ثقافة الاحتجاج عند الشباب الصحراوي


حسن الزواوي

باحث في العلوم السياسية

مقاربة سوسيولوجي

يمكن القول أن استمرار حالة الاحتقان الاجتماعي بالأقاليم الصحراوية منذ أحداث اكديم إزيك يوحي بكون طبيعة الاحتجاجات والعناصر الفاعلة فيها تؤكد على أن ثقافة الاحتجاج لدى هذه الشريحة الاجتماعية قد دخلت فعلا مرحلة جديدة تؤسس لانتقال في التصورات وطرق التفاعل مع الأحداث والثورات التي يشهدها العالم العربي. حيث تحولت الشبكات الاجتماعية إلى” لاغورا “l’agora [1] مكنت من فتح نقاش عمومي حول المشاكل المتعلقة بالشأن الصحراوي بصفة عامة والمحلي بصفة خاصة. كما أصبحت نوعية العنف المصاحب لكل الاحتجاجات التي شهدتها مؤخرا الأقاليم الصحراوية تلوح لنقلة نوعية في طرق إنتاج الفعل الاحتجاجي. كل هذه المعطيات لا يمكن فصلها عن متغير العولمة  كمتغير دولي ضاغط ناهيك عن مؤشر النمو الديمغرافي وتزايد نسبة الشباب وما تؤديه من ادوار هامة في إدراك وتحريك عملية الدمقرطة.  وعلى عكس موقف الآباء يرى الشباب الصحراوي إيجابية الاحتجاج للضغط على السلطات العمومية لحل مشاكلهم. وضمن هذه الموجة الاحتجاجية يمكننا التمييز بين من يتبنى بشكل كامل أطروحة ” البوليساريو ” ومن يلح على ضرورة رد الاعتبار للمنطقة والقبيلة.

ما يزيد من أهمية وصعوبة هذه الدراسة هو أن أغلب المقالات التي تعرضت لظاهرة الاحتجاج بالمناطق الصحراوية لم تتجرأ على كشف الوجه الخفي لصيرورة الوقائع السوسيوسياسية(socio-politique)  وظلت في غالب الأحيان تستعرض أسباب ونتائج هذه الظاهرة ولكن دون الوقوف عند الفاعلين فيها و دلالتها والشعارات التي تحملها. من هذا المنطلق يظهر أنه من الضروري طرح مجموعة من التساؤلات التي ظلت مغيبة أو مقصية على مستوى التحليل:

  • ما الذي يميز الثقافة الاحتجاجية بالأقاليم الصحراوية عن باقي الأقاليم المغربية؟
  • هل يمكن التعامل على مستوى التحليل مع احتجاجات الأقاليم الصحراوية بنفس الطريقة التي يتم بها الأمر في ما يخص المناطق الأخرى للمملكة؟

إن اختيار هذا الموضوع يسير في اتجاه تفكيك فعل سوسيولوجي لم يلق الاهتمام العلمي الذي يستحق نظرا لطبيعة الطابوهات الاجرائية والسياسية  المحيطة به، وتخوف الباحثين من تحطيمها. وهذا ما يجعل هذه الدراسة تحمل على عاتقها رهان التفكيك والتشريح العلمي من أجل إعادة فهم صيغ ومعنى الفعل الاحتجاجي بمناطق يعتبر الاجتماعي فيها بمثابة حقل يحدد فيه مسار الصراعات السياسية، و تصاغ بداخله استراتيجيات تنافسية من طرف فاعلين سياسيين محليين و وطنيين.

واقتناعا بجدوى المقاربة الامبريقية  وبهدف فهم تشخيصي  للظاهرة الاحتجاجية بالأقاليم الصحراوية اخترنا اللجوء إلى إجراء مجموعة من المقابلات مع أطياف مختلفة من شريحة الشباب الصحراوي. يتعلق الأمر بمشاركين في أحداث اكديم إيزيك[2] و الاحتجاجات التي شهدتها مدينة كلميم في فبراير 2011[3]، وطلبة في عدة مواقع جامعية ثم كذلك أعضاء  من  التنسيقية  الصحراوية للمعطلين و فاعلين جمعويين. لقد تم التحفظ عن ذكر أسماء هذه العناصر التي أجرينا معهم المقابلات تلبية لرغبتهم الشخصية.

.1  ثقافة الاحتجاج والخصوصية الصحراوية

تدخل  الخصوصية الثقافية والسوسيولوجية في إطار المكونات الثقافية  الأساسية للفعل الاحتجاجي، حيث يستقي منها مرجعيته الأساسية مثلما تؤطر فعل وتصورات المحتجين داخل إطار تفاعلي مع الآخرين. كما تتحول الخصوصية إلى مورد من تعبئة الموارد ‘‘La mobilisation des ressources ‘’ بفعل الاستعمالات العقلانية و الإستراتيجية. هذا ما يطلق عليه في أدبيات سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية بـ:‘’تعبئة الموارد’’إذ يعتبر عالم الاجتماع الأمريكي McCarthy John احد أهم المنظرين لهذا المفهوم[4] .   

بمعنى آخر أن الهوية أو الخصوصية الصحراوية يتم توظيفها كمورد من موارد التعبئة في ظروف وسياقات مقترنة بالأزمات التي تواجه القبائل الصحراوية أو بالزمن الاحتجاجي. بينت لنا أحداث العيون سنة 1999 التوظيف المطاطي لهذا المورد والذي نتج عنه إدماج بنيات قبلية كانت في السابق موضوع تهميش مزدوج  بفعل الشك الذي يحوم حول مواقفها السياسية ومكانتها التاريخية داخل منطقة الصراع[5]. حيث انصهر معطى القبائل الموجودة في شمال الطاح وجنوبه داخل قالب اجتماعي و مفاهيمي جديد رسم ولو ظرفيا لتقارب بين الشباب المحتج كما ساهم في ميلاد ما نسميه هنا بالعصبية الاحتجاجية؛ أي التعبئة بين كل أطياف أبناء القبائل الصحراوية في زمن الاحتجاجات. فقبل أحداث العيون كانت السمة الغالبة على العلاقة القائمة بين أبناء قبائل شمال الطاح وجنوبه[6] هي التنافر وادعاء كل طرف على أنه الرقم الصعب في ”معادلة صراع الصحراء”. الشئ الذي ألقى بظلاله على التقاطعات الاجتماعية(interactions sociales) ليس فقط داخل الفضاء الصحراوي، بل حتى خارجه. فمثلا التواصل الاجتماعي بين الطلبة الصحراويين هو الأخر يخضع لمنطق التجاذب والتنافر، ففي الزمن العادي يكون التنافس بين فصائل الطلبة الصحراويين المنحدرين من قبائل شمال الطاح وجنوبه حول من له حق تمثيلية الفصيل الصحراوي. ومثلما يشرح لنا أحد الطلبة  والنشطاء السابقين داخل فصيل الطلبة الصحراويين بموقع كلية الحقوق مراكش»  فقد كانت أحداث أبريل 2008 بالحي الجامعي وكلية الحقوق بمراكش  نتيجة الصراع الذي ظل متمحورا حول مطلب حق تمثيلية الطلبة الصحراويين، حيث يتشبث الطلبة المنحدرين من جنوب الطاح بمشروعية تمثيلهم للصحراويين نظرا لتواجدهم التاريخي في منطقة الصراع ،  في حين يرى الفصيل الطلابي الصحراوي المنحدر من شمال الطاح على أن الأمر يتجاوز حدود 1958، أي أن العامل الجغرافي ليس هو ما يحدد من هو صحراوي أم لا. هذا ما أذى إلى ولادة فصيل جديد يطلق عليه إسم ”جمهورية وادنون” نسبة إلى منطقة شمال الطاح. خلال أحداث مراكش 2008 و بفعل هذه المعطيات تجاوز الصراع حدود المواجهات الإيديولوجية ليأخذ شكل الاشتباكات بالسلاح الأبيض. هذا ماجعلني رفقة مجموعة من الأصدقاء نسرع بتشكيل خلية للمساعي الحميدة بدأت عملها بتنظيم مسيرة ”الشموع” بالحي الجامعي وذلك من أجل تحسيس الطلبة الصحراويين بخطورة الوضع. بعد مرور أيام من تنظيم هذه المسيرة نجحنا في صياغة ميثاق شرف صادقت عليه جميع الفصائل الطلابية الصحراوية والذي نص في أحد أهم بنوده على تحريم استخدام السلاح الأبيض، وترجيح كفة الحوار و اعتبار الوحدة الصحراوية بمثابة  خط أحمر لايمكن المساس به «.

