كانت فكرة تكنولوجیا الاتصال، باعتبارھا أداة لتعزیز المسار والممارسة السیاسیة، تعقب دوما الابتكاراتالتكنولوجیة التي یتم التوصل إلیھا، ففي القرن التاسع عشر رأى أنصار فلسفة سان سیمون في التلغراف وسیلة لتواصل عالمي بین الشرق والغرب. وتطورت النظرة الى الاثار التي تنتجھا وسائل الاعلام بتطور النظریات انطلاقا من ظھور نظریة الثقافة ووسائل الاعلام الجماھیریة ووصولا الى اتجاھات نظریة معاصرة على نحو ما سنراه في ھذا البحث. وتجدر الاشارة الى ان العدید من الباحثین اكدوا انطلاقا من سنوات السبعینات على أن تكنولوجیا الإعلام والاتصال تدعم بشكل ایجابي الدیمقراطیة، كما شدد آخرون خلال سنوات الثمانینات على دورھا في دفع الأنظمة الدیمقراطیة نحو مزید من التداول والمشاركة المباشرة للمواطنین في الحیاة السیاسیة. وھكذا في إطار أزمة الدیمقراطیة التمثیلیة التي تعرفھا المجتمعات الغربیة ومع انتشار الانترنیت وازدیاد استعمالھا وسھولة الوصول إلیھا ارتفعت التوقعات الجدیدة التي تشیر إلى أن الإعلام الجدید3 وتكنولوجیا المعلومات والاتصال الجدیدة تقدم وسیلة للتواصل یمكن الوثوق بھا، تضمن قدرات تخزین للمعلومات وتقلل من تكالیف عملیات الاتصال، وبالتالي فھي یمكن أن تساھم في فعالیة المسار السیاسي، الأداء الحكومي1 وبصفة عامة الممارسة السیاسیة كمجموعة من الإجراءات، الخطوات، الأعمال التي تھدف إلى تحقیق أھداف سیاسیة أو لتحقیق عناصر المشروع المجتمعي للأفراد أو المؤسسات أو التنظیمات المجتمعیة بشكل عام )المشاركة في الانتخابات، تنظیم النشاط السیاسي، عملیات التعبئة، القرارات السیاسیة …الخ(. ویرى البعض انھ إضافة إلى أثارھا الایجابیة على الدیمقراطیة التمثیلیة في المجتمعات الغربیة تملك الانترنیت، وباقي آلیات تكنولوجیا المعرفة والاتصال الجدیدة الأخرى، آثارا ایجابیة مھمة على الحركات المعارضة في الأنظمة غیر الدیمقراطیة كما تدعم الدمقرطة في الدول التي تعیش مسلسلا للانتقال2، وبالتالي فھي اتجاھات عالمیة تجعل محاولة فالبحث في الإمكانیات التي تمتلكھا وسائل الاتصال الحدیثة، في تفعیل الممارسة السیاسیة في العالم العربي وكذا محدداتھا، ذات أھمیة خاصة. وعلیھ سنحاول بدایة تحلیل تطور وسائل الاعلام وعرض الاتجاھات النظریة الرئیسیة بشان اثار وسائل الاعلام )اولا( قبل التطرق إلى تقییم بعد مستویات أدوارھا في تفعیل الممارسة السیاسیة في بعدھا العالمي )ثانیا(، إمكانیاتھا ومحدداتھا في العالم العربي )ثالثا(.
