الإنتخابات الايرانية لسنة 2021 -قراءة تحليلية مقارنة

أحمد فال السباعي

مقدمة:

لن تحاول هذه الورقة التعرض لكل الاشكاليات التي يثيرها النموذج السياسي الايراني منذ ثورة 1979، فالعلاقة الجدلية بين الدين والسياسة في هذه التجربة أسالت الكثير من المداد خصوصا مع صعود التيارات السياسية الاسلامية في العالم العربي منذ نهاية السبعينات، لكننا سنحاول تغطية الانتخابات الايرانية الرئاسية الأخيرة لسنة 2021 من خلال تحليل الاحصائيات والمؤشرات التي تترجمها الأرقام الخاصة بهذه الانتخابات في إطار تقييم مسار الديمقراطية في المنطقة العربية والإسلامية.

ورغم الطابع التطبيقي لهذا التحليل، إلا أننا سنحاول الإسهام في التعرض لجانب إشكالي مهم في عمليات تقييم الديمقراطيات “الإسلامية” في البحث عن إمكانية وجود الديمقراطية في ظل النظام الإسلامي؟ وبعبارة أكثر بساطة سنحاول تحليل الأرقام وإحراجها لتجيب عن سؤال الديمقراطية، على الأقل في بعدها الاجرائي؟

في الحقيقة ليس من السهل الجواب عن هذا السؤال الذي لازال البحث فيه مستمرا واشكاليا وغير حاسم في هذا الموضوع. ليس فقط لأن الديمقراطية هي إشكالية بحد ذاتها في مهد وجودها الغربي ، لكن أيضا لأن استدخال العامل الديني في هذه الديمقراطية يزيدها تعقيدا خصوصا اذا كان من يتبنى هذه الديمقراطية يعارض النزعة الليبرالية العامة في المجتمع الديمقراطي المعاصر.

قد يبدو من المفيد تحليل الحالة الايرانية من هذا الجانب، لأنها في الحقيقة تمثل تجربة لما كانت الكثير من التيارات الاسلامية تتخيله نظاما للحاكمية الدينية واجب الإيجاد في مشروعها السياسي، بمعنى خضوع النظام السياسي لسلطة الدين ممثلة في العلماء ورجال الدين، لكن في نفس الوقت قد يحرفنا هذا النهج في التحليل عن مراعاة الخصوصية الثقافية والقومية والجغرافية لإيران كدولة اقليمية ذات تاريخ سياسي وثقافي عميق.

على أي كل هذه العوامل تجعل موضوعنا هذا مهما خصوصا ونحن مقبلون على استحقاقات انتخابية تحضر فيها بعض القضايا المشتركة في العالم العربي الاسلامي في الخطاب كما تحضر فيها عوامل عديدة مشتركة من بينها:

  • ارتفاع نسبة الشباب الذين يتطورون داخل سياق سياسي والثقافي مختلف في عصر التواصل الاجتماعي
  • عامل كورونا الذي أثر على نسبة الاقبال على صناديق الاقتراع.
  • تحولات مابعد الربيع العربي وزيادة انكماش التيارات الدينية بعد مجابهتها لتحديات كبيرة لأسئلة الشرعية الاجتماعية وشرعية الانجاز.
  • تزايد دور العامل الخارجي في التأثير على سير الانتخابات الداخلية عن طريق وسائل التواصل، خصوصا في الانتخابات الأمريكية الأخيرة والتي سبقتها.

الفصل الأول:  التعددية السياسية، وتطور النظام الإنتخابي في إيران:

الفرع الأول: الإطار الدستوري  ونشأة الحياة السياسية في إيران:

يمثل الإعلان الملكي الشاهنشاهي في 5 غشت 1906 الفرمان الدستوري الأول الذي تمت صياغته في عهد الشاه مظفر الدين بإيران المعاصرة[1]، وهو عبارة عن مرسوم ملكي يعلن من خلاله الشاه لوزيره الأول رغبة الشاهنشاهية في الحفاظ على حقوق وحريات (شعب فارس) وأقاليم الدولة، من خلال  تأسيس مجلس نيابي من الأمراء والمراجع الدينيين من العائلة القاجارية والأعيان والأشراف وملاك الأراضي، وتجار طهران (البازار).