لكن في زمن الاحتجاجات يتم تجاوز هذه الخلافات القائمة وذلك وفق مفهوم براغماتي للهوية يعطي للخصوصية الصحراوية طابعا حماسيا يلهب مشاعر المحتجين و يمكنهم من امتلاك المزيد من الجرأة. هنا تكتسي العلاقة بين ‘’نحن و الأخر’’ بعدا سوسيوسياسيا  (socio-politique)يستمد تفسيره في الطرق التي يتم بواسطتها استحضار معطى وحدة الانتماء الصحراوي كمحرك مركزي في صناعة الاحتجاج و محدد لخصوصياته السوسيولوجية. هذا ما يفسر نوعيا الطبيعة الانقسامية للمجتمع الصحراوي حيث تضيق وتتسع حلقات التواصل مع الأخر حسب المعطيات الظرفية ونوعية الخطر الذي يهدد الأنا الجمعية وهنا نقصد الأنا الصحراوية.

يلعب الشباب دورا هاما في تأطير وتنظيم العملية الاحتجاجية بالمناطق الصحراوية نظرا لحجمهم الديموغرافي والذي يشكل أكثر من نصف الساكنة حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط سنة2004  . ولقد جاءت أحداث اكديم ايزيك لتسلط الضوء على هذا الدور, وتوضح في نفس الوقت على أن شروط اندلاع شرارة الاحتجاج بالمناطق الصحراوية تبقى مرتبطة بعوامل الإقصاء الاجتماعي والسخط المتولدين عن عدم ‘’  الاستفادة من خيرات الصحراء’’. هكذا يرى أحد المشاركين في أحداث مخيم اكديم ايزيك على »أن ما يجمع المحتجين من كلميم إلى الداخلة هو الإحساس بالحكرة و التهميش الذي يولد لدينا إحساس  بالسخط و رغبة في إسماع صوتنا. هذا الشعور لا يسكنني و حدي بل هو مشترك بين غالبية الشباب الصحراوي، تتم ترجمته يوميا إلى فعل احتجاجي صدامي موجه ضد المخزن المسؤول الأول عن الوضع المأساوي الذي تعيش تحت ضغطه الفئات الشابة الصحراوية « . تبلور هذا الإحساس لدى الشباب الصحراوي يعد بمثابة المحفز الرئيسي للاحتجاج؛ والمعتقد المشترك الذي يشرعن في نظر هؤلاء الشباب فعلهم الاحتجاجي. لذا فان نظرية الإحباط “théorie de la frustration” تحتل هنا مكانة مركزية في تحليل وتفسير الفعل الاحتجاجي كظاهرة سيكولوجية و سوسيولوجية، الشيء الذي يبرر علميا الاستعانة بمنهج علم النفس الاجتماعي”psychologie sociale” من أجل فهم سلوكات المحتجين وتفكيك الدلالات الرمزية والمادية للعنف. لأن العنف المصاحب للاحتجاج بالأقاليم الصحراوية يكتسي صبغة تعبيرية وذلك بهدف التحسيس بحالات التهميش والإقصاء الاجتماعي التي يعاني منها الشباب المحتج . فالمتغير السوسيو بسيكولوجي  (socio-psychologique)يعتبر بمثابة ميكانيزم تحليلي بدونه يصعب فهم هذا النوع من العنف[7].

لكن هذه المعطيات لاتمنعنا من الإشارة إلى أن العصبية الاحتجاجية، التي تعتبر من أهم المحددات السوسيولوجية للفعل الاحتجاجي الصحراوي، تخفي في طياتها الكثير من التناقضات المتجلية أساسا في نزعة قبلية ‘’tribale’’  يعبر عنها سلوك المحتجين المرتبط بتغليب الولاء للمجموعة  أو الهوية القبلية على حساب المجموعة المحتجة. هذه النزعة لا يتم الإفصاح عنها خلال الزمن الاحتجاجي بل العكس تظهر بعد بداية مناقشة الوعود المادية والرمزية التي تعد بها السلطات المركزية المحتجين، حيث تتجدد الصراعات بين أبناء قبائل شمال الطاح و جنوبه من خلال محاولة كل طرف مطالبته بحقه في المكتسبات السياسية، الاجتماعية و الاقتصادية المستخلصة من الفعل الاحتجاجي. وفي هذا السياق لا يمكن فصل هذه النزعة عن التعصب، الذي يعرفه محمد عابد الجابري في كتابه العصبية والدولة بــ:   » شعور الفرد بأنه جزء لا يتجزأ من العصبية التي ينتمي إليها بل يسكنه استعداد دائم يدفعه إلى تجسيم هذا الانتماء للعصبية لفنائه كليا ,إن الفرد في  هذه الحالة يفقد شخصيته بل فرديته ويتقمص شخصية العصبة .ولكن هذا الشعور لا يبدو واضحا, ولا يصبح شعورا فاعلا إلا إذا كان هناك خطر خارجي يهدد وجود العصبة أو ينال من كيانها المادي والمعنوي « [8].

النبش في هذه التناقضات الداخلية للعصبية الاحتجاجية يساعدنا كذلك على تشخيص نوعية الصراعات المتبلورة حول المصالح المادية والمعنوية بالأقاليم الصحراوية. إذ تستثمر سياسيا بعض الزعامات القبلية و الانتخابية الفعل الاحتجاجي، و ذلك من أجل إحداث تغييرات على لعبة التوازن القبلي و الانتخابي بهذه المناطق ترغم بموجبها السلطات المركزية على إعادة النظر في سياساتها المتبعة اتجاههم. فالفترة الاحتجاجية تسهل العبور السري لمجموعة من المطالب السياسية ولا سيما بالأقاليم الصحراوية حيث ظلت الفرصة السياسية مرتبطة بالدور الوظيفي  للعمل الاحتجاجي في خلق التغيير. إن الأمر متعلق في هذا المستوى بالاستعمال الاداتي usage instrumental)) للفعل الاحتجاجي من طرف فاعلين سياسيين محليين، إذ تستقي قدرتهم السياسية معناها من هذا الاستعمال الذي يحدد مسار الفعل الاحتجاجي مثلما يحوله إلى مورد (ressource)  يحاول من خلاله هؤلاء الفاعلين الكشف عن طبيعة وسائل الضغط التي يمتلكونها، هذا إلى جانب تصريف بعض القوى السياسية الوطنية  لمشاكلها الداخلية نحو الصحراء عبر قناة الاحتجاج .فتفكيك الدلالات الخفية لأحداث اكديم إزيك ونوعية الفاعلين فيها بشكل غير مباشر أماطت اللثام عن طبيعة الرهانات التي تهيكل العلاقة بين السياسيين داخل منطقة الصحراء. هذا ما تؤكده لنا تفسيرات أحد المشاركات في أحداث مخيم اكديم إيزيك : »كانت المطالب المحركة لأحداث اكديم إيزيك في ظاهرها اقتصادية و اجتماعية لكن في باطنها سياسية. هناك تيار تابع للبوليساريو كان يطمح إلى تدويل الأحداث من خلال حث المفوضية الأممية للاجئين على جعل مخيم اكديم إيزيك مخيما للاجئين خاضعا لمراقبتها. في حين كانت هناك قوى محلية صحراوية أعيان ومنتخبين لا أريد أن أذكرهم بالاسم يزودون المخيم بالدعم المادي وذلك من أجل أهداف انتخابية/قبلية. فيما يتعلق بالأيادي الخفية الداعمة للمخيم هي كثيرة، لكل منها أهداف مختلفة البعض منها  ما يتجاوز حدود العيون و يصل إلى الرباط، وهذا ما ترجمته المزايدات السياسية بين بعض القوى الحزبية بخصوص أحداث اكديم ايزيك «  .

