تشكل سنة2021، سنة انتخابية بامتياز، إذ أجريت فيها الانتخابات بكل أنواعها من انتخاب اللجان الثنائية لموظفي القطاع العام وممثلي المأجورين في 16 يونيو 2021 وانتخاب الغرف المهنية في 6 غشت 2021 ثم الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية وانتخاب مجلس العمالات والأقاليم ثم انتخاب مجلس المستشارين، كما تعتبر الانتخابات التشريعية لسنة 2021 الانتخابات الثالثة منذ صدور دستور 2011 (و الحادية عشر منذ أول انتخابات تشريعية أجريت سنة 1963(، والسادسة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية منذ سنة 1997.
وعرف العهد الجديد انتظام موعد الانتخابات وانعقادها في موعدها المحدد منذ اعتلاء الملك محمد السادس الحكم، فرغم الوضعية الوبائية التي يعرفها المغرب تقرر إجراؤها في موعدها 8 شتنبر 2021.
ومن مستجدات هذه المحطة الانتخابية، أن الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية ستجرى في يوم واحد هو 8 شتنبر 2021، ثم تليها انتخاب مجالس العمالات والأقاليم في يوم 21 شتنبر 2021 ثم تليها انتخابات مجلس المستشارين بتاريخ 5 أكتوبر 2021 .
الرهان الانتخابي وهاجس المقاطعة الانتخابية
تراهن الدولة والأحزاب السياسية جميعا على نسبة مرتفعة للمشاركة الانتخابية والسياسية تصويتا وترشيحا، لما تعكسه نسبة المشاركة لمناخ الاستقرار ومنسوب الثقة في المؤسسات، وهذه العناصر تساهم في جلب الاستثمار المحرك لعجلة التنمية، والملاحظ في هذه الانتخابات غياب الاستقطاب الحاد بين الأحزاب، فحتى الاستقطاب الذي بدا بين حزب العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار لم يكن بالمستوى الذي عرفته الانتخابات السابقة بين حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية، لأن حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار يشكلان جزءا من التحالف الحكومي الذي قادا تجربة الولاية الأولى والثانية، فهما حزبان للأغلبية يتقاسمان الحصيلة الحكومية سلبا أو ايجابا، وبالتالي هذا الاستقطاب لا يهم سوى أعضاء الحزبين والمتعاطفين معهما، كما أن حزب التجمع الوطني للأحرار استفاد من أخطاء “حزب الأصالة والمعاصرة” في عهد أمينه السابق إلياس عماري الذي كان يعلن أنه جاء لمواجهة الإسلاميين في إشارة لحزب العدالة والتنمية، بينما عزيز أخنوش صرح في بيانه بعد تصدره النتائج الانتخابية “لم نأت يوما لهذا الحزب لنواجه تيارا سياسيا أو حزبا معينا” مما يعني أنه استفاد من أخطاء غريمه السياسي حزب الأصالة والمعاصرة ، كما استفاد أيضا من نقاط “قوة حزب العدالة والتنمية” في العمل الميداني ك”قافلة المصباح” التي كان ينظمها الحزب في شهر مارس من كل سنة ، إذ نظّم حزب الأحرار حملة برنامج “100 يوم 100 مدينة”، كما استثمر واستعمل وسائل الاتصال الحديثة التي كانت تشكل نقاط القوة لحزب العدالة والتنمية .
كما عرفت هذه المحطة الانتخابية التحاق بعض المقاطعين للانتخابات السابقة ببعض الأحزاب، للمشاركة في هذه الانتخابات ك”جبهة العمل الأمازيغي” التي قطعت مع خيار المقاطعة الانتخابية، والتحقت بحزب التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، للدفاع عن الهوية واللغة الأمازيغية .
كما كان من نتائج تبني القاسم الانتخابي على أساس المسجلين أنه شجع الاحزاب الصغرى للمشاركة في هذه الاستحقاق الانتخابي ودفع أنصارها وأعضاءها إلى المشاركة الانتخابية. ورأينا أيضا دعوات مكثفة للمشاركة الانتخابية من قبل جهات متعددة وعلى رأسها نقابة الاتحاد المغربي للشغل (التي دعت إلى التصويت ضد أعداء الطبقة العاملة أو الشغيلة)، وفنانين ومثقفين وحتى الأمين العام السابق عبد الإله بن كيران قبيل يوم الاقتراع دعا فيها إلى التصويت بكثافة وهاجم أصحاب خيار المقاطعة الانتخابية.
يضاف إلى ذلك أن إجراء الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية في يوم واحد ساهم في رفع نسبة المشاركة الانتخابية، وكذلك التركيز على استقطاب الأعيان بأصنافهم المختلفة من أصحاب المال ورؤساء الفرق الرياضية وبعض الفنانين وترشحهم أو ترشيحهم بحكم الرمزية التي يمثلونها وشبكة العلاقة التي يتوفرون عليها، بعد أن تراجع مفهوم الترشيح النضالي والالتزام الحزبي.
وإذا كان رفع نسبة المشاركة الانتخابية هو الرهان الرئيسي للجميع، فهناك رهانات جزئية حسب كل جهة، فرهان الأحزاب هو إسقاط “حزب العدالة والتنمية” انتخابيا، لاعتبارات حزبية تنافسية مشروعة، ورهان البعض الآخر هو الدخول أو العودة إلى البرلمان بعد حذف العتبة 3 في المائة واعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، ورهان حزب العدالة والتنمية هو الخروج بأقل الخسائر إن لم يفز بالرتبة الأولى.
المقاطعون
عرفت هذه الانتخابات مقاطعين لها كبعض الهيئات والتنظيمات التي لها مواقف سياسية من العملية الانتخابية برمتها ك”جماعة العدل والإحسان” الإسلامية و”حزب النهج الديمقراطي” اليساري، كما انطلقت دعوات المقاطعة في صفحات التواصل الاجتماعي. وبينما نزل أعضاء “حزب النهج الديمقراطي” إلى الشارع في بعض المناطق للدعوة إلى المقاطعة، اكتفت جماعة العدل والإحسان بمقاطعتها وتفسير موقفها من المقاطعة من خلال تنظيم ندوات وحوارات رقمية في موقعها الالكتروني.
نسبة المشاركة
بلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات حسب وزارة الداخلية 50,18 % وهي نسبة متقدمة على المشاركة المسجلة سنة 2016 التي كانت في حدود 43 %، ويرجع هذا التقدم إلى مجموعة من العوامل منها إجراء انتخابات تشريعية وجهوية وجماعية في يوم واحد، وعودة الأعيان بقوة في هذه الانتخابات، والرغبة في التصويت لدى فئة عريضة من الشباب التي سجلت في اللوائح الانتخابية، واعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين الذي دفع الأحزاب الصغيرة وأنصارها إلى الترشيح والتصويت للظفر بمقعد انتخابي، كما أن استعمال المال الذي سجلته مجموعة من الأحزاب ونددت به، وسجله بعض المشاركين أثناء ملاحظة العملية الانتخابية في بعض المناطق تكون له مساهمة بنسبة ما في دفع الناخب إلى التصويت ورفع نسبة المشاركة .
