إشكالية العنف الهوياتي على ضوء الحراك الاجتماعي في المنطقة العربية: نموذج المغرب

عبد الحميد بنخطاب
أستاذ التعليم العالي، جامعة محمد الخامس ، أكدال، الرباط

تقديم

تطرح مسألة  العنف الهوياتي والمطالب السياسية المرتبطة بها إشكالات متعددة الأبعاد في المنطقة العربية منذ اندلاع ما يصطلح عليه بالربيع العربي. إذ يفترض في دول المنطقة الاستجابة الفورية لزخم هائل و متصاعد من المطالب المادية و الاجتماعية للمواطنين بالإضافة إلى المطالب السياسية  و الرمزية المتعلقة بالاعتراف بالهويات الجماعية و الفردية المتصلة باحترام الحقوق الأساسية الفردية و الجماعية، بما يترتب عن ذلك من مخاطر أمنية و سياسية تقوض حتما استقرار الأنظمة و توازنها.

يحدث هذا في سياق اجتماعي و سياسي إقليمي يتأرجح بين ثنائية السلطوية و الأنوقراطية (َ(Anocratie[1]، يقوم أساسا ، و لو بشكل متفاوت،  على منطق التدبير الشخصاني المبسط لوحدة الدولة و العقيدة و الشعب و المجال بدلا من التدبير المؤسسي لاختلاف و تعدد كل هذه الأبعاد المتشعبة والمعقدة في المجتمعات المعاصرة. مما يعقد صيرورة الانتقال نحو الديمقراطية و دولة القانون و المؤسسات و يزيد من مخاطر العودة إلى السلطوية، كلما عجزت المؤسسات الرسمية عن تلبية المطالب الاجتماعية و الهوياتية [2] ويضاعف  احتمالات اللجوء إلى العنف الهوياتي كلما استحال على الحركات الاجتماعية تحقيق مطالبها الاجتماعية و الثقافية  عن طريق القنوات المؤسساتية التقليدية وكلما زاد إحباطها النسبي تجاه إمكانية تحقيق انتظاراتها[3].

 إذ يظل العنف و العنف المضاد في هذا السياق آلية تقليدية للتبادل الاجتماعي،[4] يلجأ إليها الفاعلون السياسيون والاجتماعيون  لتحقيق مطالبهم الهوياتية و أهدافهم السياسية المرتبطة بها، كلما تصوروا أن بنية الفرص التي تتيحها تفوق بشكل جلي تلك التي يمكن تحقيقها عبر القنوات الرسمية و عبر الاحتجاج السلمي و المفاوضات[5].

 في هذا السياق يعد تعريف العنف و العنف الجماعي عملية صعبة بالنظر إلى أن تعريف ماهية المفهوم ينتج عنه في النهاية تموقف قيمي سلبي تجاهه،[6] لا يسمح مطلقا بفهم كل تجلياته المتحولة  التي يمكن وصفها بالسائلة[7]. ذلك أن تعريف العنف انطلاقا من ماهيته المجردة يحجب كل إمكانية لفهم المعنى الذي يصبغه عليه الفاعلون السياسيون ، كما لو أن وجوده مستقل عنهم وعن تصوراتهم لذواتهم و للعالم المحيط بهم. لكن ذلك لا يمنع اعتباره كفعل ذو طبيعة سياسية في ظاهره، لكونه يدخل في صميم كل مراحل العملية السياسية القائمة أساسا على الصراع لأجل الوصول إلى السلطة أو المحافظة عليها[8]. كما يمكن التأكيد على أن العنف الجماعي يتضمن بالضرورة بعدا هوياتيا ، يرتبط بتمثلات الفاعلين المؤسِسة لهويتهم المشتركة و للمخاطر التي تهددها في محيطها السياسي و المؤسسي و الثقافي[9]. حيث تحدد هذه التمثلات للهوية الجماعية في الغالب مضمون و حجم سجل العمل الجماعي للحركات الاجتماعية.[10]

انطلاقا من هذه الزاوية، يمكن التأكيد أن العنف السياسي هو عنف هوياتي بالضرورة، يرتبط بتصور الفاعلين لذواتهم و للعالم. غير أن العنف الهوياتي ليس كله بالضرورة عنفا سياسيا، بالنظر إلى كونه لا يستهدف دوما الوصول إلى السلطة السياسية أو المحافظة عليها، بل قد يكون تجليا  للصراع لأجل البروز ( la visibilité ) الاجتماعي و الثقافي لجماعة ما إذا ما افترضت و جود خطر عليها من قبل الدولة أو جماعة أخرى. إذ يصبح العنف في هذه الحالة أداة لإثبات الوجود الاجتماعي للجماعة[11] و ليس أداة لولوج السلطة السياسية، بالرغم  من عدم استبعاد هذه الفرضية متى نجحت المجموعة في فرض هيمنة هويتها على الجماعات الأخرى[12]. من هذا المنطلق يمكن التأكيد على أن العنف الهوياتي أشمل و أوسع من العنف السياسي باعتباره قد يشمل جميع أشكال العنف الجماعي (بما فيه العنف السياسي) الذي ينتجه النظام الاجتماعي ضمن صيرورة تشكله التاريخية.

 في هذا السياق، تعد صيرورة بناء الهوية و التمثلات المتعلقة بها آلية إدراكية  أساسية تسمح للمناضلين المعبئين ضمن الحركات الاحتجاجية بتحديد و تعريف لذواتهم وللحركات التي ينتمون إليها من جهة[13]، و بتحديد للآخرين كأصدقاء أو أعداء من جهة أخرى، أي بعبارة أقل تجريدا آلية إدراكية لفهم العالم و فك رموزه.

غير أن إسقاط هذا النوع من التحليل على الحركات الاحتجاجية في المنطقة العربية يواجه مشاكل عديدة، بالنظر إلى صعوبة تحقق فرضية عقلانية الخيارات و الفرص المتاحة أمام المناضلين و المقاولين السياسيين (Political entrepreuneurs[14] التي تحيل إلى فرضية تعظيم الربح المشترك الواجب تحقيقه من طرف الجماعة المنظمة مقابل تقليص الكلفة الواجب تحملها، في حين أن الفعل السياسي،  و إن كان مبنيا مبدئيا على فكرة تعظيم الفائدة،[15] فإن هذه الأخيرة تختلف جذريا في جوهرها و أبعادها عن الربح المادي ،حتى و إن تضمنته بمستويات متفاوتة، لكونها قد تكون رمزية أو نفسية لا تقدر بثمن. إذ ما الفائدة التي قد يجنيها مناضل يعرض بشكل يومي حياته للخطر و ما هي نوع العقلانية التي قد تدفعه إلى ذلك، غير تحقيق  رضا المجموعة ورضى الذات الرمزية في المقام الأول، ثم تحقيق المكاسب المادية في المقام الثاني .  

لتجاوز هذه الثغرات النظرية يتعين تجاوز مقاربات تعبئة الموارد[16]، و الفعل الجماعي كفعل عقلاني محدد لتفسير ظاهرة العنف الهوياتي في المنطقة العربية، لكونها لا تسمح بإدراج الأبعاد النفسية و القيمية المتعلقة بالصراع لأجل الاعتراف،[17] كلما نحت المؤسسات السياسية منحى إقصائيا أو هيمنيا تجاه الهويات الاجتماعية و الثقافية و السياسية لفئات إجتماعية معينة باعتبارها إما أقلية أو مهمشة.

من هذا المنطلق يمكن مقاربة العنف الهوياتي لدى الحركات الاحتجاجية و لدى الدولة في السياق السياسي المغربي، الذي طالما نُعت بالنموذج الاستثنائي مقارنة مع النماذج القطرية الأخرى في المنطقة.

طبيعة المطالب الهوياتية للحركات الاحتجاجية المغربية

يمكن تصنيف الحركات الاحتجاجية في المغرب إلى صنفين أساسيين يتفاوت فيهما سجل اللجوء الى العنف حسب طبيعة مرجعيتهما النضالية و بنائهما الهوياتي و أهدافهما السياسية ثم درجة  تحملهما من طرف السلطات العمومية،هما  الحركات الاحتجاجية ذات الخلفية السياسية و الحركات المدنية.

