د. حميد بحكاك
حظيت تركيا في الآونة الأخيرة باهتمام إعلامي وأكاديمي وسياسي كبير خصوصا بعد صعود “حزب العدالة والتنمية” وقيادته لتركيا والتحول الذي عرفته لمدة عشرين تقريبا )منذ 2002( ، وهذا الاهتمام مرده إلى الموقع الجغرافي والجيوسياسي لتركيا على رقعة الشطرنج العالمية و التحولات التي عرفتها على الصعيد الداخلي والخارجي إقليميا ودوليا وانتقال السياسة الخارجية من صفر مشاكل إلى أدوار إقليمية مؤثرة، وما يهمنا في هذه الورقة هو القوة الإقليمية لتركيا وتأثيرها وأدوارها في اللعبة الدولية على الصعيدين الديبلوماسي والجيوسياسي وعلى مستوى إدارة التحالفات والتدخلات والوساطات خصوصا في الحرب الروسية الأوكرانية التي كشفت هذه الأبعاد في السياسة الخارجية التركية، ومعرفة عناصر القوة الثابتة والمتغيرة التي بوأت تركيا كفاعل إقليمي مؤثر.
أولا: في المحددات الجغرافية والقومية
وتركيا الحالية من الناحية الجغرافية هي نتاج اتفاقية لوزان في 24 يوليوز 1923 التي وقَّعتها بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى، هذه الاتفاقية حسب حكومة أردوغان سلبت تركيا كثيرا من المناطق والدول التي كانت تنتمي للإمبراطورية العثمانية وهو ما تراه ظلما تاريخيا يجب تصحيحه، وهذا ما يدفع كثير من الأوساط الإعلامية الغربية للحديث عن “العثمانيون الجدد” في إشارة إلى سياسة أردوغان لإعادة مكانة تركيا يتناسب مع ماضيها وأمجادها التاريخية، وفي سنة 2023 سيتم الاحتفال بـأول ذكرى مئوية لتأسيس الدولة التركية الحديثة، وهذه السنة أيضا ستعرف انتخابات رئاسية.
وتتوزع جغرافية ومساحة تركيا بين آسيا ) 97 %( وأوروبا) 3 %(، كما تقع تركيا بين أوروبا والشرق الأوسط، ولها حدود مع بلغاريا، وأذربيجان، وأرمينيا، وإيران، واليونان، والعراق، وسوريا، كما تتوفر تركيا على ممرات بحرية ( ممري البوسفور والدردنيل) كحلقة اتصال بين “البحر الأسود” و”البحر الأبيض المتوسط” تعبرها السفن التجارية والملاحية، بالإضافة إلى خطوط أنابيب الغاز بين روسيا وآسيا الوسطى عبر التراب التركي وأوروبا ( ترك ستريم، بلو ستريم).1
هذه الجغرافيا المتنوعة تفرض علاقات متعددة الأطراف والأهداف مع دول القارتين الآسيوية والأوروبية سياسيا واقتصاديا وعسكريا بحكم الطبيعة الجغرافية المزدوجة، ويجعل من هذه العلاقات مجالا متداخلا ومتشابكا إلى حد التناقض وهو ما ظهر أثناء الحرب الأوكرانية المستمرة إلى حدود كتابة هذه السطور.
أما على المستوى الديمغرافي، فيبلغ عدد سكان تركيا 84 مليون نسمة أغلبهم أتراك ويمثل الأكراد نسبة 20 في المائة بجانب أقليات أخرى، ويتوزع العنصر التركي على عدة دول في آسيا الوسطى الناطقة باللغة التركية، انتظمت هذه الدول في مجلس سمي بـ “مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية” تأسس سنة 2009، وغيَّر اسمه في عام 2021 إلى “منظمة الدول التركية”، وهذه الدول هي : تركيا وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وأذربيجان، وانضمت تركمانستان إلى المنظمة بصفة مراقب لتبنِّيها الحياد في سياساتها الخارجية، هذا الامتداد القومي فرض نوعا من التضامن والاصطفاف الإقليمي وحماية عسكرية من طرف “الأخ الأكبر” تركيا كما حدث في أزمة إقليم “ناغورنو كارا باخ” في أذربيجان ضد أرمينيا، وكما حدث في شمال جزيرة قبرص حيث القبارصة الأتراك منذ سنة 1974. 2
ثانيا: المحددات الاقتصادية والتجارية
عرف الاقتصاد التركي قفزة نوعية منذ صعود “حزب العدالة والتنمية” وقيادته للحكومة، إذ يحتل المرتبة 18 عشر ضمن اقتصاديات العالم، وتسعى تركيا للوصول إلى المرتبة العاشرة بحلول سنة 2023، وتركيا عضو في مجموعة العشرين G20 وعضو كذلك في “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، وقدمت طلبها للعضوية في الاتحاد الأوروبي منذ سنة 1987، ولا زال هذا الطلب يراوح مكانه إلى اليوم.