إضطلع هذا المجلس، وفق الإعلان، بالتداول في الشوؤن الأساسية للبلاد وفي البحث والتقصي عن القضايا المهمة للإمبراطورية وللصالح العام، كما يسهم هذا المجلس من جهة أخرى في مساعدة المجلس الوزاري في هذه الإصلاحات لأجل ما يسميه الإعلان (سعادة شعب فارس) في الفقرة الثانية منه.

بعد الوثيقة الأولى جاء القانون الإنتخابي 9 شتنبر 1906، الذي حدد الباب الأول منه  الشروط المتطلبة في  الناخبين والمترشحين على السواء، حيث تميز هذا الإنتخاب باقتصاره على الذكور وبغياب الصوت النسائي المادة الثانية، وبتحديد طبقات المترشحين والناخبين على السواء، وحددت المادة الثالثة منه  الأشخاص الذين يستثنيهم القانون الإنتخابي من حق المشاركة سواء على مستوى الانتخاب أو الترشيح.

فصلت هذه الوثيقة ما جاء مجملا في الأولى كما أنها جاءت تقنية ومنسجمة مع الإعلان، حيث توحي الوثائق الثلاث بوجود نوع من التراتبية الإشرافية التي من خلالها يظهر سمو النظام الإمبراطوري.

يمكن إعتبار القانون الأساسي 1907  الوثيقة التفصيلية للإعلان الشاهنشاهي لسنة 1906، الذي كان إقرارا بقوة المطالب السياسية للثورة، ومحاولة لتحديد مجال إختصاص الفاعلين الجدد داخل الحقل السياسي، في مقابل هذه الوثيقة التي عبرت عن رؤية المجلس النيابي (الملي) لأسس الحياة السياسية الإيرانية.

اتخذت الوثيقة الدستورية الإيرانية ثوب قانون ملحق في اكتوبر 1907، بعد وفاة الشاه مظفر الدين وتولى ابنه الشاه محمد علي، الذي أعاد الحكم الإستبدادي وأوقف العمل بالكثير من المقتضيات الدستورية.

الفرع الثاني: الانتخابات في العهد البهلوي

تأثر رضا خان الرجل العسكري القوي في الدولة القاجارية بسياق العلمانية التركية المجاورة، كما ساعدت نزعة إصلاح التعليم العسكري التي رافقت سياسات إصلاح وتحديث الدولة القاجارية في تشجيع رضا على محاولة تأسيس جمهورية علمانية فشلت بسبب رفضها من المراجع ومن الطبقات الإجتماعية المتنفذة في طهران وحتى خارجها. لكن رغم ذلك حذا رضا خان حذو كمال أتاتورك فيما يتعلق بنزع الحجاب وتحديث التعليم والمؤسسات الحكومية.

ورغم سياساته التحديثية العلمانية، لم يجد رضا خان في إيران مسارا أفضل من الاعتماد على بعض رجال الدين الشيعة في توطيد الحكم وفي إلغاء دولة أسرة القاجار التي كانت تحكم قبله[2]، رغم أنه  أقنع الشعب الإيراني بقوته من خلال قدرته على مواجهة التمرد في أذربيجان والأهواز ومواجهة قبائل البختيار المتمردة، وأقنع بريطانيا بقدرته وفعاليته السياسية داخل المجال.

ورغم نزعة القوة والاعتماد على شرعية الإكراه العسكري التي ميزت الحزب الأول في الدولة الإيرانية الجديدة، إلا أن الحاكم سيجد نفسه في أحايين كثيرة مجبرا على رفع الشعار الديني ومحاولة التعامل معه خصوصا مع احتفاظ فئات مهمة من الشعب بتعاطفها الدائم مع الدين.

من جهة أخرى، ستظهر انتقادات كبيرة للهيمنة السياسية في إيران، داخليا وخارجيا بسبب سياسات الحزب الوحيد، وسينجم عن تزايد النفوذ الامريكي بعد الحرب العالمية الثانية، إتاحة الفرصة أمام المعارضة للتعبير عن نفسها، والتخفيف من وطأة الهيمنة على الحياة السياسية في عهد الليبرالية الغربي الجديد.

حملت نهاية الأربعينات والخمسينات إنفراجا سياسيا مهما أثر على الأنساق السياسية الإسلامية، التي أصبحت تخفف من هيمنة مجال القوة الإكراهية على الحياة السياسية وبلورة عصر التعددية السياسية[3].

