د. حميد بحكاك*
مقدمة
بعد وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إثر سقوط مروحيته رفقة وزير الخارجية وآخرين في 19 ماي 2024، تنظم في إيران انتخابات رئاسية في 28 يونيو 2024، لملء فراغ منصب رئيس الجمهورية كما ينص على ذلك الدستور الإيراني، وهي الانتخابات الرئاسية الرابعة عشر في تاريخ الجمهورية الإسلامية في إيران لاختيار تاسع رئيس لجمهورية إيران الإسلامية منذ نجاح الثورة الإسلامية سنة 1979.
موقع الانتخابات الرئاسية في النظام السياسي الإيراني
يتشكل النظام الإيراني من مجموعة من المؤسسات السياسية والدستورية تتفاوت من حيث الاختصاصات والصلاحيات، وتشكيلها يتراوح بين الانتخاب والتعيين، نظام سياسي يجمع بين الطابع الديمقراطي الانتخابي والطابع الديني الشيعي الإثنا عشري الذي يقوم على مبدأ « ولاية الفقيه » التي وضعها الإمام الراحل آية الله الخميني.
وهذه المؤسسات نعرضها بشكل مر كز كما يلي1:
1- المرشد الأعلى
هي أعلى سلطة سياسية بموجب الدستور الإيراني لسنة 1979، وهي تجسيد للنظرية الشيعية الإيرانية التي تقوم على مبدأ « ولاية الفقيه »، أي تولي عالم فقيه أو رجل دين شيعي قيادة السلطة السياسية وتولي الحكم للبلاد(وفق الفصل الخامس من الدستور) وكان آية الله الخميني أول مرشد لإيران بعد ثورة 1979 ضد حكم الشاه محمد رضا بهلوي.
يملك المرشد سلطات واسعة تمنحه الفصل في كل شؤون الدولة وتحديد السياسة العامة، بما في ذلك السياسة الداخلية والخارجية وقرار إعلان الحرب والسلم، وكذلك له سلطة على قيادة الجيش والقوات المسلحة والحرس الثوري وأجهزة المخابرات، كما أعطاه الدستور حق عزل رئيس الجمهورية وتعيين قادة مجلس صيانة الدستور والسلطة القضائية.
2- رئيس الجمهورية
يعتبر رئيس الجمهورية ثاني سلطة في الدولة بعد « مقام القيادة » أو « المرشد الأعلى للثورة الإسلامية » وفق الدستور الإيراني وينتخب الرئيس لولايتين كحد أقصى، لمدة أربعة أعوام في كل ولاية، ويتمتع بصلاحيات أقل من صلاحيات المرشد الذي يعتبر القائد الأعلى، ومنصب رئاسة الجمهورية يؤهل صاحبه لخلافة المرشد الأعلى في حالة وفاته، وكان الرئيس إبراهيم رئيسي مرشح لخلافة المرشد الحالي علي خاميني.
3- مجلس الشورى الإسلامي
مجلس الشورى هو مجلس النواب أو البرلمان له دور تشريعي ورقابي يتألف من 290 مقعدا، ومدة دورته الانتخابية البرلمانية أربعة أعوام، ويملك المجلس صلاحيات سن القوانين، واستدعاء واستجواب الوزراء والرئيس في إطار الدستور.
ومن سلطاته منح الثقة للحكومة وسحبها عنها، والمصادقة على المعاهدات والاتفاقات الدولية، ويبقى خاضعا لرقابة مجلس صيانة الدستور.
4 – مجلس خبراء القيادة
هيئة تأسست عام 1982، تتركب من 88 عضوا يتم انتخابهم لمدة ثماني سنوات، ويتولى هذا المجلس وفق المادة 107 من الدستور اختيار القائد (المرشد الأعلى) وتحديد صلاحياته، ومتابعة قيامه بمهامه، وعزله (وفق المادة 111)، إذا رأى أنه انحرف عن المسار الدستوري أو افتقد لأي من الشروط اللازمة،ومختص بالحفاظ على تطبيق أسس وأركان نظام ولاية الفقيه.
5- مجلس صيانة الدستور
مجلس صيانة الدستور هو مجلس الرقابة على القوانين أو المحكمة الدستورية، هو أعلى هيئة تحكيم في إيران يتكون من اثني عشر عضوا، ستة منهم علماء دين يعينهم المرشد الأعلى، و الستة الآخرون من ذوي الاختصاص الحقوقي والقانوني(قضاة)، يعينهم مجلس الشورى (البرلمان الإيراني)بتوصية من رئيس السلطة القضائية، ويقوم هذا المجلس بمراقبة مطابقة القوانين التي يصدرها مجلس الشورى (البرلمان) للشريعة الإسلامية ودستور البلاد، كما يقوم بفحص ملفات وطلبات المرشحين الراغبين في خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما يصادق على نتائجها. ويقوم بالإشراف على انتخابات « مجلس خبراء القيادة » وانتخابات رئاسة الجمهورية وانتخابات مجلس الشورى، وعلى الاستفتاءات العامة.