إلاَّ أن الاقتصاد التركي عرف تراجعا في الآونة الأخيرة من خلال ارتفاع نسبة التضخم وانخفاض قيمة العملة التركية مما أثر على القدرة الشرائية للمواطن التركي، مما سيهدد حظوظ “حزب العدالة والتنمية” في الفوز في الانتخابات التشريعية وربما الانتخابات الرئاسية لسنة 2023 وذلك من خلال مؤشر نتائج الانتخابات المحلية لسنة 2019 إذ فقد “حزب العدالة والتنمية” أكبر معقلين له وهما أنقرة واستانبول، ثمَّ جاءت الحرب الروسية الأكرانية التي حاول من خلالها أردوغان تجاوز الأزمة الاقتصادية وتعزيز موقعه كزعيم وطني تركي يستثمر التهديدات والفرص الخارجية ويحولها إلى مكاسب انتخابية تصب في مجرى السياسة الداخلية والخارجية لحكومة “حزب العدالة والتنمية” وكسب رهان الانتخابات الرئاسية لسنة 2023.
ثالثا: المحددات العسكرية (القوة الصلبة(
تعتبر تركيا عضوا في حلف الناتو منذ 1952 وثاني أكبر جيش بعد الولايات المتحدة الأمريكية في الحلف، وتحتل الرتبة 15 على مستوى الإنفاق العسكري بميزانية تقدر ب 18 مليار سنويا، وتتكون القوة العسكرية التركية من خمسة أذرع وهي القوات البرية والقوات البحرية والقوات الجوية وخفر السواحل وقوات الدرك، كما أنشأ الجيش التركي قوات خاصة سنة 1992، ولتركيا صناعة عسكرية محلية إذ تنتج أكثر من 70% من حاجتها إلى السلاح بل وصلت إلى تصدير بعض أنواع الأسلحة كالمسيَرات ( طائرات بدون طيار ) التي اشترتها أوكرانيا واستعملتها في حربها ضد الروس كما استعملت ضد الأرمن في الحرب بين أرمينيا ضد أذربيجان المدعومة من تركيا، لقد دفعت المخاطر الإقليمية وعدم الرهان على “الحلفاء” تركيا إلى الصناعة العسكرية وتطوير بنيتها التكنولوجيا العسكرية والاعتماد على الذات، خصوصا بعد عمليات حظر بيع أسلحة لتركيا من قبل ألمانيا وفرنسا بسبب التدخل العسكري التركي في سوريا، ومن قبل كندا بسبب التدخل العسكري التركي في إقليم “ناغورنو كاراباخ” ، بالإضافة إلى حرمان أمريكا تركيا من طائرات F 35 كل هذه الأسباب دفعت تركيا أن تولَي وجهها إلى روسيا والصين للتزود من حاجاتها من السلاح والاعتماد على الذات في المجال العسكري .
وتتجلى القوة العسكرية لتركيا ( القوة الصلبة أو الخشنة Hard power ) أيضا في التدخلات والعمليات العسكرية في سوريا والعراق وليبيا وفي أذربيجان وفي شرق البحر الأبيض المتوسط للتنقيب عن الغاز، و في جزيرة قبرص ( قبرص الشمالية حيث القبارصة الأتراك والمعترف بها من قبل تركيا دون بقية دول العالم ) حيث يتواجد جنود أتراك منذ سنة 1974، كما تتوفر تركيا على قواعد عسكرية في كل من قطر والصومال والعراق وأذربيجان، كما تتواجد في تركيا قاعدة عسكرية جوية أمريكية، وقيادة للقوات البرية لتحالف الناتو ب”أزمير”.3
أما بالنسبة للقوة النووية فقد أبرمت تركيا مع روسيا اتفاقا سنة 2010 لإنشاء محطة نووية “أكويو” في إقليم مرسين جنوب تركيا، وتم وضع حجر الأساس لهذا المشروع سنة 2018 بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، وسيبدأ العمل بهذه المحطة لتوليد الطاقة الكهربائية ابتداء من سنة 2023 التي تتزامن مع الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس تركيا الحديثة، ويعتبر هذا المشروع جزء من “رؤية تركيا 2023” للرئيس التركي، وهذا المشروع سيلحق تركيا بالنادي النووي، مما سيعزَز الحضور الدولي لتركيا.
