أو منهجية التحليل هي التي أدت إلى الأزمة الفكرية التي تعيشها هذه التيارات، وحوار الصمَ الذي يدور بينها، لقد كان الجابري رغم انتمائه  السياسي لحزب يساري، كان يقف على مسافة من التحليل الماركسي في وقت كانت الماركسية هي الموضة الفكرية السائدة في الستينات، وخلص إلى أن الماركسية منهج لتحليل النظام الرأسمالي وتناقضاته لا غير وأن أي تمطيط لها أو أدلجتها وتحويلها إلى عقيدة فلسفية فهو تشويه لها وتحميلها ما لا تحتمل وهو الخطأ الذي وقعت فيه كثير من التيارات الماركسية اللينينية إذ حولت المنهج الماركسي والمذهب الاشتراكي إلى عقيدة مقدسة تفسر كل شيء ولا يعزب عنها شيئ في السماء أو الأرض، وهوما أصاب هذه التيارات بالجمود العقائدي والدوغمائية والتكلس الفكري ونفس الأمر ينطبق على بعض التيارات القومية والإسلامية على مستوى بنية التفكير ومنهجيته مع اختلاف في التفاصيل، وهو ما أدى إلى آفة التطرف والدوغمائية التي لم يسلم منها أي تيار .

التطرف يمينا ويسارا

عندما عالج الجابري قضية التطرف عالجه دون حصره في مدرسة فكرية معينة أو مرجعية محددة، فالتطرف حسب الجابري آفة منهجية وفكرية قد تصيب جميع التيارات، يقول في هذا الصدد ” التطرف أشكال وأصناف …والتطرف داخل التيار السلفي في الفكر العربي المعاصر يجد بعض مبررات وجوده، بدون شك، في غياب الديمقراطية السياسية منها والاجتماعية، ولكن من مبررات وجوده أيضا عدم تمكن الاتجاه السلفي لحد الآن من القيام بالتجديد المطلوب في الفكر الإسلامي، التجديد الذي يجعله يساير التطور ويرتبط بالواقع، تماما مثلما أن التطرف في اليسار، الذي بلغ أوجه في أواخر الستينات وأوائل السبعينات كان يجد تبريره في غياب الديمقراطية من جهة وفي الجمود الفكري الذي أصاب “اليسار” عموما من جهة أخرى” 4 .

العقلانية والديمقراطية كبديل لمطلب العلمانية 

يعتبر مطلب العلمانية في الوطن العربي والإسلامي من أكثر القضايا إثارة للجدل بين التيارات الإسلامية والتيارات اليسارية والليبرالية والقومية على مدى القرن الماضي، لما تثيره العلمانية من حساسية اتجاه الدين بشكل عام والإسلام بشكل خاص لأنه الدين الغالب في المنطقة العربية والإسلامية، لقد برزت قضية العلمانية في العالم الإسلامي بعد الاحتكاك بالدول الغربية التي عرفت في تجربتها فصلا للدين عن الدولة وكان أحد الأسباب في نهضة أوروبا وتطورها لأنها تحررت من سيطرة الكنيسة ورجال الدين، هذه التجربة الأوروبية والغربية دفعت جزءا من النخب العربية ذات التوجه القومي والليبرالي واليساري إلى المطالبة باستنساخ تجربة الفصل بين الدين والدولة في العالم العربي والإسلامي حتى يتمكن من الخروج من التخلف واللحاق بركب الدول المتحضرة، في حين يرى التيار الإسلامي ومفكريه أن التجربة الأوروبية لا علاقة لها بالتجربة الإسلامية إذ ليس في الإسلام كنيسة أو مؤسسة كهنوتية ناطقة باسم الله وأن المسيحية ليست هي الإسلام وأن الإسلام دين ودولة، يهتم بكل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأمام هذا النقاش الفكري والأيديولوجي والسياسي كان للجابري رأي آخر انفرد به يقع في منزلة بين المنزلتين إذ يرى “أن ثنائية الدين والدولة في الفكر العربي الحديث ثنائية مزيفة .وهي مزيفة لأنها تخفى مشكلة أخرى حقيقية، بصورة نسبية، هي مشكلة الطائفية في بعض الأقطار العربية، وهذه المشكلة تعكس حقيقة نسبية فقط لأنها لا تعم الوطن العربي كله، وإنما يراد منها أن تنوب عن حقيقة كلية هي غياب الديمقراطية، السياسية والاجتماعية، في الوطن العربي من الخليج إلى المحيط ” 5، ولهذا طالب الجابري الفكر العربي “بمراجعة مفاهيمه، بتدقيقها وجعل مضامينها مطابقة للحاجات الموضوعية المطروحة”. وفي رأي الجابري “أنه من الواجب استبعاد شعار “العلمانية” من قاموس الفكر العربي وتعويضه بشعاري “الديمقراطية” و “العقلانية” فهما اللذان يعبران تعبيرا مطابقا عن حاجات المجتمع العربي :الديمقراطية تعني حفظ الحقوق، حقوق الأفراد وحقوق الجماعات، والعقلانية تعني الصدور في الممارسة السياسية عن العقل ومعاييره المنطقية والأخلاقية، وليس عن الهوى والتعصب وتقلبات المزاج” 6 .

هذه بعض العناوين لبعض القضايا والإشكاليات التي عالجها الجابري وأثارها و لا زالت تتفاعل في الساحة الفكرية والإعلامية والثقافية من المحيط إلى الخليج إلى يومنا هذا، استعرضناها على سبيل المثال لا الحصر والتذكير بها وبصاحبها وفاء لهذا الهرم الفكري الذي افتقدناه .

مراجع :

1-    د محمد عابد الجابري : المثقفون في الحضارة العربية، محنة ابن خلدون ونكبة ابن رشد، مركز دراسة الوحدة العربية الطبعة الثانية 2000/ ص : 16

2-    د محمد عابد الجابري : مدخل إلى القرآن الكريم ج1 في التعريف بالقرآن، مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة الأولى 2006 :ص 15

3-    د محمد عابد الجابري  “الديمقراطية وحقوق الإنسان” مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة الأولى 1994 /ص 165

4-    الدكتور محمد عابد الجابري : وجهة نظر ،نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة الخامسة 2015/ ص 49

5-    نفس المرجع السابق ص : 98

6-    نفس المرجع ص: 104

Soyez le premier à commenter

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.


*