السياق الوطني والإقليمي والدولي
السياق الإقليمي
السياق الإقليمي تطبعه العلاقة المتوترة مع الجيران، وفي مقدمتها الجارة الجزائر التي أعلنت من جانب واحد قطع علاقتها الديبلوماسية مع المغرب بعد حرب كلامية ازدادت اشتعالا منذ اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على صحرائه وما تبعها من إعادة العلاقة مع إسرائيل فيما سمي إعلاميا بالتطبيع مع اسرائيل، وإبرام معاهدة ثلاثية بين أمريكا والمغرب وإسرائيل وهو ما رأت فيه الجزائر “تهديدا لها” أو تريد أن ترى فيه تهديدا، تحوله إلى خطر خارجي يمنحها اليد الطولى في ضبط الحراك الاجتماعي والسياسي الداخلي واحتواء المخاطر الداخلية التي تهدد النظام العسكري في الجزائر.
وتشهد الجزائر حراكا شعبيا اندلع منذ أكثر من سنة يطالب بالإصلاح والديمقراطية، أما في تونس التي انطلق منها الربيع العربي سنة 2011 وشكلت النموذج الديمقراطي الذي مازال يقاوم محاولات النكوص من الداخل والخارج، وهو ما حدث مؤخرا من خلال القرارات الاستثنائية الجديدة التي أعلنها الرئيس قيس سعيد من تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه إلى أجل غير مسمى وشن حرب على الفساد ومواجهة مخاطر تهدد الدولة التونسية من الداخل والخارج حسب قوله.
كما عرفت العلاقة مع اسبانيا توترا على مع الجارة الإسبانية، ثم دخول الاتحاد الأوروبي على الخط من خلال انحيازه للموقف الإسباني بسبب الأحداث التي عرفتها سبتة ومليلية المحتلتين إذ اعتبر الاتحاد الأوروبي أن سبتة ومليلية جزء من التراب الإسباني، كما عرفت العلاقة مع ألمانيا بعض التوتر على خلفية قضية الصحراء .
اما السياق الدولي هو الآخر تطبعه جائحة كورونا التي فرضت أجندتها على العالم، كما عرف العالم انتخاب رئيس أمريكي جديد من الحزب الديمقراطي، وانسحاب أمريكي من أفغانستان وعودة طالبان بقوة إلى الحكم، وانتخابات فرنسية جهوية طبعتها نسبة عالية من العزوف، كما يشهد العالم التنافس والحرب الباردة بين أمريكا من جهة وروسا والصين من جهة أخرى تعيد تشكيل التحالفات الدولية، وبروز نظام دولي متعدد الأقطاب، ويبقى الحدث الأبرز الذي يحدد ويرتب أجندة دول العالم هو التهديد الوبائي لكوفيد 19.
السياق الوطني
تجري هذه الانتخابات في سياق وطني تطبعه جائحة كورونا التي مر عليها سنة ونصف، وهو السياق الأبرز والمؤثر إذ أن الحملة الانتخابية التي يعول عليها كثيرا في التعامل المباشر مع الناخبين، ستجري وفق ضوابط وإجراءات احترازية كما حددتها دورية صادرة عن وزارة الداخلية، تدعو إلى احترام التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات واحترام العدد المسموح به في التجمعات والمهرجانات الخطابية ( لا يتجاوز العدد 24 فرد) وعدم توزيع المنشورات وعدم تجاوز 10 أفراد في الجولات الميدانية، مما دفع الحملة الانتخابية إلى الانتقال إلى العالم الافتراضي والقيام بحملة انتخابية الكترونية وافتراضية عبر فضاءات النت والشبكة العنكبوتية من خلال كبسولات بالصوت والصورة. كما أن جائحة كورونا تطرح تحديا برنامجيا على جميع الأحزاب، فيما يخص مقترحاتها حول تدبير هذه الجائحة وتأثيراتها على الأوضاع الاجتماعية، والتخفيف من تداعياتها النفسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، ومدى واقعية تحقيق الوعود الانتخابية في ظل وضعية وبائية تتطور بتطور المتحورات لكوفيد 19وسلالاته ولا يعرف لها نهاية على المدى المنظور، وما هي مقترحات الأحزاب لتأهيل المنظومة الصحية على مستوى العنصر البشري والبنية التحتية والبحث العلمي.
كما تأتي هذه الانتخابات بعد ولايتين حكوميتين قادها “حزب العدالة والتنمية” منذ سنة 2011 ،أي منذ انطلاق ما عرف بالربيع العربي أو الربيع الديمقراطي، الذي انتهى إلى نتائج دراماتيكية تراوحت بين الحرب الأهلية في بعض البلدان ( ليبيا، سوريا، اليمن ) أو التهديد بالحرب الأهلية كما يحدث في السودان بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير فيما سمي إعلاميا بالموجة الثانية للربيع العربي، وانقلاب على الشرعية الديمقراطية كما حدث في مصر، ومحاولة إجهاض التجربة الديمقراطية الوليدة في تونس . مما جعل التجربة المغربية تحظى بالدراسة والمتابعة والتميز .
التعديلات الانتخابية الجديدة
في كل محطة انتخابية يتجدَّد النقاش حول الآليات الانتخابية وجدواها من زاوية تجويد الديمقراطية ورفع نسبة المشاركة ومحاربة العزوف الانتخابي وعقلنة الحقل الحزبي والحد من البلقنة، فالتقطيع الانتخابي وتقسيم الدوائر والإشراف على العملية الانتخابية ومراجعة اللوائح الانتخابية والانتخاب باستعمال البطاقة الوطنية ورفع العتبة أو تقليصها واختيار نمط الاقتراع، من الاقتراع الفردي إلى الاقتراع اللائحي النسبي إلى الجمع بينهما، كل هذه الآليات أو بعضها شكَّلت مواضيع تتجدَّد قبيل كل موسم انتخابي، وتخلق استقطابا حادا بين الأحزاب السياسية معارضة وأغلبية، يمين ويسار، سواء المستفيدة والمتضررة من هذه الآليات وبين وزارة الداخلية باعتبارها المشرفة تقنيا وسياسيا وإداريا على العملية الانتخابية، مما جعل مطلب انتخاب هيئة مستقلة للإشراف على العملية الانتخابية مطلبا معلقا، هذا النقاش والجدل يتجدد في كل المحطات الانتخابية تشريعية كانت أو جماعية، مما أتر بالقوانين الانتخابية التي لم تعرف استقرارا وتتغير حسب كل محطة، كالعتبة التي نزلت من 6 % إلى 3 %، ليتم حذفها في هذه المحطة، ونفس الأمر تكرر في انتخابات 2021، هذه المرة مع موضوع جديد هو “القاسم الانتخابي” على أساس المسجلين وحذف العتبة، فالمعروف أنه في الانتخابات السابقة كان القاسم الانتخابي الذي على أساسه توزع المقاعد يتم على أساس الأصوات الصحيحة المعبر عنها، ولكن القاسم الانتخابي في هذه المحطة سيتم تحديده على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية في كل دائرة انتخابية، سواء صوَّت الناخب المسجَل أم لم يصوِّت، وهو ما أثار نقاشا سياسيا ودستوريا وأكاديميا انخرط فيه الجميع بين معارض ومؤيد ومتفهم ومحايد.