كما كان الانقلاب العسكري الفاشل سنة 2016 مناسبة لأردوغان لإعادة تشكيل الجيش على أسس جديدة ورؤية جديدة وتوجيه نشاطه خارج تركيا لتعزيز قوة تركيا كقوة إقليمية ضمن “رؤية تركيا 2023”.
رابعا: القوة الناعمة لتركيا (Soft Power)
بالإضافة إلى الشرعية السياسية الديمقراطية للنظام التركي، والتي تجددَّت بعد الانقلاب العسكري الفاشل والقدرات الاقتصادية والمبادلات التجارية والعسكرية والمحددات الجغرافية التي تتمتع بها تركيا والعلاقات والتحالفات الدولية والإقليمية، تستعمل تركيا القوة الناعمة (soft Power) في تعزيز حضورها وإشعاعها الدولي خصوصا داخل العالم الإسلامي، وفي مقدمة الأدوات الناعمة يأتي الجانب الروحي المتمثل في تقديم نفسها كحامي الإسلام في العالم في مواجهة الغرب “الاستعماري والعنصري الإسلاموفوبي”، فتصريحات أردوغان ضد المعايير المزدوجة التي يستعملها الغرب ضد الإسلام والمسلمين المقيمين في الغرب، وضد الرموز الدينية الإسلامية، وتصريحاته ضد الإسلاموفوبيا الصاعدة في الدول الغربية، كل هذا يصب في إثارة واستثمار الشعور الديني وفي تنافس حول زعامة العالم الإسلامي السني مع المملكة العربية السعودية حيث وجود مكة والمدينة وتنظيم واحتضان موسم الحج والعمرة، وفي تنافس أيضا مع مصر حيث الأزهر الشريف، وفي هذا السياق تمت إعادة مسجد آيا صوفيا سنة 2020 في استانبول بقرار قضائي وما أثاره من ردود فعل دول غربية، وظهر أردوغان كزعيم مسلم أو إسلامي يعيد الوجه الإسلامي لتركيا الذي همشته “العلمانية الأتاتوركية”، كذلك بناء أكبر مسجد( سمي بـمسجد “السلطان أيوب”) في أوروبا على الطراز العثماني في مدينة ستراسبورغ الفرنسية سنة 2018 وأثار ردود فعل اليمين المتطرف والأوساط العلمانية المتطرفة في فرنسا، وتعمل السياسة الثقافية لتركيا على استحضار تاريخ الدولة العثمانية وأمجادها ودورها في نشر الإسلام إلى قلب أوروبا وآسيا، كما وظفت الدراما التركية في التعريف بتاريخ تركيا وحاضرها وربط ذلك بالمجال السياحي والمآثر التاريخية للسلطنة العثمانية، والتعريف بالنموذج التركي الذي يعكس “الديمقراطية الإسلامية” الذي يجمع بين الحداثة أو التحديث والديمقراطية والقومية التركية دون التخلي عن الجذور الإسلامية لتركيا قياسا بالأحزاب الديمقراطية المسيحية المحافظة في أوروبا 4
خامسا: التوجه البراغماتي في إدارة العلاقات والتحالفات الخارجية
المتأمل في سياسة تركيا طيب أردوغان في إدارة التحالفات والعلاقات الخارجية وسرعة انتقالها من النقيض إلى النقيض، يدرك الطابع البراغماتي لحكومة حزب العدالة والتنمية التركي، فهي لا تخضع لخط عقائدي ثابت وجامد، وفي مقدمة هذه العلاقات البراغماتية العلاقة مع “الكيان الصهيوني” فرغم التوجه الإسلامي المحافظ للحزب و”الدفاع” عن القضية الفلسطينية، والتنديد المستمر وبأشد العبارات ضد سياسة الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وتهويد المسجد الأقصى وسياسة الاستيطان، وما حدث مع “أسطول الحرية” الذي انطلق من تركيا في اتجاه فك الحصار عن غزة سنة 2010 وما عرفه من أحداث دراماتيكية، فالحزب يعقد صفقات ويجري مناورات عسكرية ويوقع اتفاقات مع “إسرائيل” وفي نفس الوقت يندد بالاحتلال الإسرائيلي ويؤكد على حل الدولتين.