الحركات الاحتجاجية ذات الخلفية السياسية : هي تلك الحركات التي وإن كانت مستقلة تنتمي من الناحية التنظيمية إلى المجتمع المدني، فإنها قد ترتبط إما مذهبيا أو بشريا بالأحزاب السياسية ذات الهوية السياسية المعارضة للنظام السياسي أو للسياسات العمومية الرسمية مثل: الأذرع النقابية لبعض الأحزاب و بعض هيئات الدفاع عن حقوق الإنسان و بعض الحركات النسائية و الشبابية… وهي في الغالب تنظيمات تنتمي مذهبيا إلى عائلة الحركة الوطنية و الأحزاب اليسارية و الاسلامية ، كحزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و التقدم و الاشتراكية و الاشتراكي الموحد و الطليعة الديمقراطي الاشتراكي و العدالة و التنمية… أو إلى المركزيات النقابية الكبيرة كالاتحاد المغربي للشغل و الكونفدرالية الديمقراطية للشغل و الاتحاد العام للشغالين و الاتحاد الوطني للشغل و الفدرالية الديمقراطية للشغل…[18]

و لعل ما يميز الفعل الاحتجاجي لهذا الصنف من الحركات الاحتجاجية هو طابعه السياسي الواضح أو المستتر، المرتبط بمطلب المشاركة في السلطة السياسية أو التأثير فيها  من جهة ، ثم طابعه السلمي الذي اكتسبه بفعل صيرورة طويلة من الاحتجاج و القمع و المفاوضات و الصراعات الداخلية، التي أحدثت تحولا عميقا في علاقتها بالنظام السياسي، نحو تجاوز العنف و العنف المضاد و الارتكاز على ثلاثية المطالب السلمية و المفاوضات و التظاهر السلمي، كآليات  لتدبير الأزمات و الصراعات و بناء هوياتها السياسية من جهة أخرى. و لعل هذا ما يفسر بشكل جلي الحذر الاستراتيجي الذي تعاملت به هذه الحركات (شبيبة حزب الاتحاد الاشتراكي و الاستقلال و التقدم والاشتراكية …) مع حركة 20 فبراير 2011. إذ عبرت بعض الأحزاب الكبيرة منذ البداية عن تحفظها تجاه هذه الحركة، خصوصا وأن دعوتها تعد شكلا جديدا للاحتجاج لا يدخل ضمن السجل الاحتجاجي التقلدي لهذه الأحزاب، و من ثم فهي تحمل في طياتها مخاطرا حقيقية على السلم الاجتماعي و الاستقرار السياسي، في ظل الغموض الذي يلف هوية منظميها و أهدافهم السياسية[19]. و هي التحفظات التي تأكدت بعد انزلاق بعض المظاهرات في العديد من المدن المغربية نحو العنف، مثل   العرائش و طنجة و الحسيمة و مراكش. فيما  عبرت جل الأحزاب الصغيرة ذات المرجعية الاشتراكية و الشيوعية و الفوضوية على دعم الحركة وتبني شعاراتها مثل أحزاب: الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الاشتراكي الموحد، النهج الديمقراطي، المؤتمر الاتحادي…التي انخرط شبابها و مناضلوها فيها بشكل كلي ، خصوصا و أن هذه الأخيرة لم تراتجع مرجعياتها السياسية و الإيديولوجية لتخليصها من المنطق الصراعي تجاه المؤسسات الرسمية، الذي تحكم فيها خلال سنوات الرصاص و العمل السري[20].

في هذا السياق يمكن التأكيد على أن الحركات الاحتجاجية ذات الخلفية السياسية تنهل في فعلها الاحتجاجي من سجل ممارستها الاحتجاجية، الذي تعزز بالعديد من الأشكال الاحتجاجية التقليدية و المحدثة منذ الاستقلال. غير أن أهم الاشكال الاحتجاجية المعتمدة ظلت تقتصر بشكل واضح على المظاهرات و المسيرات و الوقفات و الإضرابات القطاعية أو الوطنية، التي تعد مناسبات للتعبير عن المطالب السياسية و معارضة توجهات السياسات العمومية. و هي أشكال تروم في الأصل الضغط على السلطات العمومية لأجل إدخال  إشكالية سياسة قطاعية  أو وطنية ضمن الأولويات المسطرة في أجندات السياسات العمومية[21]، و بالتالي فهي أشكال سلمية و مشروعة في الأصل تتعامل معها السلطات العمومية بشكل سلمي[22] ، خصوصا و أنها أشكال تعتمد  على تعبئة الفاعلين الاجتماعيين و على التشهير الإعلامي بالقضية، ثم تسييسها قصد دفع السلطات العمومية باتخاذ القرار لحلها، كما تعتمد على مساطر الترخيص الإداري المسبق بما يسمح بتأطيرها و دراسة تأثيرها و التفاوض حول توقيتها بشكل استباقي[23].

عموما تتقاطع الهوية السياسية لهذه الحركات في مرجعيتها و غاياتها مع المرجعية الهوياتية للنخب المتحكمة في القرار السياسي في المغرب حتى و إن تباينت المواقف و اختلفت التصورات بينها حول بعض القضايا السياسية و الاجتماعية . 

الحركات المدنية: و هي كل الحركات والتنظيمات المنظمة أو العفوية المستقلة عن المجتمع السياسي و عن المجال الاقتصادي. أي تلك التنظيمات الطوعية المنتمية إلى المجتمع المدني التي لا تضع ضمن أهدافها الوصول إلى السلطة السياسية أو تحقيق الربح المادي. وبالرغم من تعدد تعريفاته، يمكن تعريف المجتمع المدني La société civile كذلك الفضاء الاجتماعي المنظم ذاتيا و المستقل نسبيا[24] عن الدولة و الاحزاب السياسية و عن السوق الاقتصادي[25].  و يتكون هذا الفضاء من نسيج متشابك و متعدد الأطياف من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية الفاعلة في الحياة العامة، التي ترافع و تعبر وتدافع بشكل حر عن اهتمامات وقيم أعضائها وفقا لمرجعيات و هويات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية مشتركة، مثل: الجمعيات المحلية و الترابية،  والمنظمات الخيرية، والمنظمات الثقافية و الرياضية،المنظمات الحقوقية و النسائية والهيئات المهنية و والمنظمات غير الحكومية. و بالرغم من التشابه الكبير بينها فيما يتعلق بالأهداف و الغايات و المبادئ، يتعين التمييز بين صنف المنظمات غير الحكومية  Organisations Non Gouvernementales (ONG) وصنف هيئات المجتمع المدنيOrganisations de la société civile (OSC)   انطلاقا من طبيعة هيكلتها و علاقاتها القانونية بالدولة. إذ يحيل الصنف الأول إلى ذلك النوع من التنظيمات المدنية المستقلة عن الدولة، التي تتمتع بهياكل تنظيمية مؤسسة ومسجلة رسميا لدى السلطات العمومية. فيما يحيل الصنف الثاني  إلى كل المنظمات و الهيئات المدنية و الاجتماعية و المهنية و الثقافية و الترابية التي تدافع عن مصالح أعضائها، سواء عبر اشكال تنظيمية رسمية مهيكلة من الناحية القانونية أو عبر أشكال أخرى غير خاضعة للتأطير القانوني مثل الحركات الاجتماعية  و الحركات الاحتجاجية العفوية أو المنظمة[26].  ومن ثم يمكن القول أن الصنف الأول من التنظيمات يعد أقل شمولية و اتساعا من الصنف الثاني. … و تشمل هذه الهيئات أزيد من مائة ألف منظمة تشتغل في جميع القطاعات على و جميع المستويات الترابية[27]. انطلاقا من و ضعيتها الاعتبارية المستقلة عن الدولة و مؤسساتها، تعمل هذه المنظمات وفقا لمبدأ الترافع و التشاور و الحوار مع السلطات العمومية، قصد الضغط عليها لتلبية متطلبات زبائنها، بما يجعلها في الكثير من الأحيان فاعلا أساسيا مؤثرا في بلورة و تنفيذ و تقييم مجمل السياسيات العمومية، سواء على الصعيد المحلي أو الوطني، خصوصا بعدما تم منحها أدوارا و صلاحيات جديدة وفقا لمقتضيات الدستور الجديد، الذي نص في فصله 12 على مساهمتها الفعلية “…،في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون.”. كما مكنها أيضا من آليات قانونية تسمح لها بالتأثير في عمليات صياغة السياسات العمومية من قبيل: إجبار السلطات العمومية على ” إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها.” وفقا للفصل 13، و الحق في تقديم ملتمسات و مبادرات في مجال التشريع على جانب البرمان، طبقا للفصل 14، و الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية قصد حملها على اتخاذ قرارات تهم المواطنين وفقا للفصل 15. هذا بالإضافة إلى حقها الجديد في الدفع بعدم دستورية القوانين كلما تبين، خلال محاكمة أن القانون المطبق في النزاع يمس  بالحقوق و الحريات الأساسية للمواطن طبقا لمنطوق الفصل 133.