اولا تطوروسائلالاعلاموالاتجاھاتالنظریةالاساسیةبشاناثارھا:
مصطلح المیدیا “Media” الذي یعني الاعلام ھو مصطلح عام یشیر الى الاداة )كتاب، مضیاع، شبكة الكترونیة …الخ( ولكن ایضا الى نقل المعارف والرسائل بین الاشخاص. ویرتبط تطور النظریات بشان الاتصال بتطور وسائل الاتصال الذي یتأسس بدرجة كبیرة على التغیرات الحاصلة في التكنولوجیا. وعلیھ فانھ من الاھمیة بما كان التطرق الى التطور الذي عرفتھ وسائل الاتصال الجماھیري قبل التطرق الى التطور النظري، رغم ان ذلك لا ینبغي ان یدفع الى الاعتقاد باقتران النظریات بصنف تكنولوجیا الاتصال التي انصبت على تحلیلھا، فالعدید من النظریات تبقى صالحة كأساس لفھم اثر وسائل الاتصال التي ظھرت بعد انشائھا، وتجتذب انصار جدد حتى بعد ذھاب مؤسسیھا.
1 تطور وسائل الاعلام: من الكتاب الى وسائل الاتصال الجماھیري
اذا اقتصرنا على التاریخ المبتدأ من نھایة القرون الوسطى وبدایة العصور القدیمة4 الى الان فإننا نحبذ ان نتطرق الى ھذه الفترات الطویلة من سیرورة وسائل الاتصال الجماھیري من خلال الحدیث اولا على وسائل الاتصال التقلیدیة قبل ان نتطرق على وسائل الاتصال الجدیدة محاولین ان نحدد العوامل التي تحكمت في انتشار الصنفین.
1 1 وسائل الاعلام التقلیدیة:
یعد الكتاب احدى وسائل الاتصال التي انتشرت بسبب الانشطة المتمحورة حول المطبعة في اروبا في منتصف القرن الثامن عشر. وقبل ان یصیر الكتاب اكثر تداولا كان اقتناءه في بدایة الامر مقتصر على شرائح محدودة تتمثل في الطبقات المستنیرة من المجتمعات الغربیة والتي امتلكت الامكانیات المالیة اللازمة لاقتنائھ، خاصة ان ثمنھ كان مرتفعا بسبب اعتماد طباعتھ على عمل عائلات احتكرت اشغال طباعة الكتب بنسخ محدودة لكنھا غالیة.
وبعد ان تم التحول نحو كتاب العلماء وكتب الترفیھ سیعرف رواج الكتب ازدیادا كبیرا خاصة مع ظھور الاشھار الذي خفض من اثمنتھا بشكل لافت للنظر. ورغم ذلك لابد منم الاشارة الى ان لحظة الانعراج الكبیر في وسائل الاتصال الجماھیریة خلال ھذه الفترة ستحصل مع ظھور الصحافة التي تباع بسبب الاشھار بأثمنة تقل عن ثمن طباعتھا، فارتفعت النسخ المسحوبة منھا من 80 الى 180 الف، وھو امر ساھم فیھ اضافة الى اقبال الجمھور وارتفاع ھامش الحریة الذي سمحت بھ الانظمة السیاسیة في اروبا وامریكا آنذاك، تطور تكنولوجیا الطباعة5.
ومن جھة اخرى سمح التطور التكنولوجیا في میدان الصورة والصوت للسینما مع بدایة القرن العشرین بان تصبح اداة رئیسیة لنقل القیم والرسائل وشكلت مجالا لتعاون مختلف الفنون انطلاقا من الروایة الى المسرح والموسیقى …الخ. ومنذ منتصف القرن العشرین ستعرف تكنولوجیا الاتصال تطورا متسارعا انطلاقا من اختراع المذیاع ثم التلفزة الى شبكات الاتصال التي مكنت من سرعة نقل المعلومات، وصولا الى البث الفضائي، الھواتف النقالة وشبكة الانترنیت.