وفي العلاقة مع روسيا، فرغم التقارب الروسي التركي والذي تعزَّز بعد مساندة بوتين لأروغان ضد الانقلاب العسكري الفاشل سنة 2016، بينما الدول الغربية وأعضاء حلف الناتو كانت لهم مواقف “رمادية” اتجاه الانقلاب وهو ما اعتبره أردوغان خذلان للدول الغربية وحلف الناتو له، فرغم هذا التقارب بين روسيا وتركيا فإن لهما مواقف متعارضة وتنافسية في بعض المناطق وحول بعض القضايا، ويتجلى ذلك في سوريا وليبيا وأزمة “ناغورنو كارا باخ” بين أذربيجان وأرمينيا، وفيما عارضت روسيا بشدة انضمام كل من فلندا والسويد إلى حلف الناتو، قبلت تركيا هذا الانضمام بشروطها وحصلت على ما أرادت من فلندا والسويد فيما يخص وقف دعم مسلحي حزب العمال الكردستاني ورفع الحظر عن بيع الأسلحة لتركيا، وأبرمت اتفاقية أمنية ثلاثية بين تركيا وفنلندا والسويد، وفي الحرب الأوكرانية الروسية لعبت تركيا دور الوسيط إذ أشرفت على جلستين للحوار بين الطرفين دون جدوى في بداية الحرب، في نفس الوقت الذي تبيع فيه تركيا “المسيَرات” محلية الصنع إلى أوكرانيا، كما لم تشارك في العقوبات ضد روسيا وهي العضو في حلف الناتو، وتشتري جزءا من الغاز الروسي بالروبل الروسي، كما توسطت تركيا في عبور سفن القمح من أوكرانيا إلى البحر المتوسط عبر ممري “البوسفور” و”الدردنيل” الذين تراقبهما تركيا، مما جعل من تركيا دولة وسيطة ومحورية في الأزمة بين أوكرانيا ومن وراءها الدول الغربية وحلف الناتو وروسيا ووراءها الصين .
وفي العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، فقد تقدمت تركيا بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بتاريخ 14 أبريل 1987 وتم قبول ترشيحها للعضوية بتاريخ 12 ديسمبر 1999 وبدأت المفاوضات سنة 2005 ولم تفض إلى نتيجة إلى اليوم، وهو ما رأى فيه رجب طيب أردوغان نوعا من الضغط عليه ورفض غير معلن لقبول انضمام تركيا ليقابله بضغط مماثل كتوجهه نحو آسيا وتعميق علاقات الشراكة مع دول آسيا، من خلال حصوله على وضعية “شريك الحوار” في “منظمة شنغهاي للتعاون” وهو عبارة عن تحالف اقتصادي وعسكري للدول الأعضاء التسع، وسبق لأردوغان أن صرَّح سنة 2016 بإمكانية عدوله عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والانضمام إلى “منظمة شنغهاي للتعاون”، وتعتبر هذه الأخيرة على المدى البعيد حسب بعض المراقبين المقابل العسكري لحلف الناتو والمقابل الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، كما تتوفر تركيا على ورقة “الهجرة و المهاجرين” واستعمالها في الضغط على أوروبا خصوصا مع صعود اليمين المتطرف مما يعزز أهمية تركيا والحاجة الموضوعية إليها في الجانب الأمني والسياسي بالنسبة لأوروبا .
وسياسة التوجه نحو آسيا يستعمله أردوغان كورقة ضغط ضد الولايات المتحدة الأمريكية كرد على عدم تسليمها “عبد الله غولن” زعيم جماعة “خدمة” والمتهم بتدبير انقلاب 2016 حسب أنقرة، وضد السياسة الأمريكية في توظيفها لورقة الأكراد للضغط على تركيا، ووقوفها إلى جانب اليونان في قضية جزيرة قبرص المقسَّمة بين تركيا واليونان، والعلاقة التركية الروسية تصب في هذا المنحى أيضا، منحى التوازنات واللعب على الخلافات الموجودة أصلا واستثمارها لمصلحة تركيا كما حصل أثناء شراء تركيا من روسيا صواريخ مضادة S400 سنة 2019 و 2020 المتعلقة بالدفاع الجوي وهو ما أثار غضب الرئيس السابق “دونالد ترامب” والإدارة الأمريكية وحلف الناتو الذي رأى في شراء هذه الأسلحة خرقا لبروتوكولات الحلف.5