غير أن كل الضمانات القانونية و الإدارية المقدمة من طرف السلطات العمومية لم يمنع ظهور احتقانات و شحنات صراعية مع السلطات العمومية حول التطبيق الديمقراطي للمقتضيات الدستورية نفسها، و حول العديد من القضايا الاجتماعية و الاقتصادية الوطنية و الترابية و المرجعيات المحددة لها( إشكالية المرأة، الجهوية، الأمازيغية، الإرهاب، الأمن، مكانة الإسلام في الشأن العمومي، …) [28].  مما دفع بجزء مهم منها نحو الاحتجاج أو نحو اعتماد مقاربة ثنائية تجمع بين المرافعة و الضغط المنظم عبر الاحتجاج و النزول إلى الشارع، كتعبير عن نيتها المشاركة في بناء المعنى السياسي للحقوق و الحريات المضمونة في الوثيقة الدستورية.

يأتي نزوع العديد من منظمات المجتمع المدني نحو الاحتجاج عموما، انطلاقا من ثلاث عوامل محددة أساسية :

طبيعة المرجعية الهوياتية للمنظمات المعنية، ( جهادية، ماركسية، انفصالية…). إذ كلما كانت هوياتها الجماعية و الإيديولوجية قوية و متماسكة ، كلما انعكس ذلك على قوة تنظيمها وقيادتها و تشبعت بمنطق الاستقلال التنظيمي و المادي عن الدولة و المجتمع السياسي بما يتيح لها إمكانية الصراع و المواجهة و حتى الإقصاء مع مؤسسات الدولة ومع المنظمات و الحركات الحاملة لهويات مختلفة، كلما كانت لديها حاجة في عرض قوتها و فرض مطالبها و خلق فرص للظهور في المجال العمومي و استقطاب المناضلين.

نوعية العلاقة مع السلطة السياسية،  إذ كلما كانت هذه العلاقة متوترة وصراعية ، كلما ازداد القمع الموجه ضدها و ضد قادتها. حيث أن  التوتر في العلاقة بين السلطة و التنظيمات المدنية يأتي في الغالب انطلاقا من إرادة هذه الأخيرة المعلنة (العدل و الاحسان و الفصائل الطلابية اليسارية، انفصاليو الداخل،) أو المبطنة (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فصيل النهج الديمقراطي القاعدي،  بعض فصائل و تيارات حركة 20 فبراير…) في تحقيق تغيير جذري في الدولة و مؤسساتها، قد يكون سلميا كما قد عنيفا إذا ما اقتضت الضرورة السياسية.  ذلك أن المرجعية الدينية الجهادية و الماركسية اللينينية لا تستثني العنف السياسي لتغيير الأوضاع بشكل مطلق، بل قد تشرعنه و تجد له سندا من حيث كونه عنفا مشروعا و عادلا ضد الكفر و الإستبداد.[29] من هنا تبدأ دائرة المواجهة بين المجموعة و بين الدولة، التي قد تتطور من مجرد عنف خطابي تحريضي إلى عنف مادي متبادل. حيث يتم تبرير التصعيد من طرف المجموعة  كرد فعل مؤسس تجاه القمع و التهميش التي يطالها، بما يقلص لديها الخيارات المطروحة و يوجهها تدريجيا نحو العنف بجميع اشكاله، باعتباره خيارا نضاليا ملائما في انتظار فرص سياسية أقل كلفة. كما أن الغاية وراء النزوع غير المعلن لهذه المنظمات نحو الصراع مع مؤسسات الدولة  قد يتم تبريره بشكل ضمني كفعل سياسي ثوري  ( التنظيمات ذات المرجعية الماركسية) أو جهادي (التنظيمات الدينية و الدعوية) أو وطني  (التنظيمات الانفصالية)  لإضعاف الدولة و مؤسساتها في أفق تحقيق هدف السياسي أسمى قد يكون إرساء الخلافة أو قلب نظام الحكم أو الانفصال عن الدولة أو إحداث تغيرات جذرية في هندستها و شكلها.

غير أنه باستثناء التنظيمات الانفصالية و الجهادية ذات النزوع الإيديولوجي الطبيعي نحو الصراع و العنف مع الدولة و المجتمع[30]، لا تدعو التنظيمات الأخرى بالضرورة إلى العنف في فعلها الاحتجاجي[31]، بل قد تدينه و تشجبه و تتبرأ منه مسبقا[32].  بيد أن ذلك لا يمنعها من أن تُنتجه بشكل عفوي من خلال تصوراتها و مطالبها الراديكالية و علاقاتها المتوترة مع السلطات العمومية[33]. إذ انها غالبا ما تكون نفسها ضحية لعنف السلطات العمومية، الذي ييتم تبريره كدفاع عن الأمن العام في غياب شرعية الاحتجاج، فيما هو في الأصل نوع من القمع الذي تمارسه الدولة على هذه الحركات كمؤشر على قوتها من جهة و كتحذير موجه إلى المقاولين السياسيين و المناضلين[34] .

عموما تظل هذه المجموعات و التنظيمات هامشية، مقارنة مع تلك التي تنبذ العنف و الصراع مع مؤسسات الدولة، بالنظر إلى استحالة وجودها القانوني إذا ما ثبت أن مرجعيتها تمجد العنف أو تدعو إليه من جهة [35]، و إلى  صعوبة تعبئة المناضلين في بيئة اجتماعية هجينة لا تساعد على توطين العصبيات التنظيمية و الإيديولوجية الحديثة من جهة أخرى[36].

التدبير السياسي للمخاطر المتعلقة بالعنف الهوياتي

إذا كانت الحركات الاحتجاجية في المغرب تبقى عموما حركات سلمية المنحى فإن العنف يظل محتكرا من قبل السلطات العمومية بشكل كبير، حيث أن هذه الأخيرة تلجأ إليه بشكل طبيعي لتفريق الاحتجاجات من جهة و لضمان  احتكارها أيضا للمجال العمومي، باعتباره مجالا لتمظهر السلطة السياسية و قوتها من جهة أخرى. كما أن اللجوء إلى العنف يظل آلية سياسية يتحكم فيها متغيرين أساسين هما: السجل التاريخي للعنف الرسمي، الذي كلما كان غنيا و كثيفا كلما انعكس ذلك بشكل جدلي على خبرة الدولة في تفكيك و قمع الحركات الاحتجاجية بشكل استباقي و تفاعلي،[37]  و على هذه الأخيرة التي يستعصي عليها المأسسة  و الاستمرار ضمن سياق قمعي،[38] ثم التبعية للمسارpath dependence  الذي  يأتي من تعود الدولة و مؤسساتها على تتبع مساطر و سلوكات أمنية روتينية[39]، يصعب التخلي عنها لارتفاع مردوديتها من جهة و لعدم التحقق من مردودية البدائل المطروحة من جهة أخرى[40].

