مقدمة
بدعم من وزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان والعلاقات مع البرلمان أطلق مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية منذ شهر دجنبر 2019دينامية أكاديمية -علمية ومدنية لتعميق النقاش وتوسيع مجال الحوار بين كافة مكونات المجتمع بخصوص انضمام المغرب إلى اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي يتوج بمذكرة ترافعية.
تنبني هذه الدينامية على التشخيص عبر البحث ودراسة واقع حال الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي ثم تحليل واقع الحال عبر ورشات تفاعلية ولقاءات حوارية الكفيلة بتحديد الأولويات والمضامين وإعداد أرضية الندوات الكبرى وأخيرا الاستشراف عبر النقاش العام لتعميق وإنجاز المقترحات وصياغة المذكرة الترافعية.
وجهت الدعوة للمشاركة في لقاءات وندوات المركز إلى:
- ممثلين عن المؤسسات العمومية خاصة قطاع الشغل وحقوق الانسان،
- ممثلين عن النقابات العمالية،
- ممثلين عن المقاولات وأرباب العمل،
- ممثلين عن جمعيات المجتمع المدني الحقوقي،
- أكاديميون وباحثون وخبراء …….
وقد اشتغل المركز وفق مقاربة تشاركية تحرص قدر الإمكان على نمط عمل مدمج ومتوازن لجميع الفاعلين في مجال الحريات النقابية وحق التنظيم النقابي مع مراعاة مساواة النوع الاجتماعي.
السياق
تعزيز النقاش والحوار المجتمعي المندرج في إطار تفعيل وتثمين ما يلي:
- تأكيد الدستور المغربي على التشبث بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وأوكل في فصله الثامن للنقابات المهنية مهمة تنظيم وتمثيل الأجراء والدفاع عن مصالحهم وبالتالي اعتبرها جزء من المنظومة الديمقراطية إلى جانب دور الأحزاب السياسية كهيآت للتأطير والتمثيل السياسي. كما أن الفصل 9 من الدستور يكفل لجميع المواطنين، حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الاجتماع، وحرية الانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم.
- مبادرة المشرع المغربي إلى إصدار القانون رقم 01 18 بتاريخ 15/2/2000 بهدف تجريم المس بالحرية النقابية وعرقلة العمل النقابي ومنع التدخل في الشؤون النقابية. وقد سارت مدونة الشغل التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2004 والتي هي ثمرة حوار ثلاثي الأطراف، في اتجاه تأكيد مقتضيات الدستور في مجال تعزيز الحرية النقابية.
- مواصلة ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية وتيسير شروط المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 87،
- تكريس مبدأ الحرية النقابية كحق من حقوق الإنسان والذي يشكل أحد الاختيارات الكبرى للمغرب الذي يأخذ بالتعددية النقابية كاختيار دستوري ديمقراطي،
- اعتماد هذا المبدأ له أهميته في خلق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية،
- إقرار مبدأ الحرية النقابية يعتبر وسيلة لتحسين ظروف العمل وإقرار السلم الاجتماعي،
- مراكمة تجربة جد مهمة في ممارسة الحريات النقابية في المغرب،
- تيسير شروط المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 87 ومراجعة الفصل 288 من القانون الجنائي،
مبررات النقاش والترافع حول انضمام المغرب للاتفاقية 87 لمنظمة العمل الدولية المتعلقة بالحريات النقابية وحق التنظيم النقابي
- النقابات والمجتمع المدني والجامعة والسلطة السياسية راغبة في النقاش وتقوية قدراتها،
- المحيط السياسي الوطني والدولي يشجع ويساند الحوار والنقاش العام،
- السلطات تسهل وترخص أنشطة النقاش وتوسيع مجال الحوار بين كافة مكونات المجتمع،
- السياق الداخلي والخارجي مستقر (قطاع عام وخاص)،
- الفاعل السياسي ملتزم ومستقر،
- السياق الداخلي مستقر،
- دينامية التوجهات العليا للدولة تساير أهداف تعميق النقاش وتوسيع مجال الحوار بين كافة مكونات المجتمع بخصوص انضمام المغرب إلى اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي
المحاججة
حضر ورشات وندوات المركز ممثلي مركزيات نقابية ومنظمات حقوقية، وجمعيات المجتمع المدني، وأساتذة جامعيون وباحثون ومختلف المتدخلين في الموضوع بغية معرفة واستقصاء آراء النقابات ومختلف المتدخلين في الموضوع ومطالبهم وكذا آراء فاعلين آخرين مباشرين أو غير مباشرين -أخصائيين، باحثين ومجتمع مدني حقوقي- ورصد نقاط القوة والمكتسبات والرهانات المحيطة بمسألة الحريات النقابية وحق التنظيم النقابي، في ارتباط بالمرجعيات الدستورية والقوانين المغربية والمواثيق الدولية والممارسات الواقعية وكذا معايير ومبادئ حرية تأسيس النقابات وبشكل خاص الحريات المدنية؛ الحق في التنظيم؛ حل النزاعات؛ تدخل الدولة؛ التمييز ضد النقابات؛ المفاوضات الجماعية؛ الاستشارة.