اتجهت الأحزاب السياسية في هذا السياق إلى التركيز على تعزيز المشاريع الوطنية وحماية الدولة الناشئة في ظل ارتباط التسيير السياسي والإداري بعمليات الإقتراع. وستشهد العديد من الدول الثالثية قيام حكومات وطنية على أسس انتخابية زادت من مكانة الشعب  ليتحول الحكم نحو الأحزاب الجماهيرية، حيث حظي الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس بأغلبية مكنته من تشكيل الحكومة في تركيا سنة 1946، كما استطاعت الجبهة الوطنية لمصدق تشكيل الحكومة الإيرانية سنة [4]1951.

وكما تشابهت بداية الأحزاب الجماهيرية الناشئة، بنشوئها عن إنشقاقات داخلية أملتها الممارسة السياسية، كانت النهاية على يد الفاعلين الممسكين بزمام شرعية القوة بعد أن قادت هذه الأحزاب الجديدة سياسات مناهضة لإرث الأحزاب السابقة، حيث قادت حكومة مندريس حملة تطهير في مواجهة حزب الشعب المدعوم من العسكر، كما قاومت حكومة مصدق سياسة التبعية الخارجية إيرانيا، وتبنت حكومة عبد الله ابراهيم مشروعا سياسيا أحس معه النظام بتنامي شرعية المؤسسات في مقابل شرعية الدين والقوة.

وجدت هذه النزعات السياسية نفسها في مواجهة مؤسسات العنف المشروع والتي طبقت حالة الإستثناء (المغرب) أو قامت بانقلاب داخلي ( تركيا) أو بانقلاب خارجي (إيران)،  لتكون النهاية سقوط الأنظمة السياسية الإسلامية من جديد في قبضة المؤسسات العسكرية التي أعادت الأنظمة الإسلامية من جديد إلى زمن شرعية قوة  الشوكة.

الفرع الثالث: التعددية السياسية والإنتخابات في نظام ولاية الفقيه

تمثل التجربة السياسية الإيرانية لما بعد الثورة سنة 1979 نموذجا مهما في النظام الحزبي الذي تأسس من خلال ثورة ذات رؤية شرعية دينية واضحة، تتركز على رؤية مطلقة للسيادة الإلهية كما يوضح ذلك الدستور. وتطرح التعددية السياسية في نظام ولاية الفقيه إشكالا حقيقيا في تفسير الجذور الفكرية لشرعنة التعددية السياسية .

تثير التعددية السياسية في النظام السياسي الإسلامي إشكالا نظريا يرتبط بمفهوم السيادة الإلهية التي تختلف عن السيادة الشعبية. السيادة الشعبية ترجع في لبها إلى سيادة الشعب كمجموعة من الأشخاص على مصيرهم من خلال بناء تحديد النظام الإجتماعي الذي يحدد القوانين التي يرتضيها هذا الشعب لنفسه من خلال النظام التشريعي الذي يمثل هنا آلة التعبير عن الإرادة.

في مقابل هذا، تبدو السيادة الإلهية سيادة واحدة، لأنها صدرت مبدئيا عن واحد، وتعدد مظاهرها ناشئ عن الاختلاف في تأويلها. التدخل البشري يفتح تنزيل السيادة أمام تعدد التأويلات، وأمام تعدد الرؤى السياسية.

لم تستطع  نظرية ولاية الفقيه أن تنقل صفة العصمة من الإمام إلى نائبه الولي، بالقدر الذي نقلت إليه صلاحيات هذا الإمام، فالسيادة في الدستور الإيراني هي لله، والتي يحاول الفقيه بمساعدة مؤسسات الدولة فهمها وتطبيقها. إنها ليست بحثا عن إرادة إنسان، بقدر ماهي محاولة لفهم حكم إلهي وتنزيله على التأويل الصحيح.

ولأن السيادة هنا هي بحث عن حكم وليست بحثا عن إرادة، ستلجأ المجموعات الراغبة في تطبيق ولاية الفقيه إلى تأكيد ضرورة الشورى وأهميتها في الحكم، حيث يظهر جزء من السيادة الإلهية في إرادة الشعب، وفي ضرورة إستشارته. الشعب هنا ليس مصدر السيادة، إنما هو كاشف عن حكم الله فيها. في هذا السياق تمأسست الشورى لتشرعن النظام الحزبي على ضرورة الإيمان بنظرية ولاية الفقيه كإيديولوجية للدولة، وكأحد ثوابت النظام، ليتم حظر جميع الأحزاب الرافضة  لولاية الفقيه[5].