من هذا المنطلق، يبدو أن ما يميز السياق السياسي المغربي عن السياقات السياسية لدول المنطقة، ليس انعدام العنف الهوياتي في ذاته، ما دامت الشروط  الاجتماعية و الثقافية المنتجة لهذا الأخير هي نفسها-  و لو بدرجات متفاوتة- في كل الدول، بل نوعية وكمية الفرص السياسية التي يتيحها النظام السياسي للحركات الاحتجاجية و للعنف السياسي،  حيث تظل هزيلة مقارنة مع الفرص التي يتيحها التفاوض و الاحتجاج السلمي . إذ ما الذي يفسر أن المغرب يعد من بين الدول الأكثر تصديرا للجهاديين في العالم[41]، دون أن ينعكس ذلك بشكل مباشر على السلوك الاحتجاجي للتنظيمات الاجتماعية و السياسية الوطنية، الذي ظل في عمومه سلميا؟ هل هو  ضعف إنتاج المجتمع المغربي للعنف الجماعي مقارنة مع المجتمعات العربية؟ أم أن الأمر يتعلق أساسا بالخبرة العالية التي اكتسبها النظام السياسي المغربي في استباق و مكافحة و قمع الحركات الاحتجاجية العنيفة، إضافة إلى قدرته على تقليص قدرتها على تعبئة الموارد و توزيعها  على مناضليها بما يحقق ولائهم وانخراطهم المستديم[42]. يبدو هذا جليا في حالة الحركات الجهادية المغربية و حركة 20 فبراير التي لم تستطع الثبات في تقدمها و نموها من جراء المضايقات الأمنية و ملاحقة قيادييها و نشطائها. غير أن تعامل السلطة مع هذه الحركات لم يقتصر على العنف و القمع فقط، بل اعتمد أيضا على منطق التضييق النفسي عليه من خلال إذكاء بعض الصراعات و التناقضات الداخلية بها من جهة و من خلال عملية تحييد القيادات و النشطاء التي كانت تتم عبر آليتين أثبت فاعليتهما مثل القمع تماما، كالاستقطاب السياسي أو المهني( التوسط للناشط للانخراط في حزب سياسي نافذ كما وقع لبعض نشطاء 20 فبراير و بعض الجهاديين الثائبين، أو إيجاد وظيفة لذى مؤسسات الدولة كعربون عن الثقة كما وقع في حالات بعض الحقوقيين  المعطلين و المعتقلين السابقين الذين تم جزائهم بوظائف مهمة…)، غير أن الاستقطاب السياسي و المهني للنشطاء قد لا يجدي في بعض الحالات، مما يستوجب تفعيل آلية تحييدهم أو تعطيل قدراتهم عن طريق استغلال سوابقهم العدلية  والتشهير بها في الإعلام أو عن طريق الإشاعة بما قد يفقدههم أتبعاهم و ينقص مصداقيتهم ( كما هو الحال في الحركة الطلابية و حركة المعطلين و حركة   20 فبراير، حيث ينفجر بين الفينة و الأخرى النقاش حول استقامة و ولاء بعض النشطاء بما يفضي في الغالب، إما إلى طردهم أو إلى تجريدهم من المسؤوليات الداخلية أو المحصل عنها في الدولة ).

بيد أن سجل تعامل الدولة مع الحركات الاحتجاجيية  قد يشمل أيضا تجريدها من الموارد التي قد تسمح لها بالديمومة و التوسع. إذ يمكن اعتبار الدعم التنظيمي و قدرة الحركة على الدخول في تحالفات و شبكات احتجاجية أوسع والانسجام الهوياتي والوقت المستثمر، من المتغيرات  الأساسية في تاريخ الحركة باعتبارها موارد حيوية لوجود و نمو الحركات الاحتجاجية، التي قد تحدد تحولها نحو حركات اجتماعية مؤسسة ذات هوية جماعية قوية تسمح لها بالدخول في صراع مع الدولة أضرار بنيوية.

في هذا السياق، يمكن التأكيد أن السلطات العمومية استطاعت أن تعرقل جهود حركة 20 فبراير و حركة المعطلين و المجموعات الجهادية والفصائل الطلابية الراديكالية لتوحيد صفوفها وبناء تنظيمات مستديمة عبر منعها قانونيا و بشكل ممنهج من التأسيس  والتجمهر و التظاهر بدون ترخيص و من جمع الأموال و التبرعات سواء كانت عمومية أو خصوصية. مما انعكس بشكل أو بأخر على فعاليتها التنظيمية و التأطيرية للاحتجاج و استمراريته، كما شل جل قدراتها التوزيعية للموارد على المناضلين و النشطاء . غير أن هذا الشلل لا ينسحب على جماعة العدل و الإحسان، التي استطاعت إلى حد كبير تجاوزه نظرا للهوية العقدية (الصوفية و السياسية) القوية التي تؤسس لفعلها الاحتجاجي، من جهة، و للدور الريادي الكبير الذي لعبه إمامها الشيخ ياسين في التنظير و توحيد الآراء و التعبئة السياسية للمناضلين بما انعكس إيجابيا على الفعالية التنظيمية و التوزيعية للموارد لدى الجماعة  من جهة أخرى.

كما عرقلت الدولة بشكل حازم  جميع محاولات التشبيك و بناء التحالفات بين الحركات الاحتجاجية، حيث عمدت في العديد من الأحيان إلى التشويش على محاولاتها لبناء تحالفات مذهبية و مصلحية دائمة تسمح لها بتجاوز هشاشتها التنظيمية. كما سعت الدولة إلى الركوب على التناقضات السياسية و المجالية و القطاعية و اللغوية و الثقافية البنيوية لهذه التنظيمات، لأجل عزلها عن محيطها و إجبارها على الإكتفاء بمجالها الترابي و القطاعي  الضيق. حيث أن التناقضات الحاصلة داخل هذه الحركات قد تم استغلالها لإضعافها و منعها من بناء تحالفات و توافقات قد تفضي إلى زعزعة الاستقرار السياسي في البلاد إذا ما كتب لها النجاح و الاستمرار. فالصراع الإيديولوجي بين الفصائل الطلابية، و بين مكونات حركة 20 فبراير و الحركات الجهادية و النسائية و الأمازيغية و الانشقاقات و المراجعات النظرية و التحالفات الظرفية تدخل في صميم السياسات الأمنية للدولة. فهذه الأخيرة قد تدخلت بشكل ملفت في عزل الحركة الطلابية عن محيطها الاجتماعي و المجالي، عبر قمع أي تظاهرة تخرج عن نطاق أسوار الجامعة و عن طريق تهيأة عمرانية للجامعات تعزلها عن مجالها الجغرافي. كما تدخلت عبر المنع و القمع لدفع حركة 20 فبراير إلى التظاهر في الأحياء الهامشية للمدن بدلا من الأحياء الرئيسية ( يعقوب المنصور بالرباط بدلا من شارع محمد الخامس، بني مكادة بطنجة بدلا من شارع محمد الخامس، بني بوعياش و إيمزورن بدلا من شارع محمد الخامس بالحسيمة…).