هنا تتجلى صعوبة فك خيوط الفعل الاحتجاجي الصحراوي الذي تتصادم فيه أجندات الفاعلين  داخليا  ودوليا ، حيث لا تختصر أهمية هذا الفعل الاحتجاجي في جانبه الاجتماعي، بل كذلك في وظيفته السياسية التي تجعل منه ممارسة مختلفة عما هو سائد في احتجاجات أخرى بالمملكة. لذا يتوجب قراءة الفعل الاحتجاجي في علاقاته التكاملية مع جملة المعطيات التي أشرنا إليها سابقا والتي ساهمت، ولازالت، في بناء النسق الذي سهل ولادة الفعل الاحتجاجي بالشكل الذي نلاحظه في الأقاليم الصحراوية.

الإشارة إلى معطى القبلية   « tribalisme [9]»و المصالح السياسية تجعلنا إذا حذرين في تعاملنا مع المعطيات الأخرى المتحكمة في تأسيس ثقافة الاحتجاج بالمناطق الصحراوية لأن العصبية الاحتجاجية في هذه الحالة تكون مبنية على مصالح ظرفية تعيق استمراريتها. علاوة ذلك فإن تقييم الزمن الاحتجاجي عادة ما ترافقه الصراعات القبلية و تبادل الاتهامات بين المحتجين وذلك نتيجة لطبيعة الخلاف القائم حول طرق و كيفية التعامل مع معطيات زمن ما بعد الاحتجاج. هذا دون أن ننسى  بأن داخل هذه العصبية الاحتجاجية تتقاطع التصورات بشكل مختلف وتتصادم الأهداف بشكل يوحي على تعدد المعاني المضافة على الفعل الاحتجاجي. فهناك فئات من المحتجين تتبنى بشكل قاطع وبقناعة أطروحة البوليساريو، وآخرون يتبنون هذه الأطروحة كمجرد رد فعل ضد التهميش الاجتماعي، في حين تتميز أطراف أخرى من المحتجين بارتباطها  بفكرة رد الاعتبار للمنطقة والقبيلة التي ينتمون إليها. بخصوص هذا الجانب نشير إلى أن جل القبائل الصحراوية قامت اليوم بإحداث تنسيقيات محلية الغرض منها هو إعادة تنظيم صفوفها الداخلية وتطوير الأداء السياسي والاجتماعي لبنياتها القبلية حتى تستجيب مع المعطيات السياسية  الجديدة المتولدة عن الاحتجاجات التي تعرفها الأقاليم الصحراوية منذ أحداث اكديم ايزيك. .

الأمر الذي يحتم على الباحث في موضوع الاحتجاجات بالمناطق الصحراوية  توخي الحذر والدقة في تفسير دلالات ومرجعيات الفعل الاحتجاجي حتى لا يسقط في فخ المعنى الأحادي للظاهرة الاحتجاجية. لأن أهم ما يميز الحقل الاحتجاجي بالمناطق الصحراوية هو نوعية المرجعيات المحددة لإيديولوجية الاحتجاج، والتي تفسر إلى حد ما تصورات المحتجين وطرق تفاعلهم مع الأحداث التي تكون الأقاليم الصحراوية مسرحا لها.

للتعمق أكثر في طريقة ارتباط المحتج بأطروحة البوليساريو يتطلب الأمر هنا استحضار المعطى التاريخي للقبائل الصحراوية؛ أي تعاطي هذه القبائل منذ بداية صراع الصحراء مع المشروع السياسي للبوليساريو ومعطى الانتقال الديموغرافي حيث نرى أن غالبية الشباب بهذه المناطق تركز في اختلافها عن الأخر على هذه الأطروحة وذلك للاعتقاد في وظيفتها التحسيسية والتعبوية في فترة الاحتجاج، وفي نفس الوقت لإثارة انتباه الرأي العام وإرغام السلطات العمومية على الاعتراف بالفاعل الاحتجاجي كطرف أساسي في المعادلة السياسية الصحراوية. اليوم عدد لايستهان به من الشباب الصحراوي لا يخفي تعاطفه مع فكرة الانفصال والتي يمكن تحديد العوامل المفسرة لها في التغيير الاجتماعي ودوره في خلخلة الدور التقليدي للبنيات القبلية، الانتقال الديموغرافي كمفسر للمسافات الفكرية الموجودة بين تصورات الآباء والأبناء فيما يخص الأحداث السياسية والاجتماعية التي تؤثث المشهد الصحراوي[10]، و أخيرا الثمن السياسي الناتج عن الطرق المتبعة في حل الدولة للأزمات السوسيواقتصادية بالأقاليم الجنوبية. إن إيديولوجية الانفصال التي يستقي منها الشباب الصحراوي المحتج شعاراته[11] لها دور محوري في تحديد سلوكيات المحتجين، لأن هذه الإيديولوجية أصبحت اليوم وأكثر من أي وقت مضى تدخل ضمن شروط إنتاج الفعل الاحتجاجي الصحراوي، لذا يتوجب تأسيس فهم جديد لهذا الفعل الاحتجاجي وذلك بفهم طبيعة العلاقة الموجودة بين الاحتجاج والانفصال. فهذا الموضوع يتطلب اليوم دراسات ميدانية وأبحاث سوسيولوجية للكشف عن كيفية تجدر وانتشار فكرة الانفصال بين الشباب الصحراوي، ولإحداث قطيعة ابستمولوجية مع المقاربة الأمنية التي لا تنظر لمعالجة المشاكل أو العوامل المحفزة لارتباط جزء من الشباب الصحراوي بهذه الفكرة إلا من زاوية ضيقة تختزل الحل إما في الجزرة أو العصا.

.2 متغير السياسات العمومية

يعتبر هذا المتغير من أهم الميكانيزمات المفسرة للظاهرة الاحتجاجية بالمناطق الصحراوية، فالفعل الاحتجاجي هو بمثابة نتاج لتراكمات من الفشل عرفها تسيير الشأن المحلي بالأقاليم الجنوبية. فقد ساهمت نتائج صناعة السياسات العمومية بالمناطق الصحراوية منذ السبعينات في اغناء الغني وإفقار الفقير، فبالرجوع إلى المعطيات الميدانية نرى أن المستفيد الأكبر من الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية هم في الغالب مجموعة مشكلة من ثلة من أعيان القبائل والمنتخبون ثم كذلك رجال السلطة ومسؤولي المرافق العمومية المحلية. فمبوجب مفهوم نيوباتريمونيالي (néo-patrimonial)  للسياسة العامة يتصرف هؤلاء  في الشأن المحلي وكأن الأمر يتعلق بضيعاتهم الخاصة، على اعتبار أن غياب المحاسبة والشفافية واحتماءهم بأشخاص نافذين في السلطة المركزية شجع بروز فكر انتهازي ساهم بشكل عكسي في أحداث قطيعة مزدوجة بين الدولة والمجتمع ثم بين الأعيان والشباب .

لقد أظهرت جميع المحطات الاحتجاجية الفجوة الحاصلة بين الأعيان و الشباب وعدم قدرة الدولة على استبعاد المقاربة الأمنية  في التعاطي مع مطالب الشباب الاقتصادية والاجتماعية. لقد نتج عن هذه المقاربة بروز فعل احتجاجي راديكالي يتبنى استراتيجية العنف، والعنف المضاد داخل سياق أزمة ثقة مع المركز. حيث صار هنا الفعل الاحتجاجي مقترنا باحتلال المؤسسات العمومية، بل الأهم من ذلك هو حمل المحتجين لأعلام البوليساريو وترديدهم لشعارات مقتبسة من أطروحة هذا الأخير كمؤشر تصعيدي للاحتجاج. فمنذ أحداث العيون سنة 1999 ظلت المدن الصحراوية مدن احتجاج بامتياز نظرا للاستمرارية في نهج سياسة الحلول الترقيعية التي تفضل اللعب على عامل الوقت ولعدم القدرة على خلق وسائل تواصلية فعالة تمكن المسؤولين من الإلمام عن قرب بمشاكل الشباب المحتج.