1 2 خصائص وسائل الاعلام الجدیدة:
تشھد تكنولوجیا الاتصال تحولا كبیر تجعلنا ننتقل من الات تعتمد على التماثل analogue الى اخرى رقمیة Digital َمن الات لھا وظیفة وحیدة الى الات متعددة الوظائف وھو ما یجعل وسائل الاتصال الجماھیري تملك خصائص ترفع من كفاءتھا من فعالیتھا في القیام بالأدوار التي صنعت من اجلھا. ومن بین اھم ھذه الخصائص یمكن الاشارة الى ما یلي:
v الاستعارة والالتقاء:
فالاستعارة ھو قیام وسیلة الاتصال باقتباس المواضیع والتقنیات المستعملة في وسیلة اخرى سابقة او لاحقة علیھا بشكل لا یجعلھا مجرد استعمال مماثل لما تؤدیھ الوسیلة المستعار منھا. فمثلا ترتكز معالجة النصوص في الحاسوب على تقنیات الالة الكاتبة ولكنھا تقدم امكانیات اكثر مما كانت توفره ھذه الاخیرة. كما ان التلفزة تستعمل الشاشة المقتسمة والعنوان لتقدم الاخبار مثلما یحصل في الانترنیت. ان ھذا یجعل من وسائل الاتصال الجماھیري تتأثر فیما بینھا، وھذا الامر یجعل من تطورھا اكثر من مجرد تعاقب یؤدي الى حلول الوسائل الجدیدة محل القدیمة منھا6.
اما الالتقاء Convergence فیشیر الى سفر المضامین بین مختلق وسائل الاتصال الامر الذي یؤدي الى نوع من التوحد في معالجتھا او الى حصول تأثیرات متقاربة.
v وسائل الاعلام الجدیدة ھي وسائل “ذكیة“:
صارت وسائل الاتصال الیوم اكثر “ذكاء” لأنھا تتوفر على حواسیب صغیر Micro computer مدمجة فیھا وذلك حتى بالنسبة للاستعمالات الشخصیة ، وھو ما یوفر للمستعمل امكانیة التشفیر وفك التشفیر، تخزین المعلومات متجاوزة الاستعمال البسیط الذي كان یمیز ما سبقھا من وسائل الاتصال. فالھاتف النقال في نسخھ الحالیة لا یقدم فقط وظیفة الاتصال وانما یمكن استعمالھ في معالجة النصوص والربط بشبكة الانترنیت وبرمجة المواعد والمكالمات …الخ.
والمدونات على الانترنیت كذلك تسمح للمتصفحین بالتفاعل مع ما ھو معروض من خلال انتقاده او اغنائھ ونفس الامر ینطبق على الصحافة على شبكة الانترنیت التي لا تقدم فقط للمستعمل مقالات صحفیة بل تعطیھم امكانیات التعلیق والدخول مع مؤلفیھا في محاورات ونقشات بل انھا تشكل احیانا مناسبة لانطلاق مراسلات بین القراء وبین اصحاب المقالات، امكانیات لا توفرھا الصحافة الورقیة ، مع العلم ان الصحافة الالكترونیة تتكون في جزء كبیر مما ھو مكتوب في الاولى.
2 تطور النظریات بشان تكنولوجیا الاعلام:
شھدت النظریات التي حاولت تحلیل وتفسیر ادوار وسائل الاعلام تغییرات ھامة7 على مدى القرنین الماضیین، وقد بلغ عددھا الى ما یقرب 150 نظریة8 یصعب معھ التطرق الیھا جمیعا ولذلك سنحاول استعراض مضامین بعض نماذج من ھذه النظریات – رغم ان بعض ھذه المقتربات تجاوزھا الزمن والاحداث– ابتداء من نظریة وسائل الاتصال الجماھیري في القرن التاسع عشر ووصولا الى مجموعة من الاتجاھات المعاصرة .
2 1 نظریة وسائل الاعلام الجماھیریة والثقافة الجماھیریة:
تعود الافكار الاولى التي تتأطر ضمن مرحلة الاتصال الجماھیري الى النصف الأخیر من القرن التاسع عشر،
وھي فترة تمیزت بالانتشار السریع للمصانع الكبرى في المناطق الحضریة بالتزامن مع ارتفاع وتیرة ھجرة الافراد من
المناطق الریفیة الى داخل المدن في الدول الصناعیة وظھور المطابع التي سمحت بإنشاء الصحف القابلة للبیع بأسعار
منخفضة لجمھور من القراء اخذ في الازدیاد وبوتیرة متسارعة.