كما كان تدخل السلطات العمومية حاسما في عرقلة و حجب سريان المعلومات و المعطيات السياسية حول هذه الحركات  عبر التضييق على جميع وسائل الإعلام التي تتعاطف أو تتفاعل معها، مما أسهم إلى حد بعيد في تدهور وضعية حرية الصحافة في المغرب، بالنظر إلى الإعتقالات و المنع الذي طال العديد من الصحفيين و المنابر الإعلامية[43]

إن أكثر ما تدخلت فيه الدولة لكسب رهانها ضد الحركات الاحتجاجية كان و لا يزال متغير الزمن على اعتبار أن الفرص السياسة التي أتاحها النظام السياسي، تحت ضغط الحراك السياسي العربي انطلاقا من سنة 2011، لم تكن لتستمر طويلا. إذ أن اندلاع الحراك الاجتماعي في كل من مصر وتونس و اليمن و ليبيا و آثاره السياسية السريعة التي عصفت باستقرار الأنظمة السياسية بها أدت في حينه إلى زعزعة الثقة في قدرة النسق السياسي المغربي على تحمل احتجاج سياسي ممتد زمنيا و مجاليا كذلك الذي وقع في الدول المجاورة. مما ساعد بشكل جدلي على الرفع من سقف مطالب الحركة الاحتجاجية من جهة، و إن لم تصل حينها الى درجة رفع شعار ارحل ، و على جاهزية الدولة لتقديم تنازلات مهمة في مجال إعادة توزيع السلط و محاربة الفساد و حقوق الإنسان…. بالرغم من ذلك، يبدو أن الحركات الاحتجاجية بكل أطيافها السياسية لم تستطع أن تجعل من عامل الزمن موردا سياسيا في صيرورتها النضالية، خصوصا و أن الكلفة الزمنية للفعل الاحتجاجي تضل جد مرتفعة، سواء للحركة برمتها أو للمناضلين في سياق سياسي تتقلص فيه الفرص بشكل متسارع[44]. ذلك أن هدر الزمن الاحتجاجي قد تم بشكل سريع على مستويين: مستوى التنظيم الداخلي للحركة، حيث ساد النقاش حول  طبيعة التنظيم الذاتي للحركة و حول مرجعيتها الفكرية و السياسية و طبيعة القيادة، ثم مستوى التفاعل مع السلطات العمومية من جهة و مع باقي الفاعلين السياسيين من جهة أخرى. إذ منذ البداية، تم طرح إشكالية التنظيم و التحالفات الداخلية و الهوية السياسية للحركة،هل هي يسارية ام أسلامية أم جماهيرية مستقلة؟ لكن الحركة لم تحسم في هذه القضايا الجوهرية، معتبرة نفسها مجرد حركة جماهيرية تتسع للجميع.[45] مما طرح إشكالية وحدتها وهويتها التنظيمية ما دام كل التنظيمات قد تتماهى معها بما حولها في نهاية الأمرإلى مجرد حركة قابضة لكل شيء catch all .[46]  إذ في غياب هوية سياسية و تنظيمية موحدة و مُلزمة ، تعاملت مجمل التنظيمات بنوع من البراغماتية، إن لم تكن نوعا من الانتهازية، مع الحركة، حيث تبنت مطالبها بالجملة دون أن تستثمر فيها تنظيميا و بشريا[47].  من هذا المنطلق، تبنت الأحزاب السياسية اليسارية و النقابات مجمل مطالب الحركة مع التحفظ على الحركة نفسها، فيما تبنت أحزاب اليسار الراديكالي مطالب حركة 20 فبراير برمتها و استثمرت فيها سياسيا، لأنها سمحت لها بالتواجد و بالظهور بقوة في الفضاء العمومي و استقطاب شرائح اجتماعية جديدة ما كانت لتصل إليها في غياب الحراك. أما الحركات الأمازيغية فإنها انخرطت في الحركة و تبنت مطالبها، غير أنها سرعان ما خفت حضورها بعد تلبية متطلباتها بتبني الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في الدستور الجديد. نفس التعامل البراغماتي ينسحب على الحركات النسائية التي أعابت على الحركة وجود جماعة العدل و الاحسان التي لا تتبني القضايا النسائية، و حركة المعطلين التي اعتبرت أن مطالبها لا تدخل في سياق المطالب السياسية ما دامت تقتصر حصريا على التشغيل فورا في أسلاك الوظيفة العمومية.[48]

في هذا السياق تظل قدرة النظام السياسي في المغرب على كسب رهان الوقت أمام الحركات الاحتجاجية من  أهم الآليات السياسية المعتمدة، خصوصا و أن هذه الأخيرة توجد موضوعيا في الطرف الأضعف لموازين القوى السياسية،[49] و من ثم فهي الأقل قدرة على تحمل هدر الزمن السياسي. بناءا على ذلك، تلجأ  السلطات العمومية إلى سجلها التدبيري للأزمات السياسية، الذي يتمحور على ثنائية القمع و التفاوض مع المحتجين. فإذا كان القمع يرمي إلى اجتثاث الاحتجاج  عن طريق إضعاف و كسر التنظيمات الإحتجاجية من جهة، ثم معاقبة المناضلين و قياداتهم جسديا  و نفسيا و رمزيا، عن طريق ضربهم ثم سجنهم وعزلهم عن تنظيماتهم، فإن التفاوض يرمي أساسا إلى إضعاف الحركة عن طريق  إبقائها فاعلة دون فعَالية في محيطها السياسي عن طريق النقاش معها حول سقف المطالب الممكنة و حجمها. غير أن التفاوض لا يتم دائما بشكل مباشر بين الحركات الاحتجاجية و الدولة، كما لا يتم في إطار مؤسسي موجود سلفا قد يحدد مداه ، بل هو صيرورة سياسية تفاعلية ممتدة في الزمن بين الدولة و الحركات الاحتجاجية، قد تكون تارة مباشرة و قد تكون في الكثير من الأحيان غير مباشرة، تتم عبر البيانات و الخطب و عبر فاعلين سياسيين خارجيين قد يلعبون دور الوساطة. ذلك  أن خطاب الملك في التاسع من مارس 2011 قد شكل في حينه منعطفا سياسيا هاما، نظرا لاستجابة القصر لمجموعة كبيرة من المطالب و الشعارات السياسية التي تم تداولها في الحراك دون تفاوض مباشر مع قياداته. كما شكلت لحظة الاستشارة السياسية مع الهيئات السياسية و المدنية التي قامت بها اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور حول المطالب السياسية القابلة للدسترة، لحظة تفاوضية بين الدولة و المجتمع السياسي و المدني ، استطاعت من خلالها استباق و تبني مجموعة من مطالبه ثم تحويرها و تقييدها بمجموعة من الشروط و المساطر التي أفرغتها من محتواها في النهاية، بالنظر إلى صعوبة أو استحالة تحقيقها على أرض الواقع. إذ أن مطلب الملكية البرلمانية الذي يرمي إلى تقليص سلطات الملك لجعله يسود و لا يحكم قد تم التعاطي معه في حدوده الدنيا، أي الملكية الدستورية التي يحكم فيها الملك و يسود وفقا لأحكام الدستور، كما أن دسترة الأمازيغية و الجهوية و التمثيلية السياسية العادلة للنساء و الديمقراطية التشاركية  و الحكامة و شفافية الدولة و مؤسساتها و سمو القوانين الدولية على القوانين الوطنية…،أصبحت أيضا أحكاما دستورية يصعب تحقيقها بالنظر إلى الشروط المسطرية و القانونية التي قيدت بها. من هذه الزاوية، يبدو أن الحركات الاحتجاجية قد خسرت رهانها من حيث ظنت أنها قد ربحتها، خصوصا و أن الدولة في المغرب تتوفر على سجل تاريخي من المفاوضات مع الحركات الاحتجاجية و السياسية التي استطاعت من خلالها ربح الوقت و الجهد و الالتفاف على مطالبها أو عبر تبنيها و تحويرها أو عبر استغلال تناقضاتها الداخلية بما يسمح في نهاية الأمر بتحقيق الهدف ألأساسي المتعلق باستقرار الدولة و مؤسساتها و استمرارها في الزمن. و لعل ما يفسر استقرار النظام السياسي في المغرب، بالرغم من  الأزمات الدورية التي عاشها، يظل في الأساس قدرة هذا الأخير على التفاوض المستمر مع المعارضين و المحتجين من جهة و على تعدد القنوات و الوسائط  التواصلية بينهم حتى في اللحظات السياسية الحاسمة التي تكون فيها الأزمة في أشدها.