لم تعد نظرية ولاية الفقيه نظرية حزب واحد، بل أصبحت مبدأ الأساس في نظام الجمهورية الذي صوت عليه الشعب الإيراني عن طريق الإستفتاء. لذلك بعيد الثورة مباشرة سيتم تأسيس عدة أحزاب، إرتبط بعضها بسياق الثورة، بينما ارتبط الآخر بتاريخ الحياة الحزبية الإيرانية قبل الثورة، والتي رغم اختلاف مشاربها الفكرية والأيديولوجية انساقت مع البناء الجديد لمفهوم التعددية داخل الدولة الجديدة[6].

الفصل الثاني: تحليل الإنتخابات الإيرانية الأخيرة

تنسجم المنظومة الانتخابية في إيران مع مبادئ نظام ولاية الفقيه الذي يعطي للمؤسسات الدستورية المكانة السامية في طبقة القواعد الدستورية. وقد خاضت إيران طيلة العشر سنوات الأولى من الثورة صراعا سياسيا حادا من أجل تثبيت نظام ولاية الفقيه للدولة، بعد أن تحصل على الموافقة الجماهيرية في باكورة الثورة.

الفرع الأول: الهندسة الدستورية ودور مجلس صيانة الدستور

مع تعديل سنة 1989 بدأت تظهر ملامح الاستقرار الدستوري المؤسساتي، بعد أن تم إلغاء منصب رئيس الوزراء، واعتماد مؤسسة تشخيص مصلحة النظام دستوريا كحكم دستوري يخفف من سطوة الصراعات التي خاضها مجلس صيانة الدستور مع البرلمان والحكومة.

النظام السياسي الإيراني هو نظام انتخابي. رغم أن الولي الفقيه يمثل إيديولوجيا نائب الإمام الغائب، إلا أن هذه الصفة لا تجعله حاكما ثيوقراطيا بالمعنى المتعارف عليه، بقدر ما تجعله حاكما مختارا من طرف العناية الإلهية خصوصا بالنظر للمهام الدينية الموكلة إليه بنص الدستور، غير أن هذا الرأي لا يتناسب في الحقيقة مع وضعه كشخص يتم اختياره من بين المراجع الدينيين عن طريق هيئة انتخابية، لها الحق في عزله متى ما وجدته غير قادر على أداء مهامه لدواع مختلفة.

يعين الولي الفقيه من طرف مجلس الخبراء، هذا الأخير يتم انتخاب أعضائه من خلال اقتراع شعبي مباشر، كما يتم انتخاب أعضاء البرلمان ورئيس الجمهورية في اقتراعات مباشرة دورية كل أربع سنوات.

تضطلع مؤسسة مجلس صيانة الدستور بالسهر على نزاهة الإنتخابات، والبت في صحة الترشيحات، وإعلان النتائج، والنظر في الطعون الإنتخابية الخاصة بمجلس الخبراء وبالبرلمان وبالرئاسة. ويطرح بعض الباحثين أسئلة متعددة حول حدود صلاحيات هذه الهيئة التي ينظر البعض بحذر شديد لدورها في توجيه العمليات الإنتخابية واستبعاد تيارات سياسية، ودعم أخرى. إلا أن هذه الفكرة رغم وجاهتها، وارتباطها بصراعات المؤسسات واختصاصاتها داخل الدولة منذ الثورة، إلا أن دور هذه المؤسسة يرتبط في الحقيقة بعوامل ثلاث لازمت الحياة السياسية الإيرانية منذ ثورة المشروطة سنة 1906:

  • مكانة رجال الدين في الحركة الاجتماعية والسياسية
  • تأثيرات الوجود الأجنبي على الوحدة والسيادة الوطنية
  • الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يخلفها التمايز بين المركز والهامش جغرافيا ومجاليا.

ويمثل مجلس صيانة الدستور في هذا السياق الهاجس الديني. فالمذهب الاثني عشري تم الإعلان عنه كمذهب للدولة في دستور 1906، كما أن مكانة رجال الدين في العملية التشريعية تبدو واضحة منذ هذا الدستور الذي أعطاهم الحق في مواءمة القوانين التشريعية مع أحكام الشريعة، وهو ما نجده قد تكرر في دستور الثورة سنة 1979 وفي نسخته التعديلية لسنة 1989.

يتكون مجلس صيانة الدستور، الذي يقابل في المغرب المحكمة الدستورية أو المجلس الدستوري سابقا، من 12 عضوا، يعين المرشد نصفهم، بينما ينتخب النصف الآخر من البرلمان الإيراني باقتراح من رئيس السلطة القضائية الذي يعينه المرشد بدوره.

يتكون المجلس من ستة فقهاء قضاة، ومن ستة حقوقيين يمتلكون معرفة دينية معتبرة. وتعكس هذه التوليفة الرؤية القانونية للعملية التشريعية في إيران بعد الثورة، والتي ترفع شعار الحاكمية وتعلن ضرورة خضوع جميع قوانين الدولة للشريعة الإسلامية بناءا على أراء مجلس صيانة الدستور، الذي يمتلك كذلك صلاحيات أخرى لا تقل أهمية في مجال القضاء الدستوري، وفيما يتعلق بانتخابات الرئاسة والبرلمان ومجلس الخبراء الذي يعين المرشد نفسه[7].

تتكون اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية داخل هذا المجلس، بمساعدة ودعم وزارة الداخلية لوجستيكيا، كما تبت في صلاحية المرشحين للتقدم للانتخابات بناءا على معايير النزاهة والالتزام بقيم الجمهورية وبنظرية ولاية الفقيه، مما يجعله المؤسسة الحامية لاستمرار نظام ولاية الفقيه تشريعيا وسياسيا من خلال ضمان التزام التيارات السياسية والأحزاب بقيم الثورة وبمبادئها.

الفرع الثاني: تحليل تطبيقي للاحصائيات

بلغت نسبة المشاركة السياسية في انتخابات الرئاسة الأخيرة نسبة 48.8% وهي أقل بكثير من سابقاتها، حيث بلغت سنة 2017 ما يقارب 73.3% من عدد الناخبين المؤهلين للادلاء بأصواتهم، وبلغت نسبة المشاركة السياسية في انتخابات الرئاسة الأخيرة نسبة 48.8% وهي أقل بكثير من سابقاتها، حيث بلغت سنة 2017 ما يقارب 73.3% من عدد الناخبين المؤهلين للإدلاء بأصواتهم، فيما بلغت سنة 2013 نسبة 72.94% ونسبة 85.21% نسبة سنة 2009، مما يعني تراجعا في نسبة المشاركة.

 إلا أن هذه النتيجة يجب أن تقرأ في سياقاتها السياسية الايرانية الداخلية، فقبل انتخابات 1997 الرئاسية لم تكن نسبة المشاركة تتجاوز 5  %5لتبدأ منذ سنة 1997 بالصعود الى ما يقارب 70% بعد صعود رفسنجاني، وخاتمي من بعده حيث شهدت إيران منذ ذلك الوقت صعود التيار الإصلاحي الانتخابي، كما أن نسبة هامش الفوز بين المرشحين بدأت بالتقلص من هذه المرحلة بعد أن كانت في سنة 1989 تقارب 90%  أصبحت سنة 1993 مثلا 39% .

وفي الحقيقة تترجم نسب المشاركة هذه حين نربطها بهامش الفوز للمرشحين الأولين، الخارطة السياسية والمزاج العام الذي يتجه نحوه الناخبون إما من خلال التصويت العقابي أو العزوف العقابي، والذي قد يترجم عدم رضا عام عند الناخبين من الخيارات السياسية المطروحة. وبمكن أن نخلص من القراءة العمودية لتطور الانتخابات الايرانية أننا أمام مرحلة جديدة من مراحل عودة المحافظين أنصار ولاية الفقيه ومؤسساتها خصوصا حين نستحضر رهانات إيران الخارجية في مشروعها النووي، وحساسية مرحلة شغور منصب المرشد في الثمان سنوات القادمة داخل محيط داخلي صعب اقتصاديا واجتماعيا وجيوستراتيجيا.

في هذا السياق يمكن أن تترجم لنا نسبة المشاركة المتدنية هذه لسنة2021 غياب أنصار التيار الإصلاحي، خصوصا مع دعوة أنصار تيار الخضر لمقاطعة الإنتخابات، وعدم تمكن الإصلاحيين عموما من التوافق حول شخصيات كارزمية  قوية بعد غياب خاتمي وموسوي ووفاة رفسنجاني من قبل ذلك، وفشل روحاني وغيره من الإصلاحيين أو تيار الوسط في تحقيق وعود الرفاه التي قطعوها للشعب الإيراني.

يتجاوز هذا التحليل، رغم أهميته، معطيات أخرى تتبدى لنا حين نقارن هذه النسبة بآخر عميلتين انتخابيتين شهدتهما إيران في الخمس سنوات الأخيرة فقبل جائحة كورونا، شارك الايرانيون بنسب عالية في انتخابات روحاني لسنة 2017 والتي بلغت فيها نسبة المشاركة 73.3%  وكانت التنافسية فيها كبيرة بينه وبين رئيسي حيث بلغت نسبة هامش فوز روحاني  أقل من 20%  وهي إحدى أكثر الانتخابات تنافسية في تاريخ إيران. في نفس السياق شهدت انتخابات مجلس الخبراء لسنة 2016 اقبالا مهما ما يقارب 60.97%، مما يعني أن الايرانيين مهتمين بمنصب المرشد وبدور الفقهاء الدينيين في النظام السياسي. من جهة أخرى بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي أعقبت الجائحة نسبة 42.57%  وهي أقل نسبة تشهدها انتخابات ايرانية منذ قيام الثورة، مما قد يجعل ظروف الجائحة، وعدم قدرة الحكومة على توفير امكانيات التصويت الالكتروني عاملا مهما في تقليص نسبة المشاركة الانتخابية بعد الجائحة والتي شهدت تقلصا كبيرا ربما خدم في الحقيقة التيار المحافظ الذي حافظ منذ بداية الثورة على وعاء انتخابي متماسك ايديولوجيا ومرتبط إلى حد كبير بمؤسسات التنشئة السياسية الدولتية الدينية وغير الدينية.

على المستوى الاقليمي حين نقارن نسبة المشاركة الانتخابية مع المغرب والجزائر مثلا نجد أن هناك تناقصا عاما في نسبة المشاركة (أنظر الشكلين -6- و -7- أسفله)  إلا أنه حين نقارن انتخابات ايران بتركيا سنجد أن نسبة المشاركة مرتفعة بشكل ملحوظ  عند الجارة القريبة التي بلغت نسبة تتراوح بين %75 و %85 منذ منتصف الثمانينات إلى اليوم.

خلاصة تحليلية:

تمثل الانتخابات الأخيرة في إيران استمرارا لنظام سياسي تتنافس فيه تيارات سياسية توافقت على مبدأ نظرية ولاية الفقيه الدستورية، حيث يوجه الولي الفقيه السياسات الكبرى للبلاد، ويحمي الاختيارات الثورية الأولى من خلال العمليات الانتخابية التي يتم تأطيرها من خلال المؤسسات الدستورية على قواعد واضحة في تحديد مجال التنافس السياسي.

وفي الحقيقة، ينسجم هذا الطابع المؤسساتي مع طبيعة الأحزاب السياسية الإيرانية التي لا تعيش استمرارية حقيقية كما نراه في غيرها من التجارب الحزبية. فأغلب الاجسام الانتخابية تنشأ قبيل الانتخابات حول شخصيات كارزمية: (موسوي، رفسنجاني، خاتمي،  نجاد)، تجمع حولها تيارات وجمعيات ومؤسسات مدنية وسياسية ودينية لتأسيس كتل سياسية تحاول التوافق حول البرنامج السياسي، وتلعب العلاقات الإجتماعية والتاريخ السياسي، والشرعية الثورية، دورا مهما في تميز بعض الشخصيات، كما تدعم مؤسسات بعينها كالحرس الثوري أو مؤسسات الطبقة السامية من الدستور شخصيات بعينها لخوض الانتخابات.