6 مجلس تشخيص مصلحة النظام
هيئة استشارية أسست سنة 1988، تتكون من 31 عضوا، يمثلون مختلف التيارات السياسية الإيرانية، ويعين المرشد الأعلى للثورة أعضاء المجلس الدائمين والمتغيرين باستثناء رؤساء السلطات الثلاث الذين ينضمون إلى المجلس بشكل آلي. من مهام المجلس القيام بدور الحكم بين مجلس الشورى (البرلمان) ومجلس صيانة الدستور في حالة وقوع نزاع بينهما وتصبح قراراته نافذة بعد مصادقة المرشد عليها، ويقدم المجلس إلى المرشد الأعلى للثورة استشارات عند استعصاء الحل فيما يتعلق بسياسات الدولة، ومدة المجلس خمس سنوات.
السياق الداخلي والخارجي للانتخابات الرئاسية
تجري هذه الانتخابات في سياق داخلي يطبعه تفاقم الأزمة الاقتصادية، إذ بلغت نسبة التضخم مستويات قياسية حوالي 40٪، بالإضافة إلى البطالة، كما تتعرض إيران إلى عقوبات اقتصادية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وذلك منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979. وعلى المستوى الاجتماعي تجري هذه الانتخابات بعد إخماد الاحتجاجات التي اندلعت في إيران على خلفية مقتل أو وفاة امرأة إيرانية من طرف الشرطة الأخلاقية لتندلع بعدها مظاهرات في إيران ضد إجبارية ارتداء الحجاب وما خلقته من ردود فعل دولية.
أما على المستوى الخارجي فتجري هذه الانتخابات في ظرفية ملتهبة ومشتعلة بالحرب الروسية الأوكرانية، والحرب على غزة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي المدعوم أمريكيا ضد الفلسطينيين بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 وتداعياتها على المنطقة ودخول حزب الله وأنصار الله وفصائل المقاومة الإسلامية في العراق كجبهات « إسناد للمقاومة الفلسطينية »، مما يجعل إيران طرف غير مباشر وفاعل في هذه الأحداث سواء في الحرب الروسية الأوكرانية (بيع الصواريخ والمسيرات لروسيا)أو الحرب على غزة. كذلك الملف النووي الإيراني الذي لا زال يراوح مكانه.
الانتخابات الرئاسية:المرشحون والتيارات
تجري الانتخابات الرئاسية في إيران على دورتين كل أربع سنوات، إذا لم يحصل أحد المرشحين على الأغلبية المطلقة (على أكثر من 50 %) في الدور الأول يمر المرشحان اللذان حصلا على أعلى الأصوات إلى الدور الثاني، والرئيس المنتخب له الحق في ولايتين كحد أقصى.
تقدَم لهذه الانتخابات 80 مرشح، قُبل منهم ستة مرشحين بناء عل موافقة مجلس صيانة الدستور الذي يدقق في ملفات المرشحين وشروط الترشيح السياسية والدستورية ومدى ولائهم للنظام الإيراني ولولاية الفقيه ومبادئ الثورة الإسلامية، هؤلاء المرشحون الستة خمسة منهم يحسبون عل التيار المحافظ والسادس يحسب عل التيار الإصلاحي.
وقد صادق مجلس صيانة الدستور على ستة أسماء ستخوض المنافسة، وهي2:
- علی رضا زاکاني: محافظ وشعاره الانتخابي:حكومة الخدمة
- سعید جلیلي: محافظ، وشعاره الانتخابي: عالم من الفرص، إيران تقفز؛ كل إيراني له دور عظيم
- أمیرحسین قاضيزاده هاشمي: محافظ وشعاره الانتخابي، حكومة الشعب والأسرة.
- حجت الإسلام مصطفی پورمحمدي، محافظ وشعاره الانتخابي:حكومة الاستقرار؛ عدالة الثروة، القوة.
- محمد باقر قالیباف، محافظ، وشعاره الانتخابي: الخدمة والتقدم.
- مسعود بژشکیان: إصلاحي وشعاره الانتخابي: لأجل إيران.
يرى بعض المراقبين أن تعدد المرشحين قد يلعب دورا لصالح رفع نسبة المشاركة لدى فئة الشباب التي تبلغ نسبة 60% سكان إيران الذين يبلغون 85 مليون نسمة، بينما رأى آخرون أن تعدد الترشيحات سيؤثر في تشتيت أصوات الناخبين لدى التيار المحافظ. وقد انسحب اثنان من المرشحين المحافظين (رضا زاكاني وقاضي زاده)، ليبقى التنافس بين الأربعة الآخرين.قدم المرشحون الأربعة برامجهم الانتخابية خلال مناظراتهم المتلفزة، في الدور الأول والثاني.