وقد عارض “حزب العدالة والتنمية” هذا القاسم لأنه يرى فيه استهدافا له وتقليص قاعدته الانتخابية ويشجع على البلقنة الحزبية، كما أن هذا القاسم الانتخابي لم يرد في المذكرات الحزبية (المنشورة) في إطار الجولة الأولى للحوار وبدا مجهول المصدر حسب رأي الحزب إلى ان تبنته الأحزاب (7 أحزاب من الأغلبية والمعارضة) المؤيدة التي رأت فيه انتصارا للديمقراطية التمثيلية وبأنه يسمح للأحزاب الصغيرة أو الأحزاب الكبيرة التي تحولت إلى صغيرة بأن يكون لها حضور في البرلمان ، وتمَّ حسم الخلاف بالتصويت في مجلس النواب، فصوّت 162 نائب برلماني أغلبية ومعارضة لصالح التعديل بينما عارضه 104 نائب من “حزب العدالة والتنمية”، ولما رفع الأمر إلى المحكمة الدستورية أكدت المحكمة أن هذا التعديل غير مخالف للدستور .
ومن مستجدات التعديلات الانتخابية في هذه المحطة حذف العتبة التي كانت محددة في 3 في المائة، وحذف اللائحة الوطنية للنساء والشباب ( 60 مقعد للنساء و30 مقعد للشباب ) وتم تعويضها بالدوائر الجهوية ( 90 مقعد موزعة على جهات المملكة الإثنا عشر ) مع ضرورة ترشيح النساء كوكيلات في اللوائح في الجهات وغيرها من التعديلات التي يرمي بعضها إلى عقلنة الممارسة الانتخابية وتجويدها كتحديد حالات التنافي التي تمنع الجمع بين مجموعة من المسؤوليات الانتدابية ( بين عضوية البرلمان بمجلسيه ورئاسة مجالس الجهات والجماعات) حتى يتمكن المنتخب من التفرغ إما إلى العمل البرلماني أو العمل الجهوي والجماعي .يضاف إلى ذلك تنظيم الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية في يوم واحد ساهم في ترشيد المجهودات لما تتطلبه من إمكانيات مالية وبشرية ولوجستية، في الوقت الذي تجري عملية التلقيح على قدم وساق .
انتخابات ممثلي المأجورين واللجان الثنائية : 16 يونيو 2021
تعتبر هذه الانتخابات أول محطة انتخابية لسنة 2021، وأجريت بتاريخ 16 يونيو 2021، وشاركت فيها النقابات والمستقلين، وأسفرت هذه الانتخابات عن تصدر “اللامنتمين” لنتائجها، ب 24429 مقعد ثم نقابة ” الاتحاد المغربي للشغل” ب 7362 مقعد ،و”الاتحاد العام للشغالين بالمغرب” ب 5977 مقعد، و”الاتحاد الوطني للشغل” ب 2680 مقعد، “الفيدرالية الديمقراطية للشغل” ب 1326 مقعد، “المنظمة الديمقراطية للشغل” ب 560 مقعد. وتتوزع هذه المقاعد بين القطاع الخاص ( ممثلي المأجورين) و القطاع العام ( اللجان الثنائية المتساوية الأعضاء ).
وقد تمَّ تسليط الضوء إعلاميا على تصدر اللامنتمين لنتائج هذه الانتخابات وبفارق كبير مع باقي النقابات وما تعكسه من تحولات على مستوى العمل والانتماء النقابي، ونجاح “اللامنتمون” اعتبر تصويتا “عقابيا” ضد النقابات، وكذلك حظيت نتائج نقابة “الاتحاد الوطني للشغل” القريبة من “حزب العدالة والتنمية” باهتمام المراقبين، ذلك أنها لم تحصل على نسبة العتبة المحددة في 6 % التي تمنحها صفة النقابة الأكثر تمثيلية، إذ حصلت على نسبة 5.63 % والتي لا تؤهلها للمشاركة في جلسات الحوار الاجتماعي المقبلة، بينما حصلت سنة 2015 على 7.36 % وقد اعتبر البعض هذا التراجع مؤشر على توجه الناخب (الموظف والمأجور) للتصويت العقابي ضد الحزب باعتباره القائد للحكومة، بينما رأى البعض الآخر أن مستقبل نتائج الحزب في المحطة التشريعية المقبلة يرتبط بنسبة المشاركة والمقاطعة، فكلما انخفضت نسبة المشاركة الانتخابية ارتفعت حظوظ الحزب بالنجاح باعتبار أن الحزب يتوفر على كتلة ناخبة قارة حسب هذا الرأي.
انتخابات أعضاء الغرف المهنية 6 غشت 2021
وبتاريخ 6 غشت أجريت انتخابات أعضاء الغرف المهنية ( الغرف الفلاحية، غرف التجارة والصناعة والخدمات وغرف الصناعة التقليدية، وغرف الصيد البحري) لملء 2.230 مقعدا، وبلغ عدد الترشيحات المقدمة لهذه الانتخابات ما مجموعه 12.383، منها 9769 مرشح ينتمون إلى الأحزاب السياسية بسنبة 78,89 % مقابل 2614 بدون انتماء سياسي بنسبة 21,11 %.
وقد أسفرت نتائج هذه الانتخابات عن تصدر كل من “حزب التجمع الوطني للأحرار” ب 638 مقعد ثم “حزب الأصالة والمعاصرة” ب 363 ثم “حزب الاـستقلال” ب 359 مقعد، واللامنتمون ب 271 مقعد، بينما حصل “حزب العدالة والتنمية على” 50 مقعد (الرتبة التاسعة) .(المصدر http://www.elections.ma/)
وبينما قلَّل “حزب العدالة والتنمية” من أهمية هذه النتائج باعتبارها لا تشكل أهمية بالنسبة لرهانه الانتخابي لطبيعة قاعدتها الانتخابية المحدودة، ٍرأى فيها منافسو الحزب على أنها مؤشر لهزيمة انتخابية على المستوى التشريعي أو الجماعي أو هما معا .
وهذه الانتخابات المهنية لها أهمية خاصة بالنسبة لانتخاب مجلس المستشارين الذي يتكون حسب دستور 2011 من 120 عضوا ينتخب 20 منهم من طرف الغرف المهنية و8 من طرف المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلة ( الاتحاد المغربي لمقاولات المغرب ) و20 عضوا يتم انتخابهم على الصعيد الوطني من طرف النقابات وممثلي المأجورين و72 يمثلون الجماعات الترابية .