وقد تمیز الكتاب المنتمین الى ھذا المقترب بالتشاؤم حول ما یمكن ان تؤدي الیھ وسائل الاتصال من مساوئ من قبیل تقویض النظام الاجتماعي القائم والمؤسسات الدیموقراطیة وتھدید لثقافة وقیم النخبة آنذاك )ثقافة المجتمع القروي الذي كان یشكل آنذاك الغالبیة والذي خضع لمنافسة قویة من قبل المجتمع الحضري المتصاعد في المدن والذي توسع بفعل ما عرفتھ الدول الغربیة من عملیة تصنیع كبرى ساھمت في انتقال مركز الثقل لاحقا من القریة الى المدینة خاصة في ظل تصاعد الھجرة من البادیة الى ضواحي المدن الصناعیة بھدف حصول المھاجر على الشغل وعلى ما یقدمھ التحضر من بیئة عیش جدیدة …الخ(.ھذا التشاؤم النظري اختلط مع سیادة نوع من التفاؤل بشان وسائل الاتصال الجماھیري كأداة یمكن ان تستعمل من اجل اعادة ترمیم النظام المجتمعي القدیم او بناء اخر جدید.
الخصوصیة الاساسیة لمنظري المجتمع الجماھیري والثقافة الجماھیریة انھم بالغوا في التأثیر الذي تحدثھ وسائل الاتصال الجماھیري وفي قدرتھا على تحفیز التغیرات المجتمعیة والثقافیة. انھا تتأسس على خلفیة التأثر السریع والتلقائي للأفراد بالرسائل التي تتضمنھا تلك الوسائل وبعدم توفرھم على امكانیة مقاومتھا.
2 2 نظریة فرانكفورت:
انتجت مدرسة فرانكفورت بصفة مبكرة نموذجا مبكرا للدراسات الثقافیة النقدیة لوسائل الاعلام الجماھیریة والثقافة ، اذ طورت ھذه المدرسة مقترب نقدي ومتعددة التخصصات لوسائل الاعلام یقوم على الجمع بین نقد الاقتصاد السیاسي لوسائل الإعلام، وتحلیل النصوص ، ودراسات الآثار الاجتماعیة والایدیولوجیة لاستقبال الجمھور للثقافة الجماھیریة والاعلام .
وعلى الخصوص قام انصار ھذه المدرسة ، ومن ابرزھم تیودور ادورنو Theodor Adorno وماكس ھوركایمر Max Horkheimer، بفحص الصناعات الثقافیة كشكل من أشكال إدماج الطبقة العاملة في المجتمعات الرأسمالیة. لقد كانت مدرسة فرانكفورت واحدة من مجموعات الماركسیة الجدیدة اللواتي درسن آثار الثقافة الجماھیریة وظھور المجتمع الاستھلاكي على الطبقات العاملة التي تنظر الیھا على انھا أداة للثورة وفق ادبیات الماركسیة الكلاسیكیة. انھم حللوا أیضا الكیفیة التي بواسطتھا تساھم الصناعات الثقافیة والمجتمع الاستھلاكي في استقرار الرأسمالیة المعاصرة ، وسعوا الى تحدید الاستراتیجیات الجدیدة للتغییر السیاسي في افق تحقیق التحرر السیاسي9.
تحدیات حصر النظریات وتحلیلھا تطرحھا ایضا تعدد المقتربات الإبستمولوجیة والمنھجیة والتي تؤدي الى وجود كم ھائل من المعارف حول وسائل الاتصال الجماھیري المنتجة من قبل الباحثین في مختلف تخصصات العلوم الاجتماعیة والى نقائص في تحدیدھا وفھمھا. ووضعیة تضخم المعارف حول تلك الوسائل تتكرس اكثر مع انتشار المصادر العلمیة المتعلقة بھا.