يشرح لنا أحد الفاعلين الجمعويين بمدينة كلميم على أن الطرق المتبعة في تسيير الشأن المحلي بالصحراء   » أبانت عن محدوديتها كما أصبحت المحرك الرئيسي للاحتجاجات التي شهدتها مثلا مدينة كلميم في فبراير 2011 والتي ذهبت إلى حد محاصرة منزل رئيس المجلس البلدي. من خلال موقعي كفاعل جمعوي أرى أن غياب المحاسبة والتلاعب في بطاقات الانعاش الوطني يعد أهم مؤشر على أزمة الحكامة المحلية. إذ نجد من يستفيد من هذه البطاقات هم أبناء المسؤولين والأعيان، هذا ما يشحن الشباب المعطل بالكراهية تجاه السلطة كما يسهل ارتمائهم في أحضان الانفصال. يمكن أن ألخص لك الوضع في جملة واحدة : التنمية في الأقاليم الصحراوية لم تصب الهدف، بل العكس أزمت الوضع ووسعت من عمق الفجوة بين الصحراويين والدولة « .  

إن العلاقة الجدلية بين الفعل الاحتجاجي والسياسات العمومية تجد تفسيرا لها في الآليات المخزنية المعتمدة، التي تفضل طرق عمودية للإدماج مرتكزة على سياسة الريع . مما يجعل مفهوم التنمية بالأقاليم الصحراوية يظل بعيدا عن تحقيق النتائج المتوخاة منه لأنه ظل و لازال رهين منطق زبوني ساهم في الزيادة من حدة الفوارق الاجتماعية ودرجة التناقضات الحاصلة بين خطاب رسمي لا يتوانى عن ذكر المشاريع المنجزة والدوافع الكامنة وراء الاحتجاج. هذه الدوافع تلقى تفسيرها الرئيسي في تفشي مظاهر التفقير والتهميش وتضاؤل فرص الاندماج الاجتماعي، لذا فإن الاحتجاج الصحراوي ليس ب »معطى خارج الزمن أو المكان، أو لحظة من التوتر المنفصل عن محددات بروزه و تحققه، إنها ظاهرة لها منطلقاتها و أبعادها « [12]. إن الفعل الاحتجاجي بهذا المعنى يعبر عن أزمة تتحكم فيها مجموعة من العوامل سياسية وسوسيواقتصادية، والتي تعد مؤشرا هاما لكشف الطبيعة الصدامية للحركات الاحتجاجية بالأقاليم الصحراوية. فالاحتجاج العنيف الذي يميز هذه الحركات ليس إلا نتاج طبيعي لانعدام التوازنات الاجتماعية والاقتصادية ثم كذلك السياسية  ولإدراك المحتجين للأجهزة و الأشخاص المسؤولين عن هذه الاختلالات. فتبلور هذا الإدراك هو ما جعل الممارسة الاحتجاجية تولد وتتطور في جو محفزات شديدة التعقيد ومتحينة لفرصة التعبير عن عدم الرضا على الوضع القائم.

.3 الكوجيطو الصحراوي : أنا احتج أنا موجود

قبل البدء في عملية تفكيك مكونات الكوجيطو الصحراوي، أود الإشارة إلى أن دراسة المجتمع الصحراوي تتطلب تسليط الضوء أولا على القبيلة باعتبارها مؤسسة اجتماعية شاملة “institution totale” تؤطر الأفراد المنتمين إليها وتغذي سلوكاتهم بمجموعة من القيم يمكن ملامستها  من خلال المحددات السيميولوجية للتواصل الاجتماعي بهذا المجتمع . فعلى مستوى التحليل السوسيولوجي لا يمكن الإشارة إلى الظاهرة الاحتجاجية بالمناطق الصحراوية دون استحضار التجدر القبلي للفعل الاحتجاجي. بمعنى آخر توجد نسبيا علاقة سببية بين الفعل الاحتجاجي و البنية القبلية الذي تعتبر بمثابة المغذي المعنوي لهذا الفعل الاحتجاجي، نظرا للتجارب التي تكون لبعض القبائل في مجال الاحتجاج. فالتجارب الاحتجاجية التي راكمتها قبائل معينة مقارنة مع أخرى بالصحراء تعد أهم رأسمال رمزي يكون في حوزة أبنائها المحتجين، إذ تثأتر طرق تموقعهم داخل الحقل الاحتجاجي بحجم هذا الرأسمال الرمزي. 

إلى جانب العامل القبلي نجد بأن المتغيرات العمرانية والتحولات الديمغرافية المصاحبة لها ثم كذلك الفوارق الاجتماعية قد سرعت من وثيرة الاحتجاجات وحولت المدن الصحراوية إلى فضاء للاحتجاج. فحتى عهد قريب لم تكن شوارع المدن الصحراوية مسرحا شبه يومي للوقفات الاحتجاجية ومجالا لاحتضان أشكال العنف الجسدي واللفظي، الشيء الذي يستدعي هنا الإحالة إلى علم الاجتماع الحضري[13]، وذلك لدوره التحليلي في فهم العلاقة بين العوامل السالفة الذكر وتطور الفعل الاحتجاجي الصحراوي الذي يتغذى من تعبيرات احتجاجية تؤرخ لهذا التطور.

  خلال تأمل الوقفات الاحتجاجية للشباب الصحراوي نلاحظ ظهور استثمار احتجاجي لمعطى الخصوصية بشكل جعلها تتجاوز بعدها التراثي. فقراءة تحليلية للشعارات التي يتم ترديدها سواء أثناء المظاهرات أو الاعتصامات المفتوحة  تتوضح  إبداعية الشباب الصحراوي المحتج الذي يصر على إنتاج هوية فرعية، ترسم لقطيعة ابستيمولوجية مع تلك الكليشيهات التي تضع الشباب الصحراوي في خانة المستفيدين من الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية[14]. يتعلق الأمر هنا بالهوية الاحتجاجية التي تربط بين الوجودية  والاحتجاج كما تؤسس لما يسميه  Neil J. Semlser في كتابه ‘’Theory of collective behaviour’’ بـــ:السلوك الجماعي (comportement collectif)[15] الذي يعد من أهم  أسس هذه الهوية الفرعية . هذا السلوك الجماعي لا يمكن فصله عن البعد السوسيوسياسي ( (socio-politique لمفهوم الأنا الصحراوية ، وذلك لأن بنائه يفترض قبليا وجود توافق حول قيم جديدة مثل الوحدة الصحراوية، أي عدم وجود فرق بين أبناء قبائل شمال الطاح وجنوبه. هذا ما يوضحه لنا أحد المؤطرين لاعتصامات الأطر الصحراوية المعطلة أمام مقر وزارة الداخلية في 17 اكتوبر2011 بالرباط:   »الاستراتيجية التي يتم إتباعها من طرفنا هي التخلص من الخلفيات الرجعية/القبلية وتوحيد المسار  النضالي فكريا والتركيز في العمل التعبوي على شعارات تشيد بالوحدة الصحراوية مثل “صحراوي بلا اختلاف من كلميم إلى الداخلة”  «.  

من خلال تتبع سلوكات المحتجين ينبغي الإشارة إلى أن طرق التفاعل مع خصوصياتهم الثقافية وتوظيفها داخل نسق احتجاجي لا تكتفي بالقول فقط، بل تسمح بامتداد معنى الفعل الاحتجاجي. فكيفية اختيار الزي الصحراوي أثناء المظاهرات والاعتصامات تبعث أكثر من إشارة  رغبة في الكشف عن مكونات هويتهم الاحتجاجية، هنا نشير إلى الحمولة الهوياتية التي يختزلها مثلا اختيار اللثام الأسود. وكما يوضح ذلك أحد المشاركين في الاحتجاجات التي كانت مدينة كلميم مسرحا لها في فبراير 2011 فإن ارتدا ء هذا اللثام هو » أهم رمز للبعد النضالي لاحتجاجاتنا. لايتعلق الأمر فقط بمجرد ثوب يحمينا من الرياح والشمس بل هو أحسن وسيلة للتعبير عن الطابع الصحراوي لاحتجاجاتنا نظرا للمكانة التي يحتلها هذا الرمز في الذاكرة الجماعية الصحراوية  . « .نجد بأن هذه الهوية الاحتجاجية لها ارتباط عضوي بالوضعية الاجتماعية والسيكولوجية للفاعل الاحتجاجي. فهذا الأخير يسكنه إحساس بالتهميش وبحث متواصل عن الوسائل المادية والرمزية للتعبير عنه لأنه يوجد داخل فراغ اجتماعي ناتج عن أزمة في التأطير.