الخاتمة

يضل فشل الحركات الاحتجاجية المغربية في صيرورة تحولها نحو حركات اجتماعية مؤسسة  ممتدة في الزمن رهين بتداخل و تفاعل العديد من المتغيرات الذاتية و الموضوعية التي حددت مسارها و هويتها الجماعية و من ثم قدرتها على الحركة و تعبئة الموارد و توزيعها بين زبنائها.

فعلى المستوى الموضوعي، تعد نوعية الفرص السياسية التي يتيحها النظام السياسي للعنف الهوياتي لدى الحركات الاحتجاجية ضعيفة بالنظر إلى كلفته العالية مقارنة مع الاحتجاج السلمي.

كما أن الأحزاب السياسية و النقابات و هيئات المجتمع المدني و الحركات الإسلامية المعتدلة، بمختلف أطيافها، قد لعبت دورا مهما في الوساطة بين السلطات العمومية و الحركات الاحتجاجية بالنظر إلى كونها كانت المتلقي المباشر لمطالبها حيث عملت على تجميعها ثم صياغتها في شكل مطالب سياسية ممكنة التحقق من قبيل الملكية البرلمانية و فصل السلطات و الحكامة السياسية و الجهوية …

غير أن أهم ما قام به هؤلاء الفاعلون لتليين المواقف الاحتجاجية و تقويض النزوع نحو العنف الهوياتي يظل الوظيفة المستترة المنبرية  التي سمحت لأعداد مهمة من المحتجين و الغاضبين و المتمردين بالحصول على منبر للتعبير و التنفيس عن  غضبهم  بشكل حر و بدون خشية من القمع[50].  إذ تمكنت جماعة العدل و الاحسان و بعض الأحزاب اليسارية الراديكالية و حزب العدالة و التنمية ، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني مثل الجمعيات الحقوقية و النسائية و الجهوية من لعب دور مهم في هذا المجال، عبر الوساطة و المرافعات المستمرة التي يقومون لدى الدولة  بما يسمح في كثير من الأحيان بالتنفيس عن الاحتقان و تقليص الحاجة إلى استعمال العنف كوسيلة أساسية للتفاوض السياسي.

كما استطاعت بعض المنظمات المدنية القطاعية، مثل حركة المعطلين الشباب و النسائية والثقافية، أن تلعب دورا مهما في عملية لامركزة الاحتجاج و نقله من العاصمة إلى المدن و القرى الهامشية، بما  ساهم إلى حد بعيد في ابتذاله من جهة، و جعله مجرد آلية تفاعل روتيني بين مختلف الفاعلين السياسيين و المدنيين و مؤسسات الدولة، تشبه الآليات التقليدية مثل التظلم و تقديم العرائض و الاعتصام و الإضراب.

أما على المستوى الذاتي، فان الحركات الاحتجاجية الوطنية فقد فشلت في صيرورة بنائها لهويات سياسية و تنظيمية منسجمة و قوية قادرة على لعب دور اندماجي لمختلف مكوناتها في مواجهة القمع ومقاومة السلطات العمومية[51] . كما فشلت في بناء تنظيم مؤسس يسمح بتعظيم الموارد السياسية و الرمزية الجماعية و الفردية للمناضلين من جهة و توزيعها بشكل يضمن استمرار ولائهم و نضالهم. و لعل ذلك يرجع أيضا إلى الطبيعة التعادلية للمجتمع المغربي الذي لا يسمح في كثير من الأحيان ببروز الزعامات السياسية و التنظيمية التي قد تستطيع تعبئة المناضلين حول هوية مشتركة و لهدف مركزي موحد. إذ يبدو أن ذلك قد انعكس على قدرة هذه الحركات على تطعيم صفوفها بمناضلين جدد من بين الأغلبية الصامتة، التي ظلت كذلك حتى بعد الحراك.

بيذ أن هذا الفشل التنظيمي لا يجب أن يحجب الطفرة النوعية التي أحدثتها هذه الحركات على مفهوم الاحتجاج في المغرب، إذ استطاعت أن تحدث تغيرا جذريا في باراديغم الهويات السياسية الجماعية على مستويين أساسيين: مستوى الفرد كجسد و كفكر، حيث أصبح أكثر من أي وقت مضى المتغير الأساسي لكل فعل سياسي و اجتماعي، ثم الفضاء العمومي الذي لم يعد محتكرا من طرف السلطة العمومية فقط، بل أصبح فضاء مشتركا للصراع و التفاوض. حيث أن احتلال هذا الفضاء قد أصبح رمزا للاعتراف بالهويات السياسية و الجماعية و الفردية في المغرب بعد الحراك.


[1] الأنقراطية (َ(Anocratie هي نظام حكم هجين أو انتقالي  لا هو أوتوقراطي و لا ديمقراطي بالمعنى الدقيق للمفهوم بالنظر الى كونه لا يملك مقومات القمع كما في الأنظمة الديكتاتورية و لا المؤسسات السياسية الديمقراطية التي قد تمتص التعدد السياسي و الهوياتي. انظر التقرير السنوي لمركز السلم الشامل لسنة 2014 حيث صنف الأنظمة العربية الى أوتوقراطية وأنقراطية  في خارطة توزيع أنظمة الحكامة في النظام الدولي. انظر

Global Report 2014: Conflict, Governance and State Fragility  Monty G. Marshall and Benjamin R. Cole,  Center For Systemic Peace, Vienna, VA US, p.23.

 [2] باستثناء تصنيف تونس ضمن الدول الحرة و المغرب ضمن الدول الحرة نسبيا، صنفت منظمة Freedum House    كل الدول العربية ضمن الدول غير الحرة أو ضمن أسوأها سنة 2015، انظر freedomhouse.Org

 Gurr, T. R. Why Men Rebel, Princeton: Princeton University Press, 1970, p.13. [3]

[4]   انظر Jamous Raymond, 1981. Honneur et baraka, les structures sociales traditionnelles dans le Rif, Paris, Cambridge University Press-Maison des sciences de l’homme, 1981, pp.65-97.

SIDNEY TARROW & CHARLES TILLY , Contentious Politics and Social Movements انظر: [5]

The Oxford handbook of comparative politics / edited by Carles Boix and Susan C. Stokes, Oxford University Press, New York, 2007, p.440.

Philippe Braud, violences politiques, éd Seuil, Paris 2004, p.14[6]

Zigmund Bauman, Le présent liquide : peurs sociales et obsession sécuritaire, traduit par Laurent buiy, éd.,  [7]  seuil, 2007, p.5.

Charles Tilly, La violence collective dans une perspective européenne, Tracés. Revue de Sciences  انظر: [8]

Humaines, p.206,  [En ligne], 19 | 2010, http:// traces.revues.org/4919 ; DOI : 10.4000/traces.4919

[9]   انظر شارل تيلي، الحركات لاجتماعية، 1768- 2004 ترجمة ربيع وهبه،الطبعة الاولى، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005، ص. 52

[10]  ارتأينا ترجمة Social movement repertoir بسجل الحركات الاجتماعية لكون السجل يحيل على أرشيف و ذاكرة الحركة التي تحدد طبيعة و حجم العمل الجماعي  بدلا من ذخيرة الحركات الاجتماعية  التي اعتمدها مترجم كتاب الحركات الاجتماعية و التي توحي بمخزون مادي للعمل الجماعي.

[11]  انظر   Philippe Braud, pp.41-44.

La violence politique : repères et problèmes, Cultures & Conflits, pp.5-8. [En ligne], 09-10 | printemps- été 1993, mis en ligne le 13 mars 2006, consulté le 15 juillet 2015. URL : http://conflits.revues.org/406.

[12]    Pierre Bourdieu,L’identité et la représentation. Eléments pour une réflexion critique sur l’idée de région, Actes de la recherche en sciences sociales, 1980, vol. 35, n° spécial, p.65.

[13]  Brubaker Roggers, Ethnicity, Race, and Nationalism, The Annual Review of Sociology, nr 35, 2009, p.34

[14]  ارتأينا أن نترجم مصطلح  political entrepreneurs  بالمقاولين السياسيين عوض المدبرين السياسيين كما وردت في الترجمة لكون المقاول يحيل على عملية خلق الفرص أما التدبير فيحيل على عملية تنظيمية روتينية، انظر  تيلي،ص. 53-54 .