السياق الداخلي لحزب العدالة والتنمية
1- تأتي هذه الانتخابات بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، وهو يقود الحكومة لولاية ثانية ولمدة 10 سنوات 2011 -2021 في إطار “تآلف حكومي” مكون من أحزاب سياسية بالإضافة إلى وزارات “السيادة” ( وزارة الداخلية، وزارة الشؤون الإسلامية، وزارة الشؤون الخارجية، إدارة الدفاع الوطني، الأمانة العامة للحكومة )، كما يعتبر الحزب أن هذا الاستحقاق الانتخابي يتعلق بالولاية الثانية، لأن الولاية الأولى تم التصديق عليها انتخابيا عبر صناديق الاقتراع بإعادة انتخابه مرة ثانية سنة2015 و 2016 جماعيا وبرلمانيا إذ زاد من عدد مقاعده، مما يجعل الحزب يجد نفسه هذه المحطة في موقع الدفاع عن حصيلته كحزب وكقائد للحكومة أكثر من موقع طرحه وعرضه لبرنامج جديد ووعود انتخابية جديدة.
2- مدة ولاية الحزب لمرتين في قيادة الأغلبية الحكومية وما عرفته من تعديلات حكومية وتغييرات و إقالات، وما عرفه الحزب من هزات تنظيمية داخلية كإقالة رئيس الحكومة الاسبق عبد الإله بن كيران سنة 2017 بعد عملية البلوكاج الحكومي وتعيين الدكتور سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة مكانه، وما ترتب عنها من نقاش داخلي حول تجديد انتخابه لولاية ثالثة كأمين عام للحزب، وتباينت المواقف بين مؤيد ومعارض ووقع اصطفاف تنظيمي داخل الحزب كاد أن يهدده بالانشقاق، وجاءت محطة “الحوار الداخلي للحزب” وندواته جهويا ووطنيا لاحتواء هذه التداعيات ولكن إلى حين، ليتعرض الحزب إلى رجَّات تنظيمية أخرى مرتبطة بمواقف أخرى تتعلق بقانون الإطار حول التعليم وعلاقته بلغة تدريس المواد العلمية، دفعت الأمين العام السابق إلى توجيه انتقادات لرئيس الحكومة ومطالبته بتقديم استقالته، كل هذه الرجّات خلقت احتقانا داخليا، دفع بعض أعضاء الحزب بطرح أرضية أو ورقة “مبادرة النقد والتقييم” التي قدمتها شبيبة الحزب وبعض أعضاء الحزب ( 100 توقيع) والتي طالبت بعقد مؤتمر استثنائي لمناقشة الأوضاع الداخلية للحزب، ثم جاءت قضية التطبيع مع إسرائيل، التي اعتبرت في حينها قاصمة الظهر للحزب داخل أوساط الإسلاميين في المغرب وخارجه، مما دفع الأمين العام السابق عبد الإله بن كيران أن يتدخل على وجع السرعة ويوجه كلمة إلى أعضاء الحزب ودعوتهم بالتريث واستحضار مصلحة الدولة قبل مصلحة الحزب، ثم جاءت قضية تقنين القنب الهندي وما خلقته من تباين في المواقف وخروجها إلى العلن خصوصا بين قيادات العدالة من الصف الأول ( عبد الإله بن كيران، مصطفى الرميد، سعد الدين العثماني، لحسن الدوادي ) ودفعت الأمين العام السابق إلى التهديد بتجميد عضويته في الحزب، كل هذه العناصر الذاتية (الوضع الداخلي للحزب ) والموضوعية (التجربة الحكومية لمدة عشر سنوات وحصيلتها، والمناخ الإقليمي المناهض للديمقراطية بشكل عام وتجارب الإسلاميين بشكل خاص ) ساهمت في إنهاك الحزب واستنزافه داخليا، وإن نجح في أن يتجنب التصدع التنظيمي والانشقاق الحزبي كما حدث لأحزاب سياسية مغربية عتيدة، ولم تقتصر هذه التداعيات على الحزب وأعضاء الحزب وإنما امتدت إلى قاعدته الانتخابية والمتعاطفين مع الحزب وحلفاؤه التي تجمعهم “شراكة استراتيجية” كحركة التوحيد والإصلاح .
3- تعتبر هذه المحطة محطة حساب مع “حزب العدالة والتنمية” أو “حكومة العدالة والتنمية” ، وهو حساب انتخابي يدور بين التصويت له أو ضده، بين المكافأة أو التصويت العقابي، فالحزب لا زال يعتبر أن حصيلته مشرفة كحزب وكحكومة وأنه لم يمس المال العام وذمته المالية نظيفة وكل من ثبت في حقه إخلال ما، يتخذ الحزب في حقه الإجراءات المناسبة، بينما ترى شريحة كبيرة من المواطنين عكس ذلك وأن الحزب مسؤول عن قرارات لاشعبية وتفقيرية بالإضافة إلى إجراءات الإغلاق المرتبطة بالتدابير الاحترازية والطوارئ الصحية وما ترتب عنها من مضاعفات مست جيوب شريحة من المواطنين، وأنه انتخب لتنفيذ وعوده وشعاراته، ورغم أن الحكومة مشكَّلة من مجموعة من الأحزاب وغير الأحزاب، إلا أن الملاحظ أن سهام النقد والمعارضة كانت تتوجه إلي “حزب العدالة والتنمية” وحده في الغالب الأعم إعلاميا وشعبيا، هل باعتباره “قائدا” للحكومة أو منسقا بين أعضائها، أوبا عتبار شعاراته ووعوده التي رفعها ووعد بها أثناء حملاته الانتخابية، ورفعه للمرجعية الإسلامية والتي تعتبر ملكا جماعيا لأغلبية المغاربة وليست خاصة بالحزب، مما يجعل من المحاسبة والمراقبة متعددة المستويات وتجعل الحساب عسيرا، فالبعض يحاسبه على شعاره الانتخابي “محاربة الفساد والاستبداد” الذي ينتمي إلى أجواء عشرين فبراير والربيع العربي الذي حمل الحزب إلى السلطة ومعه شعار “محاربة الفساد والاستبداد”، والبعض يحاسبه انطلاقا من المرجعية الإسلامية أو هما معا، ففي الولاية الأولى للحزب سنة 2011 صوتت عليه فئات لا تتقاسم معه المرجعية الإسلامية أملا في حدوث تغيير ما، مما جعل الحساب في نهاية الولاية الثانية عسيرا، سواء على مستوى سلوكيات أعضائه التي أثيرت إعلاميا وإن كانت تدخل في حياتهم الخاصة، أو تقاعد الأمين العام السابق وما ناله من اهتمام إعلامي وسخط شعبي، أو على مستوى بعض القضايا المبدأية التي تمس ماهية الحزب وهويته الأيديولوجية للحزب (كقضية التطبيع مع إسرائيل، وفرنسة التعليم، وإغلاق المساجد في إطار الحجر الصحي وصلاه التراويح في رمضان، وتقنين القنب الهندي) وهذه القضايا وقعت في الولاية الثانية للحكومة 2016-2021، وإذا افترضنا أن الولاية الأولى تمت مكافأتها انتخابيا سنتي 2015 و2016 بإعادة انتخاب الحزب للمرة الثانية، وحقق تقدما في مقاعده البرلمانية والجماعية ، فهل ستنصب المحاسبة على الولاية الثانية التي قادها الدكتور سعد الدين العثماني .
النتائج الانتخابية
أسفرت نتائج هذه الانتخابات التشريعية ومجلس الجهات والجماعات عن الأرقام التالية كما أعلنتها وزارة الداخلية
الأحزاب السياسية | النتائج التشريعية | مجالس الجماعات والمقاطعات | مجالس الجهات | نسبة المشاركة |
حزب التجمع الوطني للأحرار | 102 | 9995 | 196 |
50.18 % |
حزب الاصالة والمعاصرة | 86 | 6210 | 143 | |
حزب الاستقلال | 81 | 5600 | 144 | |
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية | 35 | 2415 | 48 | |
حزب الحركة الشعبية | 29 | 2253 | 47 | |
حزب التقدم والاشتراكية | 21 | 1532 | 29 | |
حزب الاتحاد الدستوري | 18 | 1626 | 30 | |
حزب العدالة والتنمية | 13 | 777 | 18 | |
الاحزاب السياسية الأخرى | 10 | 1525 | 23 |
وتعليقا على هذه النتائج نستعرض الملاحظات التالية:
1 ـــ مدى نزاهة الانتخابات وشفافيتها : تفاوتت تقييمات الملاحظين والمشاركين في الملاحظة الانتخابية حول نزاهة وشفافية هذه الانتخابات والظروف التي أجريت فيها، فبالنسبة لاستعمال المال فقد كان هناك شبه إجماع حول هذه الظاهرة مع تفاوت في تقييم حجمها وتأثيرها على النتائج بشكل عام)ونفس الملاحظة سجلها كل من حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية ،والاشتراكي الوحد وفدرالية اليسار، كما جاء في بيانات هذه الأحزاب أثناء الحملة الانتخابية وبعد إعلان النتائج، أما المجلس الوطني لحقوق الإنسان فقد سجل أنه “…..توصل المجلس بفيديوهات وأوديوهات بإحدى المناطق يزعم مروجوها بتسجيلها لمرشحين يحاولون استمالة الناخبين عبر محاولة تقديم هبات ووعود، لم يستطع المجلس التحقق من صحتها، لكنه يبقى منشغلا بتسريب مراسلات. واستغرب المجلس من الاتهامات المتبادلة باستعمال المال خلال الحملة الانتخابية، خاصة بين أربعة أحزاب، ويؤكد على أهمية إعمال آليات الانتصاف التي يتيحها القانون لتعزيز مؤشرات نزاهة الانتخابات” وجاء في هذا التقرير ايضا حول حوادث العنف أنه “سجل ملاحظو المجلس استعمال العنف في 149 حالة، منها 21 حالات عنف جسدي ومادي في مجموعة من المناطق بالمملكة، فضلا عن مجموعة من حالات العنف اللفظي والمعنوي (السب والشتم والقذف) بين أنصار بعض المرشحين. ويرى المجلس أن هذه الحالات معزولة وعددها قليل مقارنة بعدد أنشطة الحملة” . (ملاحظات المجلس الأولية حول يوم الإقتراع الخاص بالانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية (8 شتنبر 2021) / موقع المجلس http://cndh.ma )
وهناك نقطة سجلتها أغلب التقارير بإيجابية هو تنظيم هذه الانتخابات في وقتها المحدد رغم ظروف جائة كورونا، وهو ما يندرج في انتظامية الانتخابات التي اعتبرت عنوانا للمسار الديمقراطي الانتخابي في المغرب والاستقرار المؤسساتي التي ميزت العهد الجديد.
2 ــــ النتائج التي حصل عليها “حزب العدالة والتنمية” كانت صادمة وخارج التوقعات، ليس بالنسبة لأعضاء الحزب وقيادته فقط بل خارج الحزب وخارج المغرب، فحتى خصوم الحزب وغير المتعاطفين معه وبعض المحللين والمتابعين للشأن السياسي والحزبي كانوا يرشحونه صمن الأربعة الأوائل ولم يكونوا يتوقعون أن يحصل على هذه المرتبة المتدنية، التي انتقلت من 125 مقعد سنة 2016 إلى 13 مقعد سنة 2021، سيما وأنه غطى جميع الدوائر المحلية في الانتخابات التشريعية بنسبة مائة في المائة ومع ذلك حصل على 13 مقعد بوأه الصف الثامن، يضاف إلى ذلك هزيمة أمينه العام سعد الدين العثماني حسب النتائج المعلنة وهي هزيمة أكثر من رمزية، بخلاف نتائج الانتخابات الجماعية فالحزب لم يرشح سوى نصف العدد الذي رشحه سنة 2015، هذه النتيجة الصادمة علّق عليها الحزب في بيانه بأنها “نتائج غير مفهومة وغير منطقية ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ببلادنا ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي وحصيلته في تدبير الشأن العام المحلي والحكومي والتجاوب الواسع للمواطنين مع الحزب خلال الحملة الانتخابية”، أما أسبابها كما يراها الحزب فهي “الخروقات التي عرفتها هذه الاستحقاقات سواء في مرحلة الإعداد لها من خلال إدخال تعديلات في القوانين الانتخابية مست بجوهر الاختيار الديمقراطي إضافة إلى عمليات الترحال السياسي، أو ممارسة الضغط على مرشحي الحزب من قبل بعض رجال السلطة وبعض المنافسين وذلك من أجل ثنيهم عن الترشيح، وكذا من خلال الاستخدام المكثف للأموال وتوج ذلك بالتعسف ضدا على القانون بالامتناع عن تسليم المحاضر لممثلي الحزب، في عدد كبير من مكاتب الاقتراع وطرد بعضهم الآخر، علما أن المحاضر تعد الوسيلة الوحيدة التي تعكس حقيقة النتائج المحصل عليها”، إلا أن التساؤل المطروح ألم تكن نفس الأسباب حاضرة في انتخابات 2015 الجماعية و 2016 التشريعية (باستثناء تسليم المحاضر الذي مكن الحزب يومها من إعلان نتائجه في خطوة استباقية) وبلغت ذروتها مع تنظيم مسيرة كبرى ضد الحزب قبيل يوم التصويت في مدينة الدار البيضاء والتي سميت إعلاميا بمسيرة “ولد زروال” والتي لم تتبناها أية جهة رسميا، فسماها الأمين العام للحزب يومها بالمسيرة المتخلى عنها، أم أن هناك أسباب أخرى لتفسير هذا التدحرج الغير المتوقع .
لقد غطت هذه الهزيمة الانتخابية إعلاميا على المستوى الداخلي والخارجي على انتصارات الأحزاب الأخرى التي تصدَّرت المشهد، واستقطبت هذه النتيجة اهتمامات الباحثين والمعلقين في الداخل والخارج فلا حديث إلا عن السقوط المدوي للحزب، كما تفاوتت التعليقات والتحليلات بين القراءة الموضوعية والتحليل السياسي التي تبحث في أسباب ومعنى هذه النتائج وخطابات وتحاليل ترشح بالتشفي والشماتة، وهذه الظاهرة (ظاهرة الاهتمام الإعلامي بحزب العدالة والتنمية) صاحبت تجربته الانتخابية منذ دخوله المجال السياسي والحزبي سنة 1997، سواء كان في المعارضة أو في الحكومة، كما لو كانت هناك قطبية حزبية سياسية، بين حزب العدالة والتنمية من جهة وبقية الأحزاب من جهة أخرى، وهو ما تجلى أيضا أثناء التصويت على القاسم الانتخابي، إذ عارضه حزب العدالة بينما صوت لصالحه 7 أحزب ( أغلبية ومعارضة ) .
3 ــــــ هذا التصويت لا يمكن وصفه في الظاهر سوى بالتصويت “العقابي” الذي مارسته الكتلة الناخبة التي شاركت في التصويت ضد الحزب، أو أنَّ كتلته وقاعدته الانتخابية القارة التي تساند الحزب في السراء والضراء وتحدث عنها الكثير تخلت عنه ولم تشارك وتصوت أصلا في هذه الانتخابات، وتركت الحزب وجها لوجه مع الكتلة الناخبة الغاضبة، وهذه الكتلة الناخبة التي كانت تصوت لصالح الحزب وفي مقدمتهم أعضاء حركة التوحيد والإصلاح التي تمثل النواة الصلبة والحركة الأم والتي لوحظ في هذه التجربة الحكومية، أنها أخذت مسافة واضحة مع الحزب من خلال إصدارها بيانات عارضت فيها قضية لغة التدريس الفرنسية، وقضية التطبيع، ولا شك أن هذا انعكس على مستقبل الحزب الانتخابي. ( تتكون القاعدة الانتخابية للحزب من أعضاء الحزب والمتعاطفين معه ومن جماعات ومجموعات إسلامية أخرى كحركة التوحيد والإصلاح وبعض السلفيين، وشباب الفايسبوك الذي كان يتعاطف مع الحزب أو مرتبط به والذي اطلق عليه إعلاميا “بالكتائب الإلكترونية”) ، يضاف إلى ذلك دعوة الأمين العام السابق عبد الإله بن كيران قبيل الانتخابات الناخبين إلى التصويت بكثافة دون تحديد الحزب المستفيد من التصويت، مما يطرح أكثر من سؤال حول تبخر أصوات هذه الكتلة، وأين ذهب صوتها وتصويتها حتى لو افترضنا غياب الشفافية النسبية لهذه الانتخابات، أم أنها صوتت ضده في اتجاه أحزاب أخرى “لا حبا في زيد ولكن عقابا لعمرو”، أم أن سطوة الإعلام وجاذبية المال وشبكة الأعيان وامتداداتها الشعبية كذلك لعبت دورها في توجيه هذه التصويت بطريقة ناعمة.
4 ــــــ حزب الأحرار الذي تصدر هذه النتائج كان جزءا من التحالف الحكومي، فهو يتقاسم الحصيلة الحكومية مع حزب العدالة والتنمية الذي يجمعه معه “ميثاق الأغلبية”، مع أحزاب أخرى في الأغلبية ( “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” و“الحركة الشعبية” و “الاتحاد الدستوري”…..) حصلت على مقاعد متقدمة على “حزب العدالة والتنمية” وبعضها حسن موقعه كالاتحاد الاشتراكي الذي انتقل من 20 مقعد سنة 2016 إلى 35 مقعد وحزب التقدم والاشتراكية الذي كان يعتبر حليفا موضوعيا لحزب العدالة والتنمية خصوصا في عهد الأمين العام للحزب عبد الإله بن كيران هو الآخر حسن موقعه الانتخابي، وهنا يطرح تساؤل حول “المنطق الديمقراطي لهذه النتائج”، فالأصل أن تفوز المعارضة ضد الأغلبية وليس الأغلبية ضد الأغلبية أو حزب أغلبي ضد حزب أغلبي يشاركه التجربة الحكومية بما لها وعليها، أو التصويت على حزب يساري كفيدرالية اليسار أو اليسار الاشتراكي الموحد الذي يدعو إلى ملكية برلمانية ويعارض التطبيع مع إسرائيل ولاختلافه وتعارضه الأيديولوجي مع “حزب العدالة والتنمية” ففي هذه الحالة يكون التصويت العقابي بمعناه الديمقراطي مفهوما، فكيف أصبح “التصويت العقابي” انتقائيا و”انتقاميا”، في الوقت الذي سجل التقرير العام للنموذج التنموي ملاحظته فيما يخص الإئتلافات الحكومية منذ 2011 والطابع الجماعي للمسؤولية الحكومية قائلا “فعلى الرغم من التوسع الملحوظ في سلطة واختصاصات الحكومة بموجب الدستور، اتسمت الائتلافات الحكومية المتتالية بتوترات متكررة وبدينامية سياسية لا تحفز بالشكل الكافي على التقاء الفاعلين حول تصور للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يضع المواطن في قلب الاهتمام ويسمح بتجسيد روح الدستور الجديد وقد ساهمت هذه الوضعية في إبطاء وتيرة الإصلاحات وفي خلق أجواء عميقة من عدم التقدم، في ظل ظروف يطبعها تباطؤ النمو الاقتصادي وتدهور جودة الخدمات العمومية” (ص 24 ) مما يجعل فرضية التصويت العقابي كعامل واحد ووحيد تطرح أكثر من علامة استفهام من حيث القيمة الاستدلالية والمنطق الديمقراطي المتعارف عليه، وهذا ما يضفي نوع من الغرائبية على الحقل السياسي والحزبي المغربي .
5ــــــ إذا قارنا نتائج الولاية الأولى 2011 ـــــ 2016 التي بوأت حزب العدالة والتنمية رتبة متقدمة ( 127 مقعد ) ونتائج الولاية الثانية 2016 ـــــ 2021 ( 13 مقعد ) وهذا العدد بالمناسبة لا يمكنه من تشكيل فريق نيابي في مجلس النواب، هل يمكن القول أن أسباب هذا التراجع تكمن في هذه الولاية الثانية أو أنها بدأت في الولاية الثانية، وذلك منذ البلوكاج الحكومي الذي أطاح بالأمين العام السابق وجاء بسعد الدين العثماني باعتباره الرجل الثاني وأدخلت الحزب في دوامة من الأزمات الداخلية المتتالية أضعفته سيكولوجيا على مستوى العلاقة بين أعضائه “قيادة وقاعدة” وحتى بين أعضاء القيادة من الصف الأول، بمعنى اتساع دائرة الأزمة الداخلية أفقيا وعموديا وإن بقي الحزب متماسكا تنظيميا، وتبعتها إجراءات ومواقف مست ماهية الحزب وهويته الأيديولوجية واختياراته المذهبية ولا تخطئها العين وفي مقدمتها قضايا تتعلق بالمرجعية الإسلامية للحزب وليس فقط البرنامج الانتخابي الإجرائي والتدبيري، وتتطلب من الحزب موقفا مبدأيا لا تدبيرا ماليا حسب رأي بعض أعضاء الحزب والمتعاطفين معه، وعلى رأسها توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، والمغرب عرف بالمسيرات المليونية المؤيدة للقضية الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني ويشكل الإسلاميون خزانها الجماهيري، وكذلك لغة التدريس وقضية تقنين القنب الهندي، يضاف إلى ذلك إغلاق المساجد أثناء الحجر الصحي ووقف صلاة التراويح في المساجد في رمضان رغم أن هذه الإجراءات اتخذت على المستوى الحكومي وفي إطار التدابير الوقائية والاحترازية وباستشارة اللجة العلمية، هذه القضايا مسَّت بصورته خارجيا لدى أعضائه والمتعاطفين معه ولم يعد لشعار المرجعية الإسلامية الذي يرفعه الحزب أي معنى في الوجدان الشعبي الإسلامي أو المسلم، بمعنى آخر هل انتقلت الأزمة الداخلية للحزب وامتدت إلى قاعدته الانتخابية “القارة” .
6 ــــــ إذا افترضنا أن الولاية الأولى 2011 ـــــ 2016 تحت قيادة الأمين العام السابق عبد الإله بن كيران تمَّت مكافأتها انتخابيا عبر صناديق الاقتراع من خلال النتائج التي حصل عليها تشريعيا ( 125 ) وجماعيا، رغم القرارات التي اتخذها من حذف المقاصة وإصلاح التقاعد، والولاية الثانية لسعد العثماني 2016 ــــــ 2021 حصلت على 13 مقعد، فهل شكل غياب الأمين العام السابق عن الحزب أحد أسباب هذه الهزيمة لما يملكه من قدرة تواصلية وكاريزما اعترف بها الخصوم والمتعاطفين مع الحزب وكان يتواصل مع الشارع والمواطنين لشرح القرارات التي اتخذها بغض النظر عن صوابها أو خطئها، مما يعمق الخلاف الداخلي للحزب بين جناح بن كيران وجناح العثماني، بتحميل هذا الأخير مسؤولية هزيمة الحزب وهزيمة أمينه العام (في دائرة الرباط المحيط)، وهذا ما تؤكده مطالبة الأمين العام السابق للأمين العام اللاحق بالاستقالة، وهو ما تأكد بعد ظهور النتائج من خلال إعلان الأمانة استقالتها الجماعية والدعوة لعقد جلسة استثنائية للمجلس الوطني ( برلمان الحزب ) بتاريخ 18 شتنبر والدعوة إلى مؤتمر وطني استثنائي، وهو ما جاء أيضا في بلاغ جديد أصدره “تيار استعادة المبادرة” .
7 ـــــــ هذه النتائج تسائل الحزب وأدائه خلال الولاية الحكومية بعيدا عن التفسير المؤامراتي وجلد الذات، وتعزِّز مواقف الذين طالبوا الحزب من داخل الحزب بإجراء وقفة مع الذات والدفع بالحوار الداخلي الذي انطلق منذ سنة 2017 إلى مستويات أعلى دون خطوط حمراء، وهو ما عكسته “مبادرة النقد والتقييم” (التي وقعها 100 عضو من الحزب والشبيبة وطالبوا بعقد مؤتمر استثنائي)، والبحث عن العناصر الذاتية في هذا التراجع، وممارسة نقد ذاتي وإعادة قراءة خريطة التحولات المحلية وفهم سلوكيات وسيكولوجية الناخب المغربي وعدم الاعتماد على معطيات العالم الافتراضي من مواقع ومنتديات اجتماعية التي يجهل مصدرها وأهدافها (فمنذ سنة كانت هناك دعوة لمقاطعة محطات البنزين “إفريقيا” والماء المعدني “سيدي علي” وكلها في ملكية عزيز اخنوش الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، كما أن حزب الاتحاد الاشتراكي الذي عرف بأنه وراء قانون تكميم الأفواه وتعرض لحملة فيسبوكية يومها) وقوة الأعيان الضاربة وشبكة علاقتها وخدمات القرب، والمقاربة التي اعتمدها الحزب في تدبير علاقته مع الناخبين والفاعلين السياسيين من أحزاب سياسية وأصحاب القرار والرؤية المؤطرة لهذه المرحلة، وتقديم تنازلات وتبرريها، وحدود وقدرات الحزب في تحقيق الوعود والبرامج ضمن الهوامش المتاحة له والإمكانات التي يملكها والصلاحيات الفعلية التي يتوفر عليها، والمؤثرات الإقليمية المناهضة لانتقال ديمقراطي حقيقي في المنطقة العربية والإسلامية بغض النظر عن الفائز فيها أكان إسلاميا أو يساريا أم ليبراليا .
8ـــــ هل فرضت هذه التجربة الحكومية على الحزب أن يتصرف بمنطق الدولة وإكراهاتها لا بمنطق الحركة الدعوية ولا بمنطق الحزب الأيديولوجي، وهو ما تجلى في اتخاذ قرارات اعتبرت في نظر الكثيرين قرارات لا شعبية كحذف صندوق المقاصة وإصلاح التقاعد وهي ملفات لم تجرؤ الحكومات السابقة الاقتراب منها حسب دفوعات الحزب وكان الحزب يدرك نتائج تكلفتها السياسية والانتخابية على قاعدته الانتخابية، وقد صرح أمينه العام السابق واللاحق بذلك أكثر من مرة معللا ذلك أنه يهمه مصلحة الوطن قبل مصلحة الحزب، وأن الحزب مستعد للتضحية بشعبيته إن اقتضت الضرورة الوطنية ومصلحة البلاد ذلك، كما حدث اثناء توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل التي فسَّر فيها هذا الموقف بأنه تصرَّف بمنطق الدولة لا بمنطق الحزب، في الوقت الذي يعتبر فيه الحزب القضية الفلسطينية قضية مركزية، صحيح أن الحزب لا زال يتبنى دعم القضية الفسلطينية وهذا ما تجلى في دعوة الحزب بعد ذلك حركة “حماس” الفلسطينية إلى المغرب مؤخرا، فهل هذه القرارات المؤلمة بالنسبة له ساهمت في الــتأثير بشكل كبير على شعبية الحزب وقاعدته الانتخابية ومصداقية شعاراته ووعوده على أعضائه والمتعاطفين معه وجمهور من المتابعين الذين كانوا يعلقون عليه أمل التغيير.
الخلاصة الأولية
1 ـــــ إجراء انتخابات تشريعية وانتخاب أعضاء المجالس جهوية والمجالس الجماعية في يوم واحد وفي وقتها المحدد، وفي ظل جائحة كورونا يؤكد ترسيخ وترصيد المسار الانتخابي في المغرب، الذي عرفه المغرب منذ تولي محمد السادس الحكم، وهو ما تم تسجيله وتثمينه من قبل ملاحظين ومراقبين ومهتمين وأحزاب سياسية مشاركة . كما أن نسبة المشاركة الانتخابية 50.18 % المعلنة من قبل وزارة الداخلية ، عكست تقدما مقارنة مع نسبة المشاركة المسجلة سنة 2016 والمتمثلة في 43 %.
2 ــــ التجربة المغربية في مشاركة الإسلاميين في العملية الانتخابية وقيادة الحكومة، تبقى متميزة على صعيد المنطقة، لأن تعامل الأنظمة في المنطقة المغاربية خاصة منذ التسعينات مع الحركات الإسلامية كان تعاملا استئصاليا، ففي تونس في عهدي بورقيبة وبن علي تمَّ التعامل مع حركة النهضة تعاملا أمنيا واستئصاليا، وحتى بعد الربيع العربي الذي أعاد حركة النهضة إلى الصدارة عبر الانتخابات، ها هي قرارات الرئيس التونسي الجديد تلمح إلى تحميل حركة النهضة مسؤولية تردي الأوضاع في تونس، وكذلك تعامل النظام العسكري في الجزائر مع نتائج انتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في بداية التسعينات من القرن الماضي كان استئصاليا وما عرفته الجزائر بالعشرية الدموية التي ذهب ضحيتها آلاف الجزائريين، وكذلك التهديد بقطع المساعدات الأمريكية على الفلسطينيين بعد فوز حركة حماس في انتخابات 2006 ، بينما تعامل النظام المغربي مع الإسلاميين الراغبين في المشاركة السياسية والانتخابية بمنطق الاستيعاب ( حزب العدالة والتنمية ) الذي بدأ مشاركته الانتخابية سنة 1997 وحاز على تسعة مقاعد عبر البوابة الانتخابية وتدرج في هذه المشاركة وانتقل من المعارضة الحزبية إلى قيادة الحكومة لولايتين، ثم خرج الآن من الحكومة إلى المعارضة عبر البوابة الانتخابية بثلاثة عشر مقعدا، فعاد من حيث بدأ بغض النظر عن طبيعة الأسباب أهي طبيعية أم مصطنعة أم متحكم فيها ويتفاوت فيها الذاتي والموضوعي نظرا لطول الولاية التي امتدت عشر سنوات في سابقة في تاريخ المغرب السياسي والانتخابي ، وبغض عن العامل الخارجي ( الإقليمي والدولي)، لقد كان الحزب يمارس نوعا من الرقابة الذاتية أثناء ترشيحاته في الانتخابات السابقة ( 1997ــــــــ 2007 ) مراعاة للتوازنات الداخلية، والمؤثرات الخارجية ورغم ذلك كان يحصل على نتائج متقدمة .لذلك فالمنتصر في هذه الانتخابات وهذه التجربة هو الديمقراطية المغربية على نقائصها، التي جنبت البلاد اضطرابات وفتن، حولت بعض البلدان إلى خراب وأفنى القتل أهليها وتحول كثير من شعوبها إلى لاجئين .
3 ـــــ قيل الكثير حول دور الربيع العربي وحركة عشرين فبراير في حمل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، ومعه انتظارات المغاربة في التغيير والديمقراطية بمعناها السياسي والاجتماعي، فهل أدى تراجع سياقات الربيع العربي الذي بدأ منذ سنة 2013 إلى بداية تراجع العامل الإقليمي الموضوعي الذي عبَّد الطريق للحزب نحو الحكومة. ليبقى العامل الذاتي وحده في الميدان ( قوة الحزب وتماسكه ، مدى وفاء الحاضنة الشعبية والانتخابية ووفائه لها، الحصيلة الانجازية على مستوى الحكومة وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية، مقاربة الحزب في إدارة علاقته مع المؤسسات الدستورية ) ، كما يطرح السؤال حول تراجع حركة عشرين فبراير، هل انتهت مهمتها منذ الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 والذي طرح خريطة طريق وبرنامج إصلاح جنب البلاد مخاطر وتهديدات، ثم نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات ثم تشكيله للحكومة وقيادتها، هل كان انسحاب “جماعة العدل والإحسان” من حركة عشرين فبراير باعتبارها الخزان الجماهيري لها سببا في تراجع هذه الحركة، وما هي ظروف وأسباب وخلفيات هذا الانسحاب، وهل كان مآلات الربيع العربي الدراماتيكية وانحساب حركة عشرين فبراير من المشهد بداية العد العكسي لسقوط الحزب بعد تآكل قاعدته الانتخابية على مدى عشر سنوات استنزف فيها الحزب رصيده الشعبي والشعاراتي وحجم المنجزات مقارنة مع الآمال المعقودة.
4 ــــ تجربة حزب العدالة والتنمية أكملت دورتها السياسية والانتخابية من خلال مشاركته في المعارضة لأزيد من عشر سنوات ثم “إدارته” الشأن العام مدة ولايتين دامت عشر سنوات، فقد عاش جنة المعارضة وعاش لهيب السلطة، ُثم ذاق طعم الهزيمة الانتخابية المر بعد ان انتشى بانتصارات انتخابية، فزاوج بين الانتصار والانكسار، هل ستسهم هذه التجربة في صقل تجربته السياسية والحزبية في المعارضة والحكم، ومراجعة خطابه السياسي، ومقاربته للشأن العام، بعد احتكاكه عن قرب بالعمل السياسي والحزبي وقربه من مركز القرار وإدارته لدواليب الدولة والإدارة، وإدارته لتحالفات والدخول في مخاصمات كما هي طبيعة العمل الحزبي والحكومي، فهل سيدخل الحزب مرحلة تحيين مفاهيمه وتجديد خطابه السياسي ومفرداته، وتجديد عقله السياسي بما راكم من تجربة في التدبير الحكومي والعلاقة مع مكونات الحقل السياسي والحزبي، واستيعاب المعادلات الإقليمية والدولية التي تؤثر بشكل أو بآخر في الواضع الداخلي، ليخرج بنسخة جديدة، كما خرج سابقا من نسخة العمل التنظيمي السري إلى العمل العلني ُثم المشاركة السياسية والفصل التنظيمي بين الدعوي والحزبي، ثم المعارضة السياسية ثم المساندة النقدية، وهل استنفذت النسخة الحالية للحزب إمكاناته وأنهكته التجربة واستنزفت رصيده الشعبي وتوقف عن العقل السياسي عن التفكير ليحل محله منطق التبرير، أم لم تعد هناك حاجة للحزب كما كانت أثناء الربيع العربي وتهديداته، سيما وأن هناك مناخ إقليمي عربي معاد للانتقال الديمقراطي بشكل عام ولما يسميه “الاسلام السياسي” بشكل خاص باعتