أحمد الطلحي : المجتمع المدني وقضية الماء جهة طنجة تطوان الحسيمة نموذجا

أصبح موضوع الماء أهم القضايا ذات الأهمية القصوى على المستوى الكوني، وهناك احتمال أن تحدث حروب في المستقبل بسبب هذه المادة الحيوية. لذلك تم تخصيص الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة لموضوع الماء الصالح للشرب وللتطهير السائل، ولكن بتمعن باقي الأهداف نجد موضوع الماء موضوعا عرضانيا موجود في 13 هدفا من أصل 17 هدفا.

ومن الملاحظ أن المجتمع المدني المغربي لم يعط الاهتمام اللازم بقضية الماء، بل في الغالب الأعم ما يكون تفاعله مع الموضوع عند الأزمات وعلى المستوى المحلي. بالرغم من أن المشاكل المرتبطة بالماء (جفاف، فيضانات…) ستزداد مستقبلا لعدة أسباب: التغيرات المناخية، ارتفاع الطلب بسبب الزيادة الديموغرافية وارتفاع مستوى العيش، ارتفاع وتيرة التنمية…

قد يكون السبب الأساسي في ضعف اهتمام المجتمع المدني المغربي بقضية الماء ناتج عن ضعف الكوادر المتخصصة في المجال أو التي يمكن لها أن تستوعب الجوانب التقنية والعلمية للقضية. لذلك، ارتأيت أن أعرض لبعض العناصر المتعلقة بقضية الماء على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة.  

1- جهة طنجة تطوان الحسيمة جهة غنية بالموارد المائية :

يتوفر المغرب على خزانين طبيعيين كبيرين، هما:

– الأطلس المتوسط : وهو خزان جوفي، منه ينبع نهر أم الربيع

– سلسلة جبال الريف: خصوصا الريف الأوسط والريف الغربي، وهو خزان سطحي، توجد به عدة أحواض مائية، أهمها: حوض سبو الذي ينبع منه نهر سبو وحوض اللوكوس.

والسبب في غنى الريف بالمياه السطحية هو سيادة المناخ المتوسطي مع تأثيرات المحيط الأطلسي، حيث تعرف المنطقة تساقطات مرتفعة تصل في المعدل إلى 800 ملم سنويا وهو أكثر بكثير من المعدل الوطني الذي هو في حدود 150 ملم سنويا.

Source : ABHL

ويتضح غنى المنطقة إذا علمنا أن حوضي سبو واللوكوس يوفران معا 51 بالمائة من الموارد المائية الوطنية، بالرغم من أن المنطقة لا تشكل سوى 7.4 بالمائة من مساحة البلاد.

Source : ABHL

ويصل إجمالي التساقطات إلى 12 مليار متر مكعب سنويا، يتم تعبئة حوالي 5 مليارات متر مكعب منها، خصوصا في سد الوحدة الذي هو أكبر سد في المغرب بحقينة تصل إلى 3 مليار و800 مليون متر مكعب. لكن المنطقة فقيرة من حيث المياه الجوفية والتي لا تتعدى كمياتها في المجموع 100 مليون متر مكعب، وأكبر فرشة هي فرشة الرمل ب 64 مليون متر مكعب.

وسترتفع الطاقة التخزينية في السنوات القادمة، بحيث وفق المخطط المائي 2020-2027 سيتم بناء سدود بحقينة اجمالية تتجاوز 1.4 مليار متر مكعب، خصوصا سد بجماعة منصور بإقليم شفشاون بسعة تصل إلى مليار متر مكعب.

وهذه الوفرة في الموارد المائية للجهة، دفعت إلى التفكير في تحويل جزء من هذه الموارد إلى جهة سوس، وذلك في إطار التضامن ما بين الجهات حسب ما ينص عليه دستور المملكة. بحيث سيتم تحويل مياه من جهة غنية مائيا فقيرة من حيث الأراضي الزراعية الخصبة إلى جهة فقيرة مائيا غنيا بأراضيها الزراعية الخصبة وبالاستثمارات الفلاحية الضخمة. وهذا المشروع أثار جدلا كبيرا في أوساط المجتمع المدني المهتم والمختص، ثم لم يتم الحديث عنه فيما بعد، هل لأن إنجازه مكلف إذ تقدر قيمته الإجمالية ب 60 مليار درهم أو حتى يتم إنجاز المشاريع المبرمجة ومعالجة بعض الخصاص المسجل في بعض مناطق الجهة.