في معرض النقاشات تم التأكيد على أنه رغم البلقنة (34 نقابة مرخص لها) وبعض الاختلالات في الجسم الداخلي للعمل النقابي تبقى النقابات العمالية والحركة النقابية المغربية حركة أصيلة ومساهمة فعالة في الحوار المجتمعي والصيرورة الديمقراطية.
كما يبدو أن لا شيء في التشريع والقوانين المغربية يمنع الانخراط النقابي، لكن من ناحية أولى لا توجد رغبة لدى المشرع لقبول مبدأ التنظيم النقابي للموظفين حاملي السلاح أو شبه حامليه والقضاة. ومن ناحية أخرى يظهر أن القوانين غير متكافئة في عدد من المجالات، مثلا العلاقة بين العمال وأرباب العمل، ومرونة مدونة الشغل لصالح المشغل بالإضافة إلى وجود حالات كثيرة للطرد بسبب الانتماء النقابي لدى العمال والأطر. فضعف تمثيلية النقابات (5% فقط) يرجع في جزء منه لخوف العمال من الطرد. كما تم التأكيد على أهمية التنسيق النقابي وتفعيل الحوار الاجتماعي.
كما تم التطرق لعدد آخر من الأسباب، منها: الجانب السياسي والدوافع السياسية التي تدخل فيها مكونات التركيبة السياسية والتي تحول دون الانضمام للاتفاقية، بالإضافة للخلفية الفكرية والسياسية التي تؤثر أيضا في هذه العملية. وتمت الدعوة إلى تطهير القانون الجنائي من كل ما يمس الحركة النقابية والطبقة الشغيلة وخاصة إلغاء الفصل 288.
خلال النقاشات أثيرت مجموعة من الاكراهات والعراقيل التي تمس الميدان النقابي، ومنها عدم التصديق على الاتفاقيات الدولية الخاصة بالعمل النقابي وعلى رأسها الاتفاقية رقم 87، مع التأكيد على ضرورة الحوار المجتمعي في مسألة الحريات النقابية.
في تفاعلات أخرى تم التذكير بأن المغرب لديه تجربة في الترافع الأكاديمي وإصدار تقارير ودراسات موازية خاصة التي تدخل ضمن إطار الجامعة وانفتاحها على محيطها، مع التأكيد على ضرورة إدراج مسألة التكلفة الاجتماعية لعدم تصديق المغرب على الاتفاقية رقم 87، ذلك أن الثمن الاجتماعي ملموس وباهض ومن أمثلته الحية ارتفاع نسبة البطالة بفعل الطرد من الشغل لأسباب الانتماء النقابي، الإحساس بالقهر الذي يرتفع بسبب الطرد من العمل، وكذلك تزايد نسبة العنف الأسري التي تتزايد بسبب عدم الاستقرار في الشغل، وبالتالي فإن عدم التصديق على الاتفاقية ينم عن مشاكل اجتماعية عويصة جدا، بالإضافة لتزايد نسبة هجرة اليد العاملة، هشاشة سوق الشغل وتنامي القطاع غير المهيكل.
طرحت إشكالية الحريات النقابية وحماية حق التنظيم النقابي عدة تساؤلات، من بينها:
- هل مع مقتضيات الدستور، خاصة الفصل 111 الذي يمنع القضاة من الانتماء النقابي، فإن المغرب لا يمكنه دستوريا المصادقة على الاتفاقية رقم 87؟
- هل الانضمام إلى الاتفاقية رقم 87 لن يفيد في شيء سوى بعده الرمزي فقط؟
- هل وجب قبل المصادقة على الاتفاقية إلغاء القوانين المناقضة لها مثل قانون السخرة الذي لا زال ساري المفعول منذ الحقبة الاستعمارية؟
- هل السهر على تطبيق مقتضيات مدونة الشغل الحالية رغم نقائصها هو أولوية الأولويات؟
- أين هو قانون النقابات؟
- هل في المغرب هناك تضييق على تأسيس نقابات أرباب العمل أم لا؟ لأن الاتفاقية رقم 87 تهم أيضا حرية التأسيس والتنظيم لنقابات أرباب العمل؟
- ماهي مكانة المشغل الأكبر في المغرب (المقاولة الصغرى جدا والصغرى والمتوسطة) من قضايا حرية التأسيس والتنظيم لمختلف أنواع النقابات؟
- ماهي وضعية التنظيم النقابي والطبقة العاملة في القطاع غير المهيكل؟
- كيف يمكن فهم إشكالية الأساتذة المتعاقدين ومن تم قضية التنسيقيات التي أضحت نقابات موازية؟
- ماهي العلاقة بين الحرية النقابية وتقييد الاضراب؟
ظهر من خلال النقاشات الآفاق التالية:
- في موضوع التعارض الدستوري مع الاتفاقية رقم 87، فان الاتفاقيات الدولية تلزم المغرب بتعديل دستوره كمخرج قانوني في هكذا حالات. خلال المناقشات تم التأكيد أيضا على أنه يمكن للمغرب أن ينضم للاتفاقية رقم 87 مع تسجيل تحفظاته على الفصول التي لا تتماشى مع قوانينه الداخلية، وبالتالي هناك مخرج وإمكانية أعطاها المنتظم الدولي.