[15]  انظر Olson Mancur, Logique de l’action collective, éd. Presse Universitaire de France, 1ère éd, 1966pp. 21-24

[16]انظر   Oberschall Antony, Social Conflict and Social Movements, Prentice Hall, Englewood Cliffs, New Jersey, ; Charles Tilly, From Mobilization to Revolution, Addison Wesley, 1978,                                                                                               

انظر [17]  Axel Honneth, La lutte pour la reconnaissance, Éditions du CERF, Paris, 2010.  

[18]  ينص الفصل 11 من القانون المنظم للتجمعات العمومية الصادر في 15 نوفمبر 1958″ لا يسمح بتنظيم المظاهرات بالطرق العمومية إلا للأحزاب السياسية و المنظمات النقابية و الهيئات المهنية و الجمعيات المصرح بها بصفة قانونية …”

[19]  أعلن حزب التقدم والاشتراكية بأنه لن ينخرط إلا في الحركات السياسية والاجتماعية المنظمة و المسؤولة … فيما أكد قياديو حزب العدالة والتنمية أن حزبهم غير معني بمسيرة 20 فبراير،أما الاتحاد الاشتراكي فقد تخوف من المخاطر الثلاث التي قد تعصف بمسلسل الاصلاح في المغرب وهي الانفصال و الارهاب و الفساد تاركا الخيار لشبيبته بالانخراط في النقاش و المظاهرات بشكل منفصل عن الحزب و هو ما اعتبرته حركة 20 فبراير نوعا من الانتهازية. انظر شهادة وداد الملحاف،0 2 فبراير مسار ومآل لحراك مغربي من أجل الحرية و الكرامة، ص.6. فيما أكد امحمد الهلالي النائب الثاني لرئيس حركة التوحيد والإصلاح أن موقف الحركة لم يكن ”ضد مبادرة 20 فبراير، لكن من حق الحركة أن تقرر مع من تتجاوب ومتى تتفاعل مع هذه الدعوة أو تلك. هذا من ناحية، لكن في العمق، وبعد استعراض المعطيات في سياقها العربي والمغربي، وقفنا على حجم الهوة بيننا وبين الأطراف الأساسية الداعية أو الداعمة لهذه المبادرة في بداياتها، فضلا عن توجسنا من المآلات التي قد تفضي لها المبادرة”. 06p;مارس 2011. http://orema.ma/news167.html

[20]  يصطلح في المغرب على المرحلة الممتدة من 1965 إلى 1992 بسنوات الرصاص و هي الفترة التي اتسمت فيها علاقة الدولة بالحركات الاحتجاجية بقمع شديد.

[21]     للمزيد من المعلومات انظر Hassenteufel Patrick , Les processus de mise sur agenda : sélection et construction des problèmes publics , Informations sociales, 2010/1 n° 157, p. 50-58.

[22]  ينص الفصل 11 من القانون المنظم للتجمعات العمومية الصادر في 15 نوفمبر 1958 على وجوب تصريح مسبق لكل المواكب و الاستعراضات و …جميع المظاهرات بالطرق العمومية.

[23]  ينص الفصل الثالث من القانون المنظم للتجمعات العمومية الصادر في 15 نوفمبر 1958 على وجوب أن ” يكون كل اجتماع عمومي مسبوقا بتصريح يبين فيه اليوم و الساعة و المكان الذي ينعقد فيه الاجتماع ويوضح في التصريح موضوع الاجتماع…” و هو نفس الشرط الذي تضمنه الفصل 11 من نفس القانون فيما يتعلق المظاهرات بالطرق العمومية.

[24]  بالرغم من كون الاستقلالية عن الدولة و الأحزاب و التنظيمات الاقتصادية تعد معيارا أساسيا لتعريف المجتمع المدني فإنها تظل نسبية بالنظر إلى استحالة وجوده في غياب اعتراف قانوني و سياسي من الدولة من جهة و دعم مادي من قبل الفاعلين الاقتصاديين من جهة أخرى. 

[25]  انظر عزمي بشارة، المجتمع المدني: دراسة نقدية، المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسيات، الطبعة السادسة، بيروت، 2012، ص. 43-68. انظر أيضا   Azeddine Akesbi, Étude de l’Indice de la Société Civile Maroc, Projet Indice de la société civile,

Espace associatif, avril 2011, pp.17-19, http://81.192.48.236:8080/Intranet/systeme/data/ISC/RISC.pdf

[26]  انظر Comprendre la société civile, enjeux pour l’OMS, Initiative société civile, Relations extérieures et organes directeurs, Documents de synthèse N°.2,  Organisation mondiale de la Santé, Février 2002, p. 4.

[27]  تم احصاء حوالي عشرة أصناف من منظمات المجتمع المدني مثل: منظمات حقوق الإنسان؛ منظمات التنمية و الخدمات؛ المنظمات التربوية و الثقافية؛ المنظمات العقائدية و الدينية؛ المنظمات المهنية؛ الحركات الاجتماعية؛ النقابات؛ المؤسسات المدنية؛ وسائل الإعلام الخصوصية؛ الزوايا.
انظر, op.cit., p.19 . Akesbi           

[28]  لوحظ بعد مرور سنة 2011 ان الرهان السياسي للحركات الاحتجاجية تحول بشكل ملفت من المطالب الاصلاحية للدولة و لمؤسساتها إلى إشكالية التنزيل الديمقراطي التشاركي للمقتضيات الدستورية حول سقف الحريات الأساسية، تمثيلية النساء و المناصفة، الجهوية و التقسيم الترابي للمملكة، مكانة الأمازيغية كلغة رسمية في المجال العمومي ، الديمقراطية التشاركية و المجتمع المدني، مفهوم الهوية الوطنية و جدليتها مع الدين الإسلامي و الحريات الأساسية….

[29]  يرى عبد السلام ياسين إمام جماعة العدل و الإحسان ” لو قدرنا أن نتجنب استعمال السلاح ضد الأنظمة الفاسدة، ونقاطعها حتى تشل حركتها، ويسقط سلطانها، وترذل كلمتها كما فعل إخواننا في إيران، لكان ذلك أشبه بروح الإسلام الذي يوصي ألا تسفك دماء المسلمين بينهم … على أن المقاطعة والمقاومة الصابرة، متعانقين، قد لا تتأتى ظروفهما في كل قطر من أقطار الإسلام. وقد لا يناسب هذا الأسلوب حالات يكون فيها الحاكم الباطش متمثلا في شرذمة ثعلبية مستأسدة …”  رجال القومة والإصلاح، دار لبنان للطباعة و النشر، 2001، ص. 36 فيما يرى النهج الديمقراطي أن  “… مسألة بناء الأداة السياسية, المستقلة للطبقة العاملة والكادحين هي, في نظرنا مسألة صحيحة وحاسمة في التغيير بأفق اشتراكي ولا يجب التراجع عنها تحت ذريعة أن الحزب البلشفي قد تحول من حزب ثوري بروليتاري طليعي إلى حزب ديمقراطي…إن النهج الديمقراطي يعتبر أن للطبقة العاملة دورا قياديا في عملية التغيير بأفق اشتراكي بل أن دورها أساسي في التغيير الديمقراطي الجذري أيضا وأن بناء الأداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة والكادحين مسألة حاسمة”.عبد الله الحريف، من “إلى الأمام” إلى “النهج الديمقراطي http://www.chabibanahj.org/index.php/2015-05-22-12-41-13/2015-05-22-12-47-28/664-2015-05-24-21-48-02

أما فصيل التوجع القاعدي ( الماركسي) الذي ينشط في النقابة الوطنية لطلبة المغرب فإنه يتبنى العنف الثوري  “… أي العنف الذي تمارسه الجماهير و مناضلوها ضد أعدائهم الطبقيين” من أدبيات التوجه القاعدي “توضيحاتحول مقال “مواقف الفصائل الطلابية اليسارية من العنف والتنظيم والعمل الوحدوي” المنشور بجريدة النهج الديمقراطي” 16 مارس 2014،  http://attawajohalkaidi.com

[30]  تعد التنظيمات الجهادية مجموعة متناثرة و غير منسجمة من الشخصيات ت الدعوية( حسن الكتاني، عبد الوهاب رفيقي الملقب لأبو حفص، عمر الحدوشي، محمد الفيزازي…  و التنظيمات مثل الصراط المستقيم، الهجرة و التكفير،الدعوة و التبليغ، السنة و الجماعة..أما التنظيمات الانفصالية مثل: بوليساريو الداخل الذين ينشطون خصوصا في بعض الجمعيات المدنية و الحقوقية بجنوب المغرب أو في النقابة الوطنية لطلبة المغرب و حركة الاستقلال الذاتي للريف . 