2- التحديات المستقبلية لقضية الماء بجهة طنجة تطوان الحسيمة :

في حالة استمرار التغيرات المناخية بسبب احترار الأرض، فإن الموارد المائية للجهة معرضة للتناقص.

حسب نتائج السيناريو المتشائم لمستقبل الجهة الذي تتوقعه مجموعة الخبراء الدوليين في المناخ (*)، فإن العجز المائي سيصل إلى 60 بالمائة مقارنة بالسنة العادية للتساقطات، وذلك بسبب ارتفاع درجة الحرارة، بحيث تم تسجيل ما يلي:

– ارتفاع درجة الحرارة بمعدل 0.16 درجة مائوية كل عشر سنوات منذ السبعينات

– ارتفاع درجة الحرارة إلى 3.7 درجة مائوية في 2030 وإلى 6.2 في 2080

– الفصل الحار زادت مدته ب15 يوما

– خلال ال35 سنة الأخيرة عرفت الجهة 20 سنة جافة

والنتيجة أن الجهة ستعرف ظاهرة الإجهاد المائي (**)، إذ سيصل المعدل إلى أقل من 500 ملم للفرد سنويا في السنوات القادمة، بعدما كان أكثر من 1800 ملم للفرد في بداية السبعينات. لكن مع إنجاز المشاريع المائية المبرمجة ستكون الوضعية أفضل.

Source : GIEC

بمعنى آخر أن الحرارة سترتفع مقابل انخفاض التساقطات، وذلك وفق التوقعات التالية:

3- التحديات الحالية لقضية الماء بجهة طنجة تطوان الحسيمة، طنجة نموذجا :

من الملاحظ أن بوادر التغيرات المناخية بدأت منذ السنوات الأخيرة، وبالتالي أصبحنا ملزمين لمواجهة عدد من التحديات المتعلقة بالماء من الان، وهذه بعض المظاهر لهذه التحديات على سبيل المثال لا الحصر في مدينة طنجة

Source : GIEC

1.3- تفاديتكرار سيناريو التسعينات

تصل الحاجيات السنوية من المياه الصالحة للشرب للمدينة إلى 77 مليون متر مكعب، وبسبب توالي 3 سنوات غير مطيرة، فإن الموارد الحالية لا تكفي: فحقينة سد 9 ابريل فيها اقل من الربع وفرشة شرف العقاب فيها فقط 7 من أصل 25 مليون متر مكعب.

في المقابل نجد أشغال مشاريع تحويل مياه السدود القريبة الى المدينة لم تكتمل، مما يهدد بتكرار سيناريو تسعينات القرن الماضي إن لم يتم تسريع وتيرة إنجاز الأشغال. وللتذكير، فإن المدينة عرفت في تلك الفترة خصاصا مائيا كبيرا بسبب تأخر أشغال بناء سد 9 أبريل، وكان يتم جلب المياه من الجديدة عبر البواخر وضخها في قنوات أقيمت في الميناء ومن تم إلى محطة المعالجة.

2.3- ضرورة سقي المناطق الخضراء بالمياه العادمة المعالجة

عرفت مساحة المناطق الخضراء في السنوات الأخيرة ارتفاعا كبيرا، من 300 الى 400 هكتار، لكن كل هذه المناطق يتم سقيها بالمياه الصالحة للشرب، إذ تصل كمية المياه التي تذهب للسقي إلى 1.5 مليون متر مكعب من أصل 77 مليون متر مكعب، أي حوالي 2 بالمائة.

وللعلم فإن الشطر الأول من مشروع إنجاز شبكة توزيع المياه العادمة المعالجة ستستفيد منه ملاعب الغولف بنسبة كبيرة، بحيث تصل طاقة محطة المعالجة بوخالف حاليا إلى 10000 متر مكعب/اليوم، وعند إنجاز الشطر الثاني ستصل الطاقة إلى 25000 متر مكعب في اليوم، آنذاك يمكن سقي نسبة كبيرة من المناطق الخضراء.