- حول القطاع غير المهيكل، تمت الإشارة الى أن هذا القطاع يفرض واقعا لا مفر منه (يمثل قاعدة كبيرة) ووجب الاعتراف به وتنظيمه لا لمأسسته ولكن لتحسين ظروف الاشتغال به وبالتالي هيكلته.
- في موضوع التنسيقيات تختلف الآراء. من ناحية أولى شدد أحد المتدخلين على أنها تساهم في تفكيك الجسم النقابي، باعتبارها لا تنوب عن النقابات، مع دعوة النقابات إلى تجديد جسمها النقابي والانفتاح على الحركات الاجتماعية. ومن ناحية أخرى تم التأكيد على دورها كقوة ضاغطة كتنسيقية الأساتذة المتعاقدين على سبيل المثال.
- في رأي آخر تم التأكيد على المقتضيات التي يجب توظيفها واستثمارها لتطوير العمل النقابي من الناحية القانونية، كمدونة الشغل التي تتوفر على فصول مهمة يجب استثمارها لتطوير العمل النقابي وتكريس الدور المنوط به.
- استقلال النقابات عن الأحزاب والفاعل الحزبي، وهنا وجب توضيح العلاقة بين السياسي والنقابي.
- التأكيد على ضرورة أن تكون النقابة مؤسسة نفعية، دفاعية، اجتماعية ومستقلة.
- التساؤل عن أين هو قانون النقابات؟ حيث أن النقابات لازالت تشتغل بقوانينها الداخلية وهذا لم يعد جائزا في عالم الحداثة حيث يجب أن تكون لدينا نقابة يؤطرها قانون وقوية تنظيميا. الشيء الذي يعني أن التسيير يبدو أنه لايزال مزاجيا في الواقع المغربي وغير مؤطر بقانون.
- تمت الدعوة من طرف البعض إلى مراجعة المؤشرات الموضوعية من أجل معرفة مدى فعالية عمل الهياكل النقابية وإعمال قانون يضمن استقلالية النقابات.
- وفي الحديث عن التكلفة الاقتصادية لعدم التوقيع على الاتفاقية رقم 87، يتضح أنها تكلفة كبيرة، ذلك أنه كيف لعامل لا يتوفر على حقوقه وحريته أن يشتغل بطريقة مريحة وذات مردودية اقتصادية، ونفس الشيء بالنسبة لنظام التعاقد في التعليم فهو ينتج (ويكرس) الهشاشة.
- كما تم التأكيد على أن الانضمام للاتفاقية رقم 87 هو قرار سياسي بامتياز، مرتبط بالتوازنات السياسية والدولية، وبهذا يجب توفر الإرادة السياسية من أجل الانضمام للاتفاقية.
- مسألة الانضمام للاتفاقية رقم 87 هي مسألة أساسية لضمان الاستقرار وخلق جو من الثقة المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب والنقابات والجمعيات.
- المطالبة كذلك بزيادة عدد مفتشيات الشغل وتوسيع صلاحياتها من أجل توفير بيئة ملائمة لتفعيل الاتفاقية رقم 87.
- إعادة النظر في مشروع قانون الإضراب الذي يبدو متناقضا مع الاتفاقية، حيث أن المصادقة على هذه الاتفاقية يوفر مناخا قانونيا ملائما لتفعيل مقتضياتها.
خاتمة
التصديق على الاتفاقية يعد مسألة ضرورية في المرحلة الراهنة ومن تم الانتقال الى ملاءمتها مع القوانين الوطنية وتنزيل بنودها بطريقة فعالة عبر العمل على:
- ربط المصادقة باحترام الحقوق الاجتماعية (التغطية الصحية، الشغل…) وتوسيع الحرية النقابية،
- تطهير القانون المغربي من القوانين الغير المتماشية مع الحريات النقابية (القانون الجنائي الفصل 288، قانون السخرة 1938، مرسوم 1958…،)
- ربط المصادقة بأن يصبح الشأن النقابي بيد القضاء عوض وزارة الداخلية (مراجعة المادة 414 من مدونة الشغل)،
- ربط المصادقة بالحوار الاجتماعي حيت لا يمكن الحديث عن حوار اجتماعي في ظل عدم الاعتراف بالحق النقابي،
- المصادقة هي جزء من صمام الأمان لتحقيق السلم الاجتماعي.
Soyez le premier à commenter