[31] Tilly, p.206.    ، انظر ايضا تقرير رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان امام مجلسي البرلمان  في 16 يونيو 2014، ص. 30. http://www.cndh.org.ma/sites/default/files/documents/rapport_integral_arabe_1_.pdf                                              

 [32]  “ان حركة 20 فبراير تريد ثورة جدرية ، الا أنها تريدها بشكل سلمي… هذا يطرح المسألة الجوهرية ، كيف يمكن تسليح المواطنين بالوعي الضروري الذي يحصنهم للاستمرار في طريق المطالبة بالدولة الجديدة أي الدستور الجديد بدون أن تخمد شوكة المقاومة و من دون اعتماد العنف   كوسيلة لمواجهة عنف السلطة المخزنية المتنفذة؟” محمــد المبــاركي، حركة 20 فبراير: ن المساندة و التنديد إلى العصيان المدني”  https://www.mamfakinch.com                 

   [33]انظر العرض الذي ألقاه عبد الحميد أمين  يوم 25/08/2011 بمقر الاتحاد المغربي للشغل بفاس، “إن الهدف الأساسي للحركة هو تخليص المغرب والشعب المغربي من السيطرة المخزنية التي دامت قرونا طويلة، معرقلة إمكانية تطور البلاد نحو الديمقراطية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقيمية.”   http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=275174

[34]  يقر تقرير رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان امام مجلسي البرلمان أن المجلس قد قام “…بعمليات رصد و تقصي و وساطة في عدد من حالات التوتر الذي ترتبت عنها انتهاكات لحقوق الانسان… [في] خريبكة…،بوعرفة…،آسفي…،الداخلة…،الحسيمة…،طنجة…، سلا…، العيون…” ، ص.30 .

[35]  ينص الفصل 23 من دستور 2011 ” يُحظَر كل تحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف” كما تنص المادة 3 من قانون الجمعييات الصادر في 15 نوفمبر 1958 ” كل جمعية تؤسس لغاية أو لهدف غير مشروع يتنافى مع القوانين أو الآداب العامة أو قد تهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي أو تدعو إلى كافة أشكال التمييز تكون باطلة” كما تنص المادة 29 من نفس القانون على حل السلطات العمومية لكل الجمعيات التي “…1. قد تحرض على قيام مظاهرات مسلحة في الشارع؛… 3. قد تهدف على المس بوحدة التراب الوطني أو الاستيلاء على مقاليد احكم بالقوة أو الاعتداء على النظام الملكي للدولة.”

[36]  تشير دراسة قياس مستوى التماسك الاجتماعي بالمغرب التي قام بها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية في 12 مارس 2012 بعنوان  

Lien social au Maroc : quel rôle pour l’État et l’ensemble des acteurs sociaux ?   أن أزيد من 70%  من المغاربة لا يعتبرون العصبية السياسية مهمة في حياتهم مفضلين عنها الروابط العائلية 43,1 % و الصداقة 31,1  % و أن أقل من 10  % فقط منهم قد شاركوا فعلا خلال السنة الماضية في مظاهرة او اضراب أو اعتصام، كما أن حوالي  87,8  %  لا يحبذون اللجوء على العنف لجل الحصول على حقوقهم. انظر http://www.ires.ma/sites/default/files/rapport_de_lenquete_nationale_sur_le_lien_social.pdf

[37]  Tilly Charles, Regimes and repertoires, The University of Chicago Press, Chicago, Chicago and London,2006, p.74.

[38]  p.206.   …Tilly, La violence collective

[39]  Hélène Combes et Olivier Fillieule, De la répression considérée dans ses rapports à l’activité protestataire       Modèles structuraux et interactions stratégiques, Revue française de science politique,  2011/6 (Vol. 61), p.1049.

[40] انظر Bruno Palier, Path dependence (dépendance au chemin emprunté)in Dictionnaire des politiques publiques Sous la direction de Laurie Boussaguet et al., 3e édition, Presse de Sciences PO, 2010, pp. 411-419.

[41] حسب تقرير مجوعة Soufan Group للاستعلامات يوجد في سوريا أزيد من 1500 مقاتل مغربي  مما يجعل المغرب ثالث دولة تصدر الجهاديين الى سوريا بعد تونس والسعودية سنة 2014، http://soufangroup.com/wp-content/uploads/2014/06/TSG-Foreign-Fighters-in-Syria.pdf و هي تقديرات تقترب من التقديرات الرسمية التي قدمها المكتب الوطني للتحقيقات القضائية التي تشير الى وجود أزيد من 1355 جهادي في كل من سوريا و العراق و 500 مقاتل في صفوف الدولة الاسلامية في العراق و الشام  http://www.le360.ma/fr/politique/terrorisme-les-chiffres-impressionnants-des-missions-du-bcij-35485

[42]  حسب نفس المصدر استطاعت المصالح الأمنية المغربية أن تفكك أزيد من 132 خلية ارهابية  و أن تحبط نحو 119 تفجيرا و 109 اغتيالا بين 2002   و 2015.

[43] من بين المواقع الاعلامية التي تعرضت للتضييق ثم المنع هناك موقع لكم الذي منع  فيما اعتقل مديرها على خلفية نشره شريطا منسوبا لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ي 17 شتمبر 2013, 

[44]  هناك شعور عام في المغرب بأن حركة 20 فبراير قد انتهت، دون أن تحقق المكاسب السياسية التي ناضلت من أجلها، في حين يطرح ي النقاش العمومي التساؤل حول ما تبقى اليوم من هذه الحركة و لمادا لم تستمر بنفس الزخم الذي بدأت به…

[45]  انظر اسامة الخليفي ، مكاسب حركة 20 فبراير و الآفاق، حركة 20 فبراير… ص.16.

[46]  هذا المفهوم مقتبس من مفهوم  Partys catch all  الذي استخدمه Otto Kirchheimer  ابتداء من 1966 للتعبير عن نهاية أحزاب الجماهير و بداية عصر الأحزاب التي تبحث عن تجميع اكبر قدر من الناخبين مهما تشعبت رؤاهم السياسية حول برنامج سياسي واحد. انظر Steven B. Wolinetz, Beyond the Catch‐All Party: Approaches to the Study of Parties and Party Organization in Contemporary Democracies, in GUNTHER, R.; MONTERO, J.R.; LINZ, J.J. (eds.), Political Parties: Old Concepts and New Challenges. Oxford, Oxford University Press, 2002.p.137.

[47]  Olson, la logique de l’action collective, op.cit., p.22.

[48]  انظر شهادة وداد الملحاف، حركة 20 فبراير… ص.7.

Érik Neveu,Sociologie des mouvements sociaux, Paris, La Découverte, 4e édition, Paris 2005, p.19.[49]  

[50] Lavau Georges. À la recherche d’un cadre théorique pour l’étude du Parti communiste français. In: Revue      française de science politique, 18e année, n°3, 1968. Pp.445-466

[51]  Hélène Combes et Olivier Fillieule, De la répression…op.cit., p.1070.

Soyez le premier à commenter

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.


*