فيما محطة المعالجة بوقنادل، هي الأهم، لكنها نموذج صارخ لضياع الموارد المائية، بحيث يتم بعد المعالجة الأولية تفريغ 160000 متر مكعب يوميا في البحر عبر أنبوب طوله 1.8 كلم.

3.3- الانعكاسات المحتملة لمشروع تعلية حاجز سد ابن بطوطة

لضمان تزود المدينة بالماء الصالح للشرب، سيتم تعلية حاجز سد ابن بطوطة، بحيث سيمكن هذا المشروع من رفع حقينة السد من 25 الى 70 مليون متر مكعب. لكن هذا المشروع يمكن أن تكون له آثار سلبية، يمكن إجمالها في:

– تعرض محمية تهدارت للجفاف الدائم، وهي منطقة رطبة مصنفة ضمن محميات رامسار، وتصل مساحتها إلى 14 ألف هكتار

– جفاف فرشة شرف العقاب، التي تتغذى من المياه السطحية للمنطقة الرطبة تهدارت. وهي فرشة فريدة من نوعها على المستوى العالمي ووجب الحفاظ عليها بل العمل على تصنيفها ضمن التراث العالمي من قبل اليونيسكو.

4.3- مخاطر وجود محطة واحدة لمعالجة مياه الشرب

مثل كل المدن المغربية، تتوفر مدينة طنجة على محطة واحدة لمعالجة مياه الشرب، وهذه الوضعية غير سليمة لأنه في حالة وقوع عطب أو تعرضها للتدهور بسبب الكوارث الطبيعية يمكن أن تعرف المدينة أزمة مائية خطيرة.

وهناك مشكلة أخرى تتمثل في ضعف الطاقة التخزينية للخزانات المائية داخل مختلف أحياء المدينة، إذ لا توفر سوى 12 ساعة فقط من حاجيات المدينة. وفي حالة حدوث العطب يتم استعمال المياه الجوفية لفرشة شرف العقاب، لكن ينبغي إيجاد بديل آخر في حالة حدوث شبح جفاف هذه الفرشة.

5.3- مخاطر الفيضانات

عرفت المدينة في سنة 2007 فيضانات كبيرة تسببت في خسائر مادية كبيرة، خصوصا في المنطقة الصناعية. وبالرغم من إنجاز عدد من المنشئات والقيام بعدد من الإجراءات، لكن يبقى شبح الفيضانات قائما في المستقبل بسبب اختراق عدة أودية للمدينة: الشاط، الملالح، مغوغة، السواني، ليهود، مديونة، بوخالف…هذا بالإضافة إلى وجود أراضي منخفضة عن مستوى سطح البحر في أجزاء من المدينة.لذلك لتفادي تكرار حوادث الفيضانات في المستقبل وجب القيام بعدة إجراءات ومشاريع تهم أساسا شبكات التطهير السائل وشبكة تصريف مياه الأمطار. لكن خبراء التغيرات المناخية ينصحون بترك أراضي فارغة بدون بناء أو تبليط بنسبة 20 بالمائة لامتصاص مياه الفيضانات، لكن هذا الاجراء مستحيل التطبيق تقريبا في المدن الكبرى المغربية.

الخلاصة:

وكما تم إيضاحه، هناك عدة تحديات تعرفها الجهة فيما يتعلق بقضية الماء، إلا أنه بالمقابل لا نجد اهتماما كبيرا من قبل المجتمع المدني المحلي بها. نعم، نسمع بعض الأصوات تتعالى عند انقطاع الماء عن المنازل في بعض الفترات ولكن لا نسجل تقريبا أية مبادرات وأنشطة ترافعية أو تحسيسية أو اقتراح إجراءات ومشاريع أو إبداء الرأي في البرامج الحالية والخطط المستقبلية.

أحمد الطلحي : رئيس لجنة التعمير وإعداد التراب والمحافظة على البيئة بمجلس مدينة طنجة

(*) GIEC : Groupe international des experts en climat

(**) Stress hydrique

A propos CERSS مركز الدراسات 333 Articles
Administrateur du site

Soyez le premier à commenter

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.


*