د. حميد بحكاك *
مقدمة
انعقدت في جوهانسبورغ عاصمة جنوب إفريقيا القمة الخامسة عشر لدول البريكس التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا تحت شعار “بريكس وأفريقيا: شراكة من أجل النمو والتنمية المستدامة والتعددية“، واستمرت هذه القمة على مدى ثلاثة أيام من 22 إلى 24 أغسطس 2023 (من الثلاثاء إلى الخميس)، بحضور أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة بالإضافة إلى رؤساء دول البريكس باستثناء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي شارك عن بعد عبر الفيديو وناب عنه في القمة وزير خارجيته سيرغي لافروف، وشكل موضوع توسيع البريكس أبرز نقاط جدول أعماله بالإضافة إلى تعزيز استخدام العملات المحلية للدول الأعضاء في التعاملات التجارية والمالية لتقليص الاعتماد على الدولار.
البريكس والثقل الاقتصادي
تأسست مجموعة البريكس سنة 2009، انعقدت القمة الأولى في روسيا سنة 2009 وكان موضوعها مواجهة آثار الازمة المالية العالمية لسنة 2008 وما فجرته من تساؤلات حول مسؤولية النظام الاقتصادي والمالي العالمي وارتباطه وارتهانه باقتصاد المنظومة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وعملتها الدولار، والتفكير في البحث عن بدائل موازية للنظام المالي العالمي. وفي هذا السياق بدأت الخطوة الأولى سنة 2014 إذ سيتم تأسيس بنك للتنمية أو “بنك مجموعة البريكس” كما يسمى إعلاميا ومقره في شنغهاي، هذا البنك يعتبر نواة لتأسيس نظام مالي عالمي موازي يتطلع إلى نوع من الاستقلالية عن المؤسسات والسياسات المالية العالمية التي تراها دول البريكس مسؤولة عن أزمة 2008 وتكرس الأحادية القطبية في المجال النقدي والمالي والاقتصادي، كما تمّ الاعتماد على العملات المحلية في المبادلات التجارية بين دول البريكس كبداية في أفق التحرر من هيمنة الدولار كعملة مرجعية في السوق الاقتصادي والمالي العالمي ((DÉDOLLARISATION1
ويضم البريكس خمس دول ( إلى حدود انعقاد هذه القمة ) عُرفت بالدول الصاعدة نظرا لوزنها الاقتصادي والمالي، كما التحقت جنوب أفريقيا بالمجموعة سنة 2010 ، وتمثّل دول البريكس 25 % من الناتج المحلي العالمي و20 % من التجارة العالمية و30 % من مساحة العالم و43 % من مجموع سكان العالم وهذا الرقم يعكس الوزن الديمغرافي (وهذه الأرقام تتعلق بالدول الخمس للبريكس) وسوق عالمي لتصريف المنتجات وبضائع وخدمات الدول الأعضاء، فالصين والهند أصبحتا اهم مستوردي البترول الروسي وهو ما خفف العقوبات نسبيا على روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا، بالإضافة إلى وجود دول تتوفر على احتياطي البترول والغاز بعد انضمام الدول الجديدة (السعودية إيران والإمارات ) كما أن البريكس قوة نووية ( روسيا والصين والهند ).
وهذه العناصر المتنوعة تمنح دول البريكس قوة استراتيجية وموقع جيوسياسي وجيو اقتصادي على الصعيد العالمي والدولي، وكلما توسعت المجموعة تعزز دورها كقوة مضادة تساهم في صياغة نظام عالمي جديد على أسس جديدة ذات طابع تعددي تنافسي اقتصادي بالأساس، بعد أن تراجعت الايديولوجيا التي طبعت الاستقطاب الدولي أثناء الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي، والملاحظ أن مجموعة البريكس ليست متجانسة في الأوزان والأحجام والتأثير الجيوسياسي والعلاقات، فهناك خلافات حدودية بين الصين والهند والعلاقة بينهما حذرة، والسعودية والإمارات بينهما تنافس محموم، كذلك الموقف من الحرب في أوكرانيا التي تشنها روسيا إذ ليس هناك تأييد بالكامل لروسيا في هذه الحرب، كما لم تشارك دول البريكس في تطبيق العقوبات المفروضة على روسيا واكتفت بالمواقف الديبلوماسية المعارضة للحرب والدعوة إلى اعتماد الحوار والتفاوض كسبيل لوقف هذه الحرب، كما أن هناك اختلاف بين الطبيعة السياسية لهذه الأنظمة فهناك أنظمة ديمقراطية كالهند وجنوب إفريقيا مقارنة بأنظمة ذات توجه سلطوي في المجموعة، وهذا التفاوت في الأوزان والأحجام يجعل من الصين وروسيا قوتين مهيمنتين بحكم عضويتهما الدائمة في مجلس الأمن والوزن العسكري .