وبالنسبة للعالم العربي فقد عرفت العلاقات التركية العربية نوعا من التقلبات خصوصا مع المملكة العربية والسعودية وجمهورية مصر العربية والإمارات العربية المتحدة، فبالنسبة للسعودية فقد توترت العلاقات على خلفية مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية على الأراضي التركية، وتم تدويل القضية من خلال عرض أطوار ووقائع هذا “الاغتيال” على أنظار العالم بطريقة درامية من قبل تركيا، وخلق هذا الحدث أزمة ديبلوماسية بين البلدين لمدة أزيد من سنتين، ثم عادت المياه إلى مجاريها وطوي الملف ويقرر أردوغان زيارة السعودية وإبرام صفقات تجارية واتفاقات بين الطرفين، نفس الأمر جرى مع دولة الإمارات إذ انتقلت العلاقات من التوتر إلى الشراكة الاقتصادية و”العلاقة الطبيعية”، ونفس الشيء سيتكرر مع مصر إذ وقفت تركيا ضد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي سنة 2013 وإيواء المعارضين المصريين الفارين من بطش حكم العسكر خصوصا قياديي “حزب الحرية والعدالة” التابع لجماعة الإخوان المسلمون، لتعود المياه إلى مجاريها العادية بشكل تدريجي، وأيضا في الأزمة التي حدثت بين مصر والإمارات العربية المتحدة والسعودية من جهة وقطر من جهة أخرى وقفت تركيا مع الجانب القطري وأرست قاعدة عسكرية لها في قطر سنة 2016، وهذه التغيرات تحكمت فيها مصالح الأطراف وسياقات دولية وإقليمية، كالانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتداعياته على منطقة الخليج التي أصبحت تتجه نحو تنويع الشراكات والاتجاه صوب المحور الآسيوي بقيادة الصين وروسيا، احتياطا للتقلبات الجيوسياسية وتداعياتها الإقليمية والدولية على الأوضاع الداخلية للدول والجوار الإقليمي.
فالعلاقة التركية مع دول الجوار الإقليمي يطبعها التعاون والتنسيق في بعض الملفات والقضايا والمواجهة بالوكالة ( سوريا وليبيا) في قضايا أخرى في إطار لعبة المصالح المتبادلة والمحكومة بمعادلات التوازن حتى لا يخرج الوضع عن السيطرة والدخول في المواجهة المباشرة التي تربك الوضع أو تسقط الهيكل على رؤوس الجميع.
الخلاصة:
يقول نابليون إن “سياسة الدول تكمن في جغرافيتها”، وهو ما ينطبق على تركيا إلى حد بعيد، فجغرافية تركيا كأحد العوامل المحددة للسياسة التركية على صعيد علاقاتها الخارجية وتحالفاتها، بالإضافة إلى العناصر الأخرى كالديمغرافيا والقوة العسكرية والاقتصادية والقوة الناعمة وفن إدارة التحالفات و”الخصومات”، بطريقة براغماتية، واستثمار الأحداث وتحويل التحديات والمخاطر إلى فرص، والجمع بين الشراكة والتعاقدات والتكتلات والأحلاف مع الاستقلالية النسبية في اتخاذ بعض القرارات والمواقف بشكل متوازن، جعل من تركيا رقما مهما وقوة إقليمية في رقعة الشطرنج في عالم يتعدد أقطابه ومحاوره ورهاناته وتتغير علاقاته. فهل تستطيع تركيا الحفاظ على دورها وحضورها كقوة إقليمية دون إرهاق الداخل التركي اقتصاديا وديمقراطيا، وما هي حدود سيادة واستقلالية القرار التركي داخل حلف الناتو، وهل سيظل “رجب طيب أردوغان” على رأس السلطة لتنزيل “رؤية تركيا 2023″، ذلك ما سنراه إذ تفصلنا سنة عن الذكرى المئوية 2023 للاحتفال بتأسيس تركيا الحديثة وانتخاب رئيس جديد لتركيا.
المراجع :
1- GÉOPOLITIQUE DE LA TURQUIE (en cartes)
https://www.youtube.com/watch?v=MCx6fujV4MI
2 – أحمد مولانا: الحسابات الاستراتيجية التركية في آسيا الوسطى مزيج من الثقافة والسياسة والاقتصاد
15 سبتمبر 2022 https://studies.aljazeera.net/ar/article/5461
3 – الجيش التركي.. من أتاتورك لأردوغان https://www.aljazeera.net/encyclopedia/military/ 2015/7/29
- – ATLAS STRATÉGIQUE DE LA MÉDITERRANÉE ET DU MOYEN-ORIENT
- ÉDITION 2022 , Fondation Méditerranéenne d’Etudes Stratégiques https://fmes-france.org
4 – تركيا من القوة الناعمة إلى الصارمة.. كيف غيّرت من نهج سياستها الخارجية؟
https://www.asbab.com مطالعات جيوسياسية مارس 2022
5 – ضياء عودة : تركيا والحرب الأوكرانية.. حدود “التوازن” وفرص “الوساطة” 2022/03/07
Soyez le premier à commenter