وعلاوة على ما سبق ركزت مدرسة فرانكفورت اھتمامھا على التكنولوجیا والثقافة، مشیرة إلى تحول التكنولوجیا الى قوة رئیسیة لإنتاج وتكوین التنظیم الاجتماعي وللسیطرة علیھ. ففي مقال صدر لھ في 1941 بعنوان “بعض الآثار الاجتماعیة للتكنولوجیا الحدیثة” ، یذھب ھربرت ماركوز بأن التكنولوجیا المعاصرة تشكل اذاة لتنظیم وإدامة )أو تغییر( العلاقات الاجتماعیة ، ومظھرا من مظاھر أنماط السلوك والفكر السائد ، وسیلة للسیطرة والھیمنة. في مجال الثقافة تنتج التكنولوجیا ثقافة شاملة تعود الأفراد على الامتثال لأنماط التفكیر والسلوك المھیمنین، وبالتالي توفر أدوات قویة للرقابة الاجتماعیة والھیمنة10.
2 3 نظریة الاثر المحدود لوسائل الاتصال الجماھیري:
مع منتصف الخمسینات من القرن الماضي قام لازارسفیلد Lazarsfeld وباقي باحثي وسائل الاتصال الجماھیریة ذوي النزعة التجریبیة بتجمیع كم ھائل من المعطیات والبیانات، وقد دفعھم تحلیلھا الى الاستنتاج بان وسائل الاتصال لم تكن قویة مثلما وقع الخشیان منھ او تم الامل فیھ. على العكس من ذلك، خلص ھؤلاء الباحثین الى أن الناس یمتلكون الیات عدیدة لمقاومة تلك الوسائل والى ان تشكل مواقفھم یخضع للعدید من العوامل: مثل الأسرة والأصدقاء ، والجماعات الدینیة. وبدلا من أن تكون قوة اجتماعیة مدمرة، كما ذھبت الى ذلك نظریات المجتمع الجماھیري السابقة، یبدو بان وسائل الاتصال وفي كثیر من الأحیان تنحوا الى تعزیز الاتجاھات الاجتماعیة القائمة11.
ورغم مرور ما یزید على ستین سنة من ظھور ھذه النظریة فھي لازالت تجد صدا وقبولا في العدید من الابحاث الاكادیمیة12، وذلك على الرغم من التحولات الملحوظة في البنیة الاجتماعیة والسیاسیة ومن تغیر زاویة النظر في اثار وسائل الاتصال من الاھتمام بتغیر المواقف والسلوك على المدى القصیر الى اعطاء الاولیة الى الاثار غیر المباشرة من قبیل إعداد جدول الأعمال ،التأطیر، معالجة المعلومات ، وغیرھا من الآلیات التي تؤثر على التصورات على المدى الطویل الأجل13.
2 4 الماركسیة الجدیدة:
انسجاما مع النظریة الام الماركسیة حول دور وسائل الاتصال الجماھیري14 یعتبر مجموعة من المنظرین المنتمین الى تیارات الاشتراكیة الاوروبیة الذین قاوموا بشدة ھیمنة الولایات المتحدة بعد الحرب العالمیة الثانیة والذین یطلق علیھم
12 وتشمل الیوم نظریة الآثار المحدودیة مجموعة صغیرة من النظریات الإعلامیة التي ترى بان وسائل الاعلام تلعب إلى حد ما ادوارا محدودة في حیاة الأفراد والمجتمع الأوسع، وھي نظریات مفیدة بشكل خاص في شرح التأثیر على المدى القصیر لاستعمال تكنولوجیا الاتصال على أنواع مختلفة من المتلقین. العدید من ھذه النظریات تنعت بالنظریات الإداریة لأنھا تستخدم لتوجیھ القرارات العملیة لمختلف المنظمات. على سبیل المثال، یمكن لھذه النظریات ان تقود البحث الذي یقوم بھ المعلنون في التلفزیون من اجل تطویر وتقییم استراتیجیات الحملات الرامیة الى تعزیز مبیعاتھم.