ولتغطية هذا الاستحقاق الانتخابي حضر أكثر من 500 صحفي من 150 وسيلة إعلام أجنبية مقيمة وغير مقيمة جاءت من 31 دولة، جاؤوا إلى إيران لتغطية الانتخابات الرئاسية الإيرانية 3.
نتائج الانتخابات
أسفرت الجولة الأولى من الانتخابات عن فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، السباق الرئاسي بحصوله على 10 ملايين و415 ألفا و991 صوتا، يليه المرشح المحافظ، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، الذي حصل على 9 ملايين و473 ألفا و298 صوتا، ثم المرشح المحافظ رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف، ثالثا بحصوله على 3 ملايين و383 ألفا و340 صوتا. وحصل المرشح المعمم (رجل دين ) مصطفى بور محمدي على 206 آلاف و397 صوتا.
وبلغت نسبة المشاركة في هذا الدور 40%، ف ولم يصوت سوى 24 مليونا و535 ألفا و185 صوتا من أصل 61 مليون نسمة. وتعتبر هذه النسبة المشاركة الأدنى في الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية، رغم دعوة المرشد الأعلى الشعب الإيراني للمشاركة، والحملة الانتخابية التي دامت 16 يوما وتمديد ساعات التصويت في المكاتب الانتخابية إلى ست ساعات.
وأسفرت الجولة الثانية وبعد المناظرة المتلفزة بين المحافظ « سعيد جليلي » والإصلاحي « مسعود بزشكيان »، عن فوز هذا الأخير بنحو 55% من أصوات الناخبين، وبلغت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الإيرانية 49.8%. 4
نسبة المشاركة
بلغت نسبة المشاركة في الدور الأول 40%، وفي الدور الثاني 49.8% وهي نسب متدنية مقارنة مع سابقاتها، وتشكل نسبة المشاركة الانتخابية تحديا للنظام الإيراني، لذا طالب المرشد الأعلى الناخب الإيراني في الدور الأول والدور الثاني بالتوجه إلى صناديق الاقتراع للتصويت والمشاركة بكثافة وتوجيه رسالة إلى أعداء إيران في الخارج كما جاء في تدوينة للمرشد الأعلى بأن « الانتخابات هي ساحة تنتصر فيها ايران على أعدائها بالمشاركة الشعبية الواسعة »5. كما أن الخارج وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية مهتم بما ستسفر عنه هذه الانتخابات بين المحافظين والإصلاحيين، ومواقفهم وبرامجهم من الحوار والعلاقة مع الغرب، سواء تعلق الأمر بالملف النووي أو بالعقوبات الاقتصادية أو بالملفات الإقليمية الأخرى وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
خلاصة:
بهذه الانتخابات تكون إيران تجاوزت مرحلة فراغ رئاسة الجمهورية ونظمت انتخابات رئاسية وكسبت رهان الاستقرار المؤسساتي، كما أن نجاح المرشح الإصلاحي هو رغبة في التغيير المتاح في ظل النظام الإيراني القائم، وتعبير عن عودة التيار الإصلاحي منذ فوز الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي برئاسة الجمهورية عام 1997، وهذا التيار يمثل شريحة واسعة من المثقفين والطلاب والنساء، وتبقى مسألة نسبة المشاركة السياسية والانتخابية الآخذة في التدني مسألة تؤرق النظام الإيراني إلى إشعار آخر، لأن هناك شريحة مهمة من الشعب الإيراني ترى في الانتخابات الرئاسية ومؤسسة رئاسة الجمهورية هامشا محدودا للتغيير في ظل هيمنة مؤسسات أخرى وعلى رأسها مؤسسة « المرشد الأعلى ».
*باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة
hbihkak65@gmail.com
المراجع:
1- هيكل نظام الحكم ومؤسساته في إيران زهير حمداني 11/4/2017 https://rb.gy/vzvku9
2 – تعرف على المرشحين للرئاسة في الانتخابات الإيرانية بعد وفاة رئيسيhttps://rb.gy/xbtw7s
3 – 500 reporters étrangers vont couvrir l’élection présidentielle en Iran https://rb.gy/2c2rgl
4- وزارة الداخلية الإيرانية: فوز مسعود بزشكيان بانتخابات الرئاسة بـ49.8% من الأصوات https://nesan.net/article/285200/ 2024-07-06 )
5 – داعياً إلى تكثيف المشاركة.. السيد خامنئي للإيرانيين: اختاروا المرشح الملتزم بنهج الثورة https://rb.gy/i2kggz
Soyez le premier à commenter