البريكس والدور الجيوسياسي
جاء تأسيس دول البريكس في سياق مواجهة الهيمنة الغربية على الصعيد الاقتصادي ممثلا في مجموعة السبع G7 ومواجهة الدولار كعملة عالمية والنظام العالمي المالي “الذي تحول إلى أداة للمواجهة الجيوسياسية” كما صرح بذلك رئيس جنوب إفريقيا في هذه القمة2.
ورغم أن البريكس يظهر كما لوكان ناديا اقتصاديا لدول الجنوب الصاعدة، فإن وراء الخطاب الاقتصادي المعلن لزعماء دول البريكس رغبة في خلق توازن عالمي يقوم على نظام دولي متعدد الأقطاب، بدل الأحادية القطبية أو الثنائية القطبية التي رجعت وعكستها الحرب بين روسيا أوكرانيا التي تحولت إلى ساحة للمواجهة بالوكالة كما كان يحدث أثناء حقبة الحرب الباردة (1945-1991) حيث أمريكا وحلفاؤها (الاتحاد الأوروبي) وروسيا وحلفاؤها (الصين).
كما تسعى مجموعة البريكس إلى توسيع العضوية واستقطاب أعضاء جدد، وفي هذا الإطار توصلت مجموعة دول البريكس بطلب 23 دولة للانضمام إليها، قبل منها طلب ستة دول أعلن عنها في هذه القمة ووجهت إليها الدعوة للانضمام بشكل رسمي أثناء القمة وهي الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات ويسري هذا القبول والانضمام ابتداء من يناير 2024 3، وانضمام هذه الدول سيعزز من قوة البريكس من خمس دول إلى 11 دولة تتجاوز مجموعة G7 ديمغرافيا واقتصاديا، بالإضافة إلى التنوع الجغرافي (آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ) والثقافي والحضاري ( العالم الإسلامي، العالم المسيحي، والبوذي الهندوسي، والكونفوشيوسي الصيني ) .
فهل تشكل مجموعة البريكس الصيغة الجديدة لمجموعة “دول عدم الانحياز” التي تأسست سنة 1955 وتهدف إلى نهج سياسة “الحياد” من خلال تبني خطاب ظاهره اقتصادي، وتنضاف إلى المجموعات الفاعلة على الصعيد الدولي اقتصاديا وعسكريا ( G7 ,G20, ).
إن تأسيس البريكس وتوسيعه يمنح الدول الباحثة عن مصادر قوة وحماية خارج الهيمنة الأحادية القطبية الأمريكية وهو ما تجلى مؤخرا في مجموعة من الإجراءات (التعامل بالعملة المحلية بين دول المجموعة في إطار تنويع العملات) والتحالفات وتنويع الشراكات والخيارات مع القوى المؤثرة دوليا والاستفادة من هذه التعددية القطبية الناشئة وتوسيع هامش المناورة في تدبير العلاقات والإكراهات (إعادة العلاقات بين إيران والسعودية بوساطة صينية أو تحت رعاية صينية على سبيل المثال ) ومن شان دخول السعودية والإمارات ان يعزز القوة المالية لبنك المجموعة البنك التنمية إلى جانب الصين الممول الرئيسي.
خلاصة
فهل ستنجح مجموعة البريكس في إعادة التوازن للنظام الدولي ووضع حد للهيمنة الأمريكية اقتصاديا (إزاحة الدولار كعملة مرجعية) ومؤسساتيا (بخلق مؤسسات مالية واقتصادية بديلة) وسياسيا بتوسيع العضوية لخلق قطب مضاد واستقطاب دول الجنوب ذات الاقتصادات الصاعدة والثروات والمواد الأولية النفيسة والعنصر الديمغرافي، وفي هذا الاطار تشكل إفريقيا التي استضافت هذه القمة وأمريكا اللاتينية ساحتين للاستقطاب الدولي وإعادة تشكيل مراكز القوى العالمية، بالإضافة إلى كون إفريقيا وأمريكا اللاتينية تطالبان بالعضوية في مجلس الأمن، كما أن تمدد البريكس يمنحها إشعاعا دوليا فمن أصل 23 طلب الانضمام إلى البريكس تم قبول ست دول، كما أن معايير قبول العضوية لا زالت غير معلنة وواضحة، وأعلنت كثيرا من الدول رغبتها في الالتحاق بمجموعة البريكس، فهل تشكل مجموعة البريكس الصيغة الجديدة لمجموعة “دول عدم الانحياز” التي تأسست سنة 1955 بهدف نهج سياسة الحياد، أم ستهيمن الصين وروسيا على المجموعة باعتبارهما عضويين دائمين في مجلس الأمن وما يمنحه من امتيازات وما يوفره من حماية للدول الأعضاء في المجموعة.
المراجع :
1 – David Whitehous :L’élargissement des Brics, un premier pas vers la dédollarisation de l’économie mondiale ?
https://rb.gy/b24e7 31 août 2023
2 – Sommet des BRICS : le système financier est utilisé comme un outil géopolitique – Cyril Ramaphosa
3 – ست دول جديدة تنظم إلى مجموعة “بريكس” هسبريس- أ ف ب الخميس 24 غشت 2023
*باحث في مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية
Soyez le premier à commenter