بالماركسیین الجدد بان وسائل الاتصال تمكن النخب الاجتماعیة المھیمنة من خلق والحفاظ على استمراریة سلطتھم، من خلال استثمار الامكانیات التي تخولھا تلك الوسائل والمتمثلة فیما یلي:
انھا تقدم الیة مریحة ولكنھا فعالة في تعزیز التصورات حول المجتمع والاقتصاد والسیاسیة الملائمة لمصالح النخب المھیمنة.
انھا احد ادوات الصراع الثقافي في المجال العام تمكن من تكریس ثقافة مھیمنة ودعم استمراریتھا.
انھا تستعمل لتھمیش المعارضة ، وتقدیم الوضع القائم the status quo باعتباره السبیل الوحید المنطقي والعقلاني لھیكلة المجتمع15.
2 5 مدرسة الدراسات الثقافیة الانجلیزیة:
خلال سنوات الستینات طور بعض الماركسیین الجدد في بریطانیا مدرسة النظریة الاجتماعیة التي یشار الیھا على نطاق واسع باسم الدراسات الثقافیة البریطانیة. ركز المنتمون الى ھذه المدرسة ) Stuart Hall،Richard Hoggart …( بشكل كبیر على وسائل الاتصال الجماھیریة ودورھا في تعزیز نظرة وثقافة مھیمنة بین مختلف شرائح المجتمع، حیث درسوا كیفیة استخدام وسائل الاتصال وتوجھوا الى تقییم كیف یمكن أن یؤدي ذلك الاستعمال الى جعل الناس یساندون الأفكار التي تدعم النخب المھیمنة.
ان ھذا الموقف النظري الذي تتبناه الدراسات الثقافیة ینسجم مع مشروعھا الاولى الذي وضعھ ریتشارد ھوجارت، ریمون ویلیامز و تومسون أ.ب. والذي سعى الى حمایة ثقافة الطبقة العاملة من الثقافة التي تنتجھا الصناعات الثقافیة. وھو مشروع یفترض أن الطبقة العاملة الصناعیة تعد قوة التغییر التقدمي وانھا یتعین ان تعبا وتنظم من اجل النضال ضد عدم المساواة في المجتمعات الرأسمالیة القائمة، ومن أجل مجتمع اشتراكي أكثر مساواة.
علاوة على ذلك یتعین الاشارة الى ان الدراسات الثقافیة البریطانیة اھتمت ایضا بدراسة ثقافات الشباب بھدف ایجاد أشكال جدیدة للمعارضة وللتغییر الاجتماعي. فمن خلال دراساتھا لثقافات الشباب الفرعیة، أظھرت الدراسات الثقافیة البریطانیة كیف تشكل الثقافة نماذج متمیزة للھویة وللعضویة في الجماعة ذات مقومات كبیرة لمقاومة الثقافة والھویة المھیمنة، وخلق ھویات ونمط خاص بھن16.
2 6 الاتجاھات النظریة الحالیة:
ادى تغیر المعطیات السوسیوولوجیة والتكنولوجیة في المجتمعات المعاصرة وظھور وسائل الاتصال الجدیدة الى تبدي محدودیة كبیرة في قدرة المقتربات النظریة السابقة على تحلیل وتفسیر ادوار وسائل الاتصال الجماھیري وتأثیرھا على الافراد. ورغم مرور عقود عدیدة على ظھور نظریة الاثر المحدود لوسائل الاتصال الجماھیریة فقد حافظت على نوع من الجاذبیة في دراسات الاتصال الجماھیري. ھذا الامر یتعین الا یحجب عن التحلیل ما تتعرض لھ نظریة الاثر المحدود نفسھا من انتقادات تتمثل في عدم قدرتھا على تفسیر الحالات التي یبدو فیھا جلیا ان وسائل الاتصال الجماھیري تلعب دورا كبیر في التغیر الاجتماعي وتمتلك تأثیرا قویا على الافراد. ومن الامثلة على ذلك تأثیر التلفزة على سلوك الاطفال، رفع المنتدیات الاجتماعیة وشبكة الانترنیت من قدرة الافراد على التعبئة والتنظیم…الخ.