هذه الوضعية تجعل السلوك السياسي والبرامج مرتبطة الى حد كبير بالتوجهات العامة للخطاب والبرنامج وباتجاهات الرأي العام حول القضايا الآنية التي يعيشها المجتمع الإيراني. كما تلعب التمايزات بين المركز والهامش دورا كبيرا في توجيه الانتخابات وفي توزيع نسبة المشاركة، التي تنخفض في البرلمانيات مثلا في الهامش بينما ترتفع في الانتخابات البلدية والقروية التي تشهد اقبالا عشائريا كبيرا بعيدا عن طهران وعن الحواضر الكبرى التي تهتم بالسياسات العامة للدولة وبأسئلة الخطاب السياسي الذي تسهم المؤسسات الدينية في خطب الجمعة وفي الحسينيات في إنضاجه وفي دعم الخيارات الرسمية التي غالبا ما تلتئم مع توجهات “التيار المحافظ”.

مخرجات هذه العملية الانتخابية، تمثل عودة إلى تعضيد النظام من الداخل، خصوصا حين نرجع لخطاب الحملة الرئاسية لرئيسي الذي ركز على محاربة الفساد، وعلى المشروع النووي والعلاقة مع الغرب، خصوصا وأنه من المفترض أن يضع مسافة آمنة في سياساته من الحرس الثوري الذي لم يكن مرشحه المفضل، ومن التيار المعتدل الذي أراد روحاني تأسيسه بعد الإستقطابات الحادة التي شهدتها انتخابات سنة 2009، وخروج المظاهرات للشوارع فيما سمي بالثورة الخضراء.

عودة التيار التقليدي المحافظ المتأسس على رجال الدين وعلى موظفي الدولة وجيل الثورة الأولين يعني أيضا نوعا من التوجس الاستراتيجي الذي تفرضه وضعية الولي المرشد باعتباره رأس النظام، وباعتبار الضغوطات التي أصبحت الولايات المتحدة تنهجها لأجل فرض معادلات سياسية داخلية عن طريق سياسة العقوبات القصوى التي دشنها ترامب لأجل فرض تحول سياسي داخلي ينسجم مع التوجهات الكبرى للدول الغربية بقرب منطقة عربية يغلي مرجلها، وتتحول شيئا فشيئا الى مناطق نفوذ وساحة صراع اقليمية ودولية.

 

ملحق إحصائي تحليلي:

الشكل -1- جدول إحصائي لمعطيات الإنتخابات الإيرانية الرئاسية 2021 [8]

18 يونيو 2021  

تاريخ الانتخابات

59.310.307 عدد من الناخبين المؤهلين
28.989.529 عدد الأصوات الفعلية
48.8٪ إقبال الناخبين (٪)
5923 عدد المرشحين المسجلين
404 عدد المرشحات  من النساء المسجلات
75 عدد المرشحين المقبولين
1.2٪ نسبة المرشحين المقبولين
سيد إبراهيمي رئيسي الفائز بالانتخابات
18021945 عدد الأصوات التي  تلقاها الفائز
62.16٪ النسبة المئوية لأصوات الفائز
3440835 عد أصوات المتسابق الثاني
11.86٪ النسبة للمتسابق الثاني
محسن رضائي المرشح الثاني
50.3٪ هامش النصر  للفائز
2443387 المترشح الثالث همتي
8.42٪ النسبة المئوية
1003650 سيد أمير حسين قاضيزاده الهاشمي
3.46٪ نسبته المئوية من الأصوات
4079712

 14.07٪

الأصوات الباطلة

 

الشكل -2- جدول إحصائي لمعطيات الإنتخابات الرئاسية الإيرانية 2017[9]

 

19 مايو 2017 تاريخ الانتخابات
56410234 عدد من الناخبين المؤهلين
41366085 عدد الأصوات الفعلية
73.3٪ نسبة إقبال الناخبين (٪)
 1636 من بنهم 137 امرأة عدد المرشحين المسجلين
6 عدد من المرشحين المقبولين
0.36٪ نسبة قبول المرشحين
حسن روحاني الفائز بالانتخابات
23636652 عدد الأصوات التيحصل عليها الفائز
57.14٪ النسبة المئوية لأصوات الفائز
إبراهيم رئيسي المرشح الثاني
15835794 عدد  الأصوات التي حصل عليها المرشح الثاني
38.28٪ النسبة المئوية لأصوات المرشح الثاني
19% هامش النصر من قبل الفائز