كل هذه المعطيات ساهمت في ظهور مفهوم نضالي للهوية أو الخصوصية الصحراوية، أي ما يسميه علماء الاجتماع بالهوية النضاليةidentité militante[16]. والتي لاتتميز فقط بجعل كل ما هو متعلق بالخصوصية الصحراوية يعد بمثابة قضية “مقدسة” بل تستند إلى المقوم الهوياتي كميكانيزم مهيكل للفعل الاحتجاجي .الشيء الذي يفسر نسبيا كيفية ازدياد حدة التوظيف الاحتجاجي للهوية وجعل العلاقة مع الغير المنتمين إثنيا للصحراء  تتحدد داخل هذا الإطار الذي يسيس الانتماء الصحراوي ويتحسس من ”ما هو غير صحراوي ”. فهذا المفهوم النضالي هو في غالب الأحيان نتاج لتصورات دوغمائية ومركزية ذاتية تعيق التواصل مع العالم الخارجي، لأن في إطار هذا الموقف الدفاعي عن الذات تكون الحدود ضيقة بين ما هو سياسي وثقافي/ اجتماعي نظرا للتوظيف العاطفي لمورد الهوية والذي يتغذى من تمثلات اجتماعية(représentations sociales) تحدد العلاقة مع الأخر. هذه التمثلات تعتبر أحد أشكال المعرفة المبلورة اجتماعيا والمساهمة في بناء ايديولوجيات اجتماعية محددة للتواصل، نظرا لاضطلاعها بدور وظيفي وتوجيهي يحدد كيفية تفكير مجموعة من الأفراد في موضوع معين وإنتاج أحكام قيمية توجه بدورها مسار التواصل الاجتماعي[17].

إن الهوية النضالية ليست فقط نتاج سياق احتجاجي صحراوي، بل هي كذلك نابعة من إحساس بالرفض الذي يعتبر الشباب المحتج ضحية له. فمن شهادات مجموعة من الطلبة الصحراويين القاطنين بالحي الجامعي بكل من  سطات  والرباط و مراكش[18]، نستنتج بأن احتماءهم بخصوصيتهم الثقافية وتوظيفها بشكل احتجاجي تفرضه ضرورة وجود مقومات وقيم توفر لهم الحماية أمام أشكال ‘’التهميش’’ التي يكونون عرضة لها سواء في المواقع الجامعية أو في المؤسسات العمومية : » لا يتم التعامل معنا بنفس الدرجة التي يتعامل بها مع باقي الطلبة القادمين من المناطق الأخرى من المملكة. ونلمس ذلك  سواء عندما نقدم ملفات ترشيحنا لولوج سلك الماستر أو عندما نطلب تسهيلات إدارية متعلقة بالانتقال من جامعة إلى أخرى، أو بالحصول على غرفة بالحي الجامعي. أمام هذه الوضعية تزداد مسافة ابتعادنا عن كل ما هو غير صحراوي، ويصبح تشبتنا بهويتنا الصحراوية مسألة وجود يجب الاعتماد عليها في إطار الصراع الذي نخوضه من أجل الدفاع عن حقوقنا والمتجلية أساسا في ضرورة بناء جامعة في أحد الأقاليم الصحراوية «.  

هذا النوع من الإحساس أصبح منتشرا بشكل واسع بين الطلبة الصحراويين، مما جعل الفعل الاحتجاجي عبارة عن وسيلة تقوي حضورهم على الساحة الجامعية وتساهم كذلك في  صيانة خيارهم الهوياتي. ليس غريبا إذا أن يفضي هذا النوع من المواقف إلى تطوير شعور أعظم بالانتماء الصحراوي، فالسلوك الاحتجاجي الصحراوي  يتوسل في اشتغالاته بهذا النوع من الخيارالهوياتي الذي يقوي رمزيا الحركات الاحتجاجية ويسمح لها بتجاوز الخلافات الإثنية/القبلية والجغرافية القائمة.فالاحتجاجات المتجددة بالأقاليم الصحراوية أو في المواقع الجامعية محكومة في الغالب بعنصر المقوم الهوياتي الذي يضمن لها الاستمرارية مما يساعدنا على القول بأن الاحتجاج الصحراوي يؤسس ثقافته وذاتيته وتفاصيله انطلاقا من هذا المعطى الذي يجعل منه ممارسة مختلفة عما هو سائد في باقي مناطق المملكة.

.4تطور الفعل الاحتجاجي عند الشباب الصحراوي

إن نوعية المقالات المنشورة بالجرائد الالكترونية مثل : ”صحراء بريس”، ”صحراء 24″ و”الصحراء الآن”[19] وطبيعة النقاشات الدائرة فيما يطلق عليه اسم منتديات الشباب الصحراوي بمواقع الشبكات الاجتماعية، توضح مدى الاهتمام الذي تحظى به بعض المطالب مثل محاربة الفساد وإعادة النظر في إنتاج السياسات العمومية المحلية ثم رد الاعتبار للمنطقة من طرف الشباب الصحراوي، كما تؤشر للنقلة النوعية التي يمر منها الفعل الاحتجاجي بالمناطق الصحراوية، حيث يتوسل هذا النوع من الفعل الاحتجاجي في اشتغاله إلى مقومات جديدة متجلية في مفهوم اقتصادي الأخلاق والعاطفة[20] نظرا لأهميتهما في إعادة بناء الأجندة المطلبية للمحتجين من الشباب الصحراوي وعدم حصرها في مطالب مادية مثل التشغيل.

فالوعي المتجدد بأهمية تصحيح مسار التنمية وإعادة هيكلة أسس وقيم إنتاج الفعل الاحتجاجي تشكل اليوم أهم الديناميات والملامح التي تؤطر النقاشات الدائرة بين أوساط الشباب الصحراوي. فارتباطا بهذا الموضوع يشير أحد مسؤولي إدارة صفحة ”منتدى شباب وادنون للوحدة والاصلاح”  على أن من أهم أهداف هذا المنتدى »هو تحسيس شباب منطقة  وادنون بصفة خاصة والصحراوي بصفة عامة بأهمية المساهمة في إعطاء دفعة جديدة للنقاش حول محاربة الفساد وقطع الطريق على المفسدين. إلى جانب ذلك نتوخى من خلال صالونات صفحتنا بالفايس بوك هو إيصال أصواتنا المطالبة بالتغيير عبر قنوات جديدة للتواصل تؤسس لقطيعة مع الوسائل الكلاسيكية « . على ضوء هذه التفسيرات نهرع إلى القول بأن  الظاهرة الاحتجاجية بالمناطق الصحراوية أصبحت تعبر عن رغبة في إخضاع الفعل الاحتجاجي لضوابط جديدة تماشيا مع الدور الذي أصبحت  تساهم به شبكة الأنترنيت في تطوير آليات الاحتجاج وإبداعية المحتجين. وهذا ما ينبغي الانتباه إليه لأن الاتساع في النوع هو ما يدفعنا مجددا إلى التساؤل حول خصائص الفعل الاحتجاجي بالأقاليم الصحراوية، أي هل يمكن القول دائما بوجود فعل احتجاجي صحراوي؟ أم أن الاحتجاج في صيغته وشكله الصحراوي ماهو اليوم إلا امتداد قيمي للحراك الذي يعرفه المغرب بعد 20 فبراير2011؟ الأجوبة على هذه التساؤلات الجوهرية تبقى رهينة بطبيعة  ونتائج التطور التي تمر بها عملية بناء الفعل الاحتجاجي.