ویمكن القول باننا نوجد الیوم في بدایة سیاق ظھور نظریات جدیدة حول اثر وسائل الاتصال الجماھیري سواء في شكلھا التقلیدي او الجدید. ومن بین امثلة النظریات التي تحاول مقاربة وسائل الاتصال بطریفة مختلفة عن المقاربات السابقة نظریة الاطار FRAMING THEORY التي تنحو الى تفسیر السیرورة التي یمتلك من خلالھا الافراد التصورات حول قضیة أو یعیدون توجیھ تفكیرھم حولھا، بحیث یشیر الاطار الى مجموعة من المفاھیم المجردة التي تستعمل من قبل الافراد لتنظیم وھیكلة المعاني الاجتماعي للأحداث والرسائل.
ووفق ھذه النظریة یتولى الاطار المكون من قبل كل شخص تنظیم واقع الحیاة الیومیة لدیھ من خلال اعطاء معنى لما یقع من أحداث وتعزیز تعریفات وتفسیرات معینة للقضایا السیاسیة. ویعمل الباحثون على تتبع ودراسة الاطارات المتملكة من قبل الافراد من اجل تحدید الاتجاھات في تعریف القضایا والكیفیة التي یتم التعاطي بھا معھا، مقارنة تغطیة وسائل الاتصال لھا وفحص الاختلافات في تلك التغطیة17. اما اھمیة دراسة الاطارات فتتمثل في كون ھذه الاخیرة تؤثر على مواقف وسلوكات الجمھور، وھو تأثیر تفسره تلك النظریة بكون الاطارات المستخدمة من قبل النخب )على سبیل المثال، السیاسیون، ووسائل الإعلام ، وجماعات المصالح …الخ(عاد ما یعاد استخدامھا من قبل الجمھور الذین یتخذون ما توحي بھ وتؤدي الیھ تلك الاطارات من موافقھم وقرارات وسلوكات.18.
ثانیا الإعلامالجدیدوتفعیلالممارسةالسیاسیة:اتجاھاتعالمیة
تملك وسائل الاتصال الحدیثة آثارا على الحقل السیاسي بصفة عامة وعلى الممارسة السیاسیة خصوصا، ولعل
من أھم مؤشرات تلك الآثار دور تلك الوسائل في تقویة النشطاء Activistes وفي إدخال الانتخاب الالكتروني وما یترتب
علیھما من تفعیل للمشاركة السیاسیة للأفراد.
1 النشطاء الإلكترونیون:
سنحاول أن نرى حجم انتشار النشطاء الالكترونیین قبل تحلیل دور تكنولوجیا الإعلام الجدید في تفعیل أدوارھا.
1 1 انتشار الظاھرة:
ساھم ازدیاد استعمال وسائل الاتصال الجدیدة في تغییر جوھر العملیة السیاسیة بصفة عامة والتعبئة الاجتماعیة
على الخصوص19، وصار فاعلي الحقل السیاسي أكثر میلا لاستخدامھا في إطار المھام التي یضطلعون بھا وداخل الأجندة
عقب التفجیرات في مدرید، تحدیا مھما للبحث في مجال الاتصال السیاسي. إذ لأول مرة في تاریخ اسبانیا سیلجأ الأفراد إلى تكنولوجیا الاتصال من اجل تنظیم العصیان المدني السلمي التي اتھمت من قبل المعارضة بالكذب حول منفذي تلك التفجیرات، وھو الأمر الذي یبرز رغبة المواطنین القویة في المشاركة في السیرورة السیاسیة آنذاك بواسطة آلیات غیر تقلیدیة للمشاركة. انظر الإرھابیة:
Soyez le premier à commenter