الشكل -3- : نتائج آخر انتخابات لمجلس الخبراء الإيراني سنة 2016[10]

 

26 فبراير 2016 تاريخ الانتخابات
54915024 عدد من الناخبين المؤهلين
33480548 عدد الأصوات الفعلية
60.97 معدل اقبال الناخبين (٪)
31 عدد الدوائر
88 عدد  المرشحين
801 عدد المرشحين المسجلين
161 عدد من المرشحين المقبولين
20.09٪ النسبة المئوية للمرشحين المقبولين

 

الشكل –4-: جدول إحصائي للانتخابات البرلمانية الإيرانية الأخيرة لسنة 2020[11]

21/02/2020 تاريخ الانتخابات
57918159 عدد من الناخبين المؤهلين
24512404 عدد الأصوات الفعلية
42.57 الناخب الاقبال السعر
208 عدد الدوائر
290 عدد المقاعد
16145 عدد المرشحين المسجلين
7296 عدد المرشحين المستبعدين
7148 عدد المرشحين المقبولين
5232 العدد الفعلي المرشحين المتنافسين في الانتخابات
32.4٪ النسبة المئوية للمرشحين الذين ران الواقع في الانتخابات
12٪ (1937) عدد المرشحات المسجلات للتشغيل

 

الشكل-5-: نسبة المشاركة في الانتخابات التركية الأخيرة

الشكل -6-: نسبة المشاركة في الإنتخابات المغربية الأخيرة

الشكل-7-: نسبة المشاركة في الانتخابات الجزائرية ما قبل الأخيرة:

الشكل-8-: نسبة المشاركات في الانتخابات الايرانية الأخيرة:

[1]  Edward, G. Browne,  A brief narrative of recent narrative in Persia. Followed by a translation of “The four pillars Of the Iranian constitution”, Lusac and Co, London, 1909.

[2]– امال  السبكي، إيران بين ثورتين..ص: 61-64.

[3]  تربط بعض الدراسات مباشرة بين إعلان عصمت اينونو التعددية السياسية وضغوطات دخول حلف الناتو وحضور الأمريكيين والرغبة في تلميع الصورة، ويمثل هذا المرجع الذي تم الإعتماد عليه هنا والذي هو في الأصل رسالة دكتوراه مصدرا أساسيا ونادرا  في دراسة التحولات التي طبعت الثمانين سنة الأخيرة من حياة المؤسسة العسكرية التركية ،  أنظر:

Ünsaldi Levent, Le militaire et la politique en Turquie, Paris, l’Harmattan, 2005.

[4]  في نفس السياق يمكن وضع حكومة عبد الله ابراهيم المغربية التي قادت سياسة المغربة والتأسيس للمؤسسات الوطنية.

[5]   تنص المادة 16 من قانون الأحزاب الإيراني في فقرتها السادسة، على أن الأحزاب التي تخالف مبادئ الجمهورية الإسلامية تعتبر محظورة بموجب القانون. قانون الأحزاب رقم 30530 بتاريخ 21-09-1981.

[6]  حول الحياة الحزبية في إيران قبل الثورة الإسلامية، أنظر:

Rouhollah, Abbassi, la vie politique en Iran durant la 1ère moitié du XXème siécle, V50, Encyclopedie  Sociale Abbassi, Ed ACAFI.

[7]  أنظر: قرار اللجنة المركزية لرقابة مجلس صيانة الدستور على الانتخابات بخصوص تفسير المادة 99 من الدستور الايراني حول صلاحيات المجلس، رقم ١٢٣٤ بتاريخ ١/٣/١٣٧٠ .٥/٢٢/1991.

[8]  المعطيات مستقاة من موقع: https://irandataportal.syr.edu تمت زيارته في تاريخ: 04-08-2021

[9]  المعطيات مستقاة من موقع: https://irandataportal.syr.edu تمت زيارته في تاريخ: 04-08-2021

[10]  المعطيات مستقاة من موقع: https://irandataportal.syr.edu تمت زيارته في تاريخ: 04-08-2021

[11]  المعطيات مستقاة من موقع: https://irandataportal.syr.edu تمت زيارته في تاريخ: 04-08-2021

A propos CERSS مركز الدراسات 333 Articles
Administrateur du site

Soyez le premier à commenter

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.


*