كل ما يكننا قوله بخصوص تطور الفعل الاحتجاجي بالأقاليم الصحراوية هو أنه مازال لم يصل إلى مستوى تنظيمي محكم يمكنه من تغيير وجه وطرق الاحتجاج بصفة عامة بهذه الأقاليم ويسهل انخراطه في وعاء مؤسساتي قادر على ضبط آليات اشتغاله.  وهذا ما يفسر نسبيا بضعف ديناميكية المجتمع المدني الصحراوي المكون غالبا من جمعيات همها هو التقرب من السلطة المركزية على حساب المجتمع ويتحكم في تسييرها منطق زبوني/ انتهازي مما تسبب وتسهل في نفس الوقت ولادة فعل احتجاجي غير مؤطر وغير منظم يقوده شباب فاقدين للثقة في الدولة والجمعيات والأعيان. بل حتى أن خلق الجمعيات بهذه المناطق أصبح في غالبيته بمثابة نشاط اقتصادي يدر على أصحابه أرباح متمثلة أساسا في منح الدولة والمساعدات الدولية. هذا دون إغفال العوائق المتولدة من السياسة الأمنية المتبعة من طرف الدولة، حيث تعتبر مراقبة الأنشطة الجمعوية من أهم مرتكزاتها[21]. بخصوص موضوع ضعف المجتمع المدني الصحراوي ينبغي الإشارة إلى جملة من العوامل التي بدونها لا يمكن تفسير هذا الضعف. يتعلق الأمر في نظرنا ب:

  • جدلية العلاقة القائمة بين الدولة والمجتمع الصحراوي: ظلت هذه العلاقة خاضعة لمنطق العصا والجزرة، مما جعل المسافات التي تفصل الواحد عن الأخر تكون متأثرة بنوعية بالسياسة المختارة وطرق التعامل مع المشاكل المطروحة.     
  • العامل القبلي و دوره في عرقلة تطوير أداء القبيلة كلبنة أساسية من لبنات المجتمع المدني الصحراوي؛ أي أن  التعصب  وغلبة الولاءات القبلية  وضعف المواطنة المحلية عقد مسار ولادة وأنشطة المجتمع المدني الصحراوي.
  • مساهمة صراع الصحراء في تسييس عمل المجتمع المدني الصحراوي، حيث أصبحت ممارسة السياسة مقترنة بالعمل الجمعوي كوسيلة للتأثير وآلية للتقرب من السلطة المركزية. من هذا المنظور نود الإشارة إلى أن دراسة المعاني المضفاة على مفهوم السياسة بالأقاليم الصحراوية كنشاط تستوجب مراعاة هذا الشرط البنيوي الذي يساعد الباحثين على مقاربة مجموعة من الإشكاليات الداخلية المتعلقة بمشكل الصحراء.  
  • الفكر الانتهازي ونتائجه العكسية على مصداقية العمل الجمعوي: التهافت على خلق الجمعيات تحركه غالبا  أهداف  مادية وشخصية لا تضع في أولوياتها سوى الاغتناء السريع، وهذا التصور الذي يحكم أنشطة بعض الجمعيات بالأقاليم الصحراوية ليس إلا امتداد لمفهوم سوسيولوجي يختزل العلاقة مع الشأن العام وتسييره في الأرباح المادية وخدمة المصالح الشخصية على حساب  المصلحة العامة[22].

لقد أظهرت الاحتجاجات المتجددة بالأقاليم الصحراوية مدى عمق الأزمة المتولدة من طرق التعامل مع المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة وكذلك محدودية دور مكونات المجتمع المدني الصحراوي كعامل ضغط على السلطة في اتخاذ قرارات تستجيب لانتظارات الشباب المحتج.  لأن العلاقة ما بين الدولة وجل مكونات المجتمع المدني الصحراوي لازالت أسيرة قيم مخزنية  وحلول ريعية ساهمت في تقليص دور هذه المكونات كما زادت من تطور الفعل الاحتجاجي بالكم والكيف الذي تشهده اليوم ساحات وشوارع المدن الصحراوية.

خاتمة

 شكلت الدراسة منطلقا أساسيا لفتح النقاش حول موضوع لازالت تحيط به طابوهات علمية  في أوساط المجتمع الاكاديمي المغربي. فجل الأبحاث المتعلقة بالمناطق الصحراوية هي في طبيعتها انتروبولوجية وتاريخية في حين تبقى الأبحاث السوسيوسياسية ضعيفة إن لم نقل منعدمة. هنا تتجلى لنا الأهمية التي يجب إعطاءها لدراسة الفعل الاحتجاجي بالأقاليم الصحراوية كمقدمة في دراسة التحولات الاجتماعية  والسياسية بهذه المناطق.

شكلت هذه الدراسة  فرصة لمقاربة مجموعة من الإشكاليات المتعلقة أساسا بالشباب والاحتجاج. لأن في ظل غياب دراسات ميدانية مصحوبة بتحليل سوسيولوجي يكشف الحقيقة والوجه الخفي للظاهرة المدروسة تبقى هذه الإشكاليات عصية عن كل فهم وتخضع في نفس الوقت لتأويلات تقدم صورة مغلوطة عن الواقع.

 تبقى هذه المقاربة البحثية الموجزة مجرد محاولة نفتح بواسطتها الباب أمام جملة من الاستفهامات حول طبيعة المشاكل المطروحة  بالأقاليم الصحراوية  والحاجة الملحة لإعطائها المكانة التي تستحق سواء من طرف الباحثين المهتمين أو المسؤولين، وهي بمثابة حجرة تلقى في المياه الراكدة علميا لمعالجة الشأن الصحراوي و مقاربته  موضوعيا وحياديا  بشكل يرقى بالتعاطي الابستمولوجي مع مختلف الجوانب المحيطة به محليا ووطنيا.

                                            لائحة المراجع

بالعربية

  • الجابري محمد عابد، فكر ابن خلدون. العصبية و الدولة، معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي، منشورات مركزدراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثامنة، مارس.2008
  • العطري عبد الرحيم، الحركات الاحتجاجية بالمغرب، دفاتر وجهة نظر، العدد 14، 2008.

بالفرنسية و الانجليزية

  • Badie Bertrand, Les Deux États. Pouvoir et société en Occident et en terre d’Islam, Fayard, Paris, 1986 ; rééd. Seuil (Points Essais), Paris, 1997.
  • Bennani-Chraïbi Mounia, Fillieule Olivier (dir.), Resistance et protestation dans les sociétés musulmanes, Presses de la Fondation Nationale des Sciences Politiques, Paris, 2003.
  • Courbage Youssef et Todd Emmanuel, « Révolution culturelle au Maroc : le sens d’une transition démographique », Revue Marocaine de Sciences Politique et sociale, n° 1, volume I, automne-hiver 2010-2011, pp.27-45.
  • Cuche Denys, La notion de culture dans les sciences sociales, Paris, Editions La Découverte, 2001.
  • Gazibou Mamoudou et Thiriot Celine (dir.), Le politique en Afrique. Etats des débats et pistes de recherche,  Paris, Karthala, 2009.
  • Hyden Goran, Beyond Ujamaa in Tanzania: Underdevelopment and an Uncaptured Peasantry, Berkeley, University of California, Press, 1980.
  • McCarthy John and Zald Mayer N., « Ressource Mobilization and Social Movements: a Partial Theory », American Journal of Sociology, n° 82, 1977, pp.  1212-1241.
  • Nourredine El Aoufi  (dir.), La société civile au Maroc, 1ère édition, Smer, Rabat, 1992.
  • Roitman Janet, « Economie morale, subjectivité et politique », Critique Internationale, n°6, hiver 2000, pp. 48-56.
  • Scott James C., The Moral Economy of the Peasant. Rebellion and Subsistence in South-East Asia, New Haven, Yale UP, 1976.
  • Semlser Neil J., Thoery of collective behavior, New York, Fress Press.
  • Thompson D., (eds.), The Making of the English working class, 1968, edited by Victor Gollancz Ltd, UK.

-[1]عبارة عن ساحة دائرية كان المزارعون اليونانيون يلتقون بها من أجل مناقشة مشاكلهم منذ عام 406 ق.م.

 -[2]تعوذ أحداث اكديم إيزيك إلى شهر نونبر 2010 لما قامت السلطات الأمنية بتفكيك مخيم لمحتجين صحراويين بمنطقة اكديم إيزيك الموجودة شرق العيون، حيث تراوح عدد المعتصمين به بين ما يناهز 8000 إلى20000 حسب تقرير المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والمنجز بتاريخ 24 دجنبر2010. و قد أدت الطريقة التي تم بها تفكيك هذا المخيم في يوم 8 نونبر 2010 ورد فعل المحتجين إلى التأثير على مجريات الأحداث بهذا المخيم و كذلك بمدينة العيون. فحسب ما جاء في تقرير المنظمة لحقوق الإنسان فإن: » العنف الذي مارسته القوات العمومية وكذا رد الفعل العنيف من طرف بعض المعتصمين بالمخيم، ومن طرف عدد من المتظاهرين بمدينة العيون أدى إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان منها المس بالحق في الحياة والسلامة البدنية والتعذيب والاغتصاب والاعتقال التعسفي والعقاب الجماعي وتخريب ممتلكات عمومية وانتهاك حرمة المنازل ونهب الممتلكات الخاصة وممارسة العنف والترهيب ضد الأطفال والمسنين «.انظر:  maghress.com/arihan

 -[3]تأتي أحداث 20 فبراير2011 بمدينة كلميم استجابة للمظاهرات التي دعت إليها ”حركة 20فبراير”، و لقد تميزت هذه الأحداث بطابعها الصدامي مابين الشباب المحتج وقوات الأمن  وبمحاصرة منزل رئيس المجلس البلدي من طرف هؤلاء الشباب وذلك من أجل إجباره على مغادرة  منصبه الرئاسي

[4]– McCarthy John and Zald Mayer N., « Ressource Mobilization and Social Movements: a Partial Theory », American Journal of Sociology, n° 82, 1977, pp.  1212-1241.

 -[5]تعود أحداث العيون إلى شهر سبتمبر 1999 عندما أدت المعالجة الأمنية لمظاهرات ذات مطالب اجتماعية قادها مجموعة من الشباب المحتج، إلى الاصطدام مابين هؤلاء و قوات الأمن.  كما ساهمت   في خلق جو من الاضطراب والتوتر الذي عم مدينة العيون، ولقد عجلت تلك الأحداث بذهاب وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري الذي كان يتولى إدارة ملف الصحراء.

 -[6]الطاح هو المنطقة الحدودية التي تفصل بين الأقاليم الصحراوية التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي وتلك التي كانت خاضعة للاستعمار الإسباني.

[7] – بشكل عام ينقسم العنف إلى نوعين تعبيري expressive وهو مايميز غالبا الظاهرة الاحتجاجية بالمناطق الجنوبية، وعنف آداتي instrumentale. هذا الأخير هو عبارة عن استعمال عقلاني للعنف من أجل خدمة قضية معينة أو تحقيق هدف معين سواء كان سياسيا أو اجتماعيا. هنا نقترب من مفهوم العنف السياسي باعتباره الوسيلة المفضلة لبعض الحركات السياسية المهمشة للي ذراع السلطة السياسية المركزية وتغيير معطيات الصراع داخل الحقل السياسي. الأمثلة في هذا المجال كثيرة ولنا في عنف بعض الحركات الإسلامية في العالم العربي أحسن نموذج. يلاحظ عالم الاجتماع الأمريكي Ted Robert Gurr  على أن العنف السياسي يتغذى من العنف الاجتماعي إذ يستمد مشروعيته منه، هذا دون أن يغفل الإشارة إلى أنه » يمكن التمييز بين متغيرين بارزين يتصلان بالدوافع الكامنة وراء العنف الجماعي، وهي دوافع مرتبطة بمدى السخط المشترك الذي يشعر به أفراد مجتمع ما، والدوافع الكامنة وراء العنف السياسي وهي مرتبطة بمدى ما يلقى من اللوم على النظام السياسي و القائمين عليه «. انظر : عبد الرحيم العطري، الحركات الاحتجاجية بالمغرب، دفاتر وجهة نظر، العدد 14، 2008، ص62و63.

 في هذه الحالة تكون الخيوط رفيعة بين ما هو سياسي واجتماعي لاسيما عندما يتم توظيف المشاكل الاجتماعية سياسيا.

يبقى العنف في مجمله عبارة عن رد فعل يحرك العمليات الاحتجاجية ويغذيها في غالب الأحيان بمجموعة من الحمولات السياسية تجعل الفعل الاحتجاجي أحد أهم أشكال المشاركة السياسية في الأنظمة السلطوية.

بخصوص هذا الموضوع يؤكد كل من Mc Adam ,Sidney Tarrow و Charles Tilly  على قابلية الأنساق السياسية السلطوية إنتاج حركات احتجاجية ثورية عندما تفتح ثغرات في هذه الأنساق أو حينما يبرز  ما يصطلح عليه بـ :  ” الفرصة السياسية “.

 انظر :

Mounia Bennani-Chraïbi, Olivier Fillieule, « Appel d’air(e) », in Resistance et protestation dans les sociétés musulmanes, Mounia Bennani-Chraïbi, Olivier Fillieule (dir.),  Presses de la Fondation Nationales des Sciences Politiques, Paris, 2003, pp. 17-42.

أما الأنظمة الديمقراطية فلا تعرف إلا حركات اجتماعية كلاسيكية سلمية، هذا ما يؤكد على دور العلاقة السببية بين التسلط «autoritarisme»، والانتفاضات في دراسة الفعل الاحتجاجي. لكن دون أن نغض الطرف على ما شهدته بعض الديمقراطيات الغربية مثل اليونان مؤخرا بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية من احتجاجات، و دون أن يؤدي التعامل السياسي أو الأمني معها إلى إحداث شرخ في البناء الديمقراطي لهذا البلد. عكس الأنظمة السلطوية أو شبه سلطوية بالعالم العربي، حيث أدت السياسة القمعية لهذه الأنظمة إلى إبراز أوجه هشاشة البناء الديمقراطي واستعراض الدولة لعضلاتها في وقت كان من المفترض فيه  أن تسلك مسار الحوار بدلا من القمع الذي كان ثمنه السياسي باهظا، وصل في بعض الأحيان إلى إسقاط الأنظمة الحاكمة.

 ينطلق عالم السياسة الفرنسي Bertrand Badie  من معطى الخصوصية العربية الإسلامية لكي يشرح بشكل جدلي في مؤلفه:«Les deux Etats» ، على انه » لا يوجد بديل بين الخضوع أو الثورة في العالم العربي بل العكس تبقى الانتفاضات والعنف المصاحب لها هي الطابع الغالب على الفعل الاحتجاجي « نظرا لضعف المجتمع المدني الممأسس أمام دولة تزيد تركيبتها السلطوية من تعقد العلاقة مع المجتمع. فدولنة  هذا الأخير ‘’étatisation de la société’’  سمحت للأجهزة الأمنية باختراق أنشطة المجتمع المدني وعرقلت في نفس الوقت ولادة اختيار ديمقراطي يمكن من  فتح الحقل السياسي في جو تنافسي تجد فيه القوى الاجتماعية انعكاسا ووزنا على مستوى بنيات الدولة لتعبيراتها السياسية.

 انظر :

Betrand Badie, Les Deux États. Pouvoir et société en Occident et en terre d’Islam, Fayard, Paris,  1986 ; rééd Seuil (Points Essais), Paris, 1997, pp. 262-291.

[8]– محمد عابد الجابري، فكر ابن خلدون، العصبية و الدولة، معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي، منشورات مركزدراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثامنة، مارس 2008، ص: 128.

 [9]- أحيل هنا على القبلية  (tribalisme)كإيديولوجية يتم تحث غطائها تعبئة أعداد لا يستهان بها من أبناء القبائل الصحراوية للدفاع في الحقيقة عن قيم ومصالح سياسية وانتخابية، وهذا ما نلاحظه خصوصا في زمن الانتخابات التشريعية والبلدية حيث يراهن المرشحون على العامل القبلي كمحفز للتصويت لفائدتهم.

[10] يرى كل من Youssef Courbage و Emmanuel Tode على أن الانتقال الديموغرافي تصاحبه جملة من المتغيرات السوسيولوجية التي تمس البنيات الاجتماعية  :

 « La hausse du taux d’alphabétisation est certes une condition nécessaire de la baisse de la fécondité et du décollage économique. Mais la révolution mentale qui l’accompagne est déstabilisatrice dans l’ordre culturel, social et politique. Une population qui apprend à lire et à écrire, cela signifie des fils qui savent lire alors que leurs pères sont analphabètes, une rupture donc des relations d’autorité dans la famille(…)La modernisation a-t-elle entraîné une désintégration de la famille communautaire, dont l’autoritarisme et le principe de prédominance masculine s’accommodent mal de l’émancipation des jeunes par l’alphabétisation ». Cf. Youssef Courbage et Emmanuel Todd, « Révolution culturelle au Maroc: le sens d’une transition démographique », Revue Marocaine de Sciences Politique et sociale, n° 1, volume I, automne-hiver 2010-2011, pp.27-45.

 [11] – وأحيل هنا القارئ على الشعارات التالية : ”صحراوي صحراوية أيدي في أيدك للتضحية”، ” زغردي يا أمي يا أم الثوار، صحرا حبلى بالأحرار” .

[12] – عبد الرحيم العطري،  نفس المرجع، ص.69 .

[13] – أحيل هنا على بعض المراجع المتعلقة بعلم الاجتماع الحضري :

– Didier Revest, Ville et violence, Paris, L’Harmattan, septembre 2001. 

– Emmanuel Amougou, Etalement urbain. Critique sociale d’une fatalité spatiale, Paris, L’Harmattan, janvier 2011.

[14] – نحيل القارئ على الشعارات التالية : “الفوسفاط بالأورو أولاد الصحراء إعانو”، ”الفوسفاط و جوج بحور والصحراوي ديما مقهور ”، ”الصحراء في الخطاب قضية وطنية وصحراويين في باب من الابواب الخلفية”، خيراتنا خيراتنا ما رينها ما راتنا .

[15]Neil J. Semlser, Thoery of collective behavior, New York, Fress Press.

[16]– يرى عالم الاجتماع الفرنسي    Denys Cuche بأن الهوية النضالية ما هي إلا أحد أو جه الاستعمالات الاستراتيجية لمورد الهوية:

« Si l’identité: est si difficile à cerner, c’est précisément en raison de son caractère multidimensionnel et dynamique. C’est ce qui lui confère sa complexité, mais c’est aussi ce qui lui donne sa flexibilité. L’identité connaît des variations, se prête à des reformulations, voire à des manipulations. C’est pour souligner cette dimension changeante de l’identité, qui ne constitue jamais une solution définitive, que certains utilisent le concept de « stratégie identitaire ». Dans cette perspective, l’identité apparaît comme un moyen pour atteindre un but. L’identité n’est donc pas absolue, mais relative », Cf. Denys Cuche, La notion de culture dans les sciences sociales, Paris, Editions La Découverte, 2001, p. 93.

[17]Pierre Mannoni, Les représentations sociales, Paris,  PUF, Série : Que sais-je, 1998, pp. 26-27.

[18] فيما يخص سطات، لقد أجرينا المقابلة مع طالبة وطالب يدرسان في سلك الماستر قانون عام. أما بالنسبة لطلبة الرباط، فالأمر متعلق بطالبين يتابعان دراستهما في الماستر شعبة القانون العام أيضا. بالنسبة لموقع  مراكش، لقد استجوبنا طالبة في السنة الثالثة تخصص علم اجتماع وطالب في السنة الأولى حقوق. حاولنا تلخيص المقابلات التي أجرينها مع جميع هذه العناصر، وذلك بالتركيز على النقط المشتركة في إجاباتهم المتعلقة بمحور الدراسة.

[19]– تشكل هذه الصحف الإلكترونية أهم مصدر للأخبار والتحليلات المتعلقة بالشأن المحلي الصحراوي :’’Saharapress.net’’,  ‘’sahara24.net’’, ‘’saharanow.com’’

[20]– يرجع الفضل في تعريف مصطلح اقتصاد الأخلاق ‘’économie morale’’ إلى E .P Thompson  في كتابه:  « The Making of the English Working Class » والذي حاول من خلاله تفنيد المفهوم المادي للطبقة العاملة. فبشرحه  للقاموس الاحتجاجي لهذه الطبقة، خلص إلى أن مفهوم الطبقة “classe” تدخل في محدداته معطيات ثقافية متجسدة في قيم ما يسميه باقتصاد الأخلاق؛ أي أن مطالب الطبقة العاملة ليست بالضرورة مادية بل هي أخلاقية متمثلة أساسا في خلق عدالة اجتماعية وفي محاربة كل أشكال الفساد.

و من أهم المدافعين عن هده النظرية في حقل العلوم السياسية نجد J. Scott الذي وصف بشكل مدقق الدور التوجيهي الذي أضطلع به هذا الاقتصاد، كمرجعية محورية، في تحديد  كيفية رد فعل طبقة الفلاحين بجنوب شرق آسيا على برامج اقتصاد السوق التي زعزعت التوازنات الاجتماعية وهددت مصالح هذه الطبقة. فحسب تصور الباحث كان لمعطى اقتصاد الأخلاق  دورا هاما في خلق نوع من التعبئة بين مكونات طبقة الفلاحين في جنوب شرق أسيا وفي توحيد صفوفها بشكل ساعدها على مقاومة نفوذ اقتصاد السوق . مقابل هذا المفهوم اقترحGoran Hyden  مفهوم اقتصاد العاطفة  ‘’économie d’affection’’لكي يوضح على أن ليس ما هو أخلاقي هو ما يحدد دائما مرجعيات الطبقات وطبيعة مطالبها الاجتماعية، بل كذلك الرابط العاطفي الذي يستنتج من نوعية العلاقة والروابط التي تربط  الأفراد والطبقات الاجتماعية  بالمنطقة التي يدافعون عنها .

 انظر :

 D. Thompson (eds.), The Making of the English Working Class, 1968, edited by Victor Gollancez, Ltd, UK. James C. Scott, The Moral Economy of the Peasant. Rebellion and Subsistence in South-East Asia, New Haven Yale UP, 1976. Janet Roitman, « Economie morale, subjectivité et politique », Critique Internationale, n°6, hiver 2000, pp. 48-56.

[21]– بخصوص هذه النقطة أستحضر الدراسة التي قام بها عبد الله ساعف حول فرضية المجتمع المدني بالمغرب والتي شرح فيها بشكل مدقق طبيعة القيم المتحكمة في العلاقة القائمة بين الدولة والمجتمع المدني بالمغرب :

« Le phénomène d’appropriation du tissu social par l’Etat : la diffusion du pouvoir étatique dans tous les lieux de la société et l’établissement du contrôle maximum de l’appareil étatique sur les individus et les groupes font naturellement obstacle à l’émancipation individuelle et l’autonomie des institutions sociales». Cf. Abdallah Saaf, « L’hypothèse de la société civile », in La société civile au Maroc, sous la direction de Nourredine El Aoufi, 1ère édition, Smer, Rabat, 1992, pp. 11-24.

[22] – بخصوص هذه النقطة، أحيل إلى تحليل  René Otayek للمجتمع المدني بإفريقيا و بالأخص الدور الذي تلعبه الجمعيات, لأن نفس الشئ ينطبق على غالبية الجمعيات في الأقاليم الصحراوية :

« Le paradoxe des associations constitutives de la société civile n’entrent pas dans un processus de politisation, leur action ne saurait engendrer d’investissement démocratique, En Afrique, et ailleurs sans doute, les associations ne se donnent pas toujours des objectifs civiques ou d’intérêts collectifs et sont susceptibles de servir des intérêts privés; leur contribution à la cristallisation d’une civilité démocratique est donc loin d’être toujours avérée ». Cf. René Otayek, « La problématique ”africaine” de la société civile », in Mamoudou Gazibou et Celine Thiriot (dir.), Le politique en Afrique. Etats des débats et pistes de recherche, Paris, Karthala, 2009, pp. 209-226.

A propos hassan ZOUAOUI 1 Article
حسن الزواوي باحث في العلوم السياسية

Soyez le premier à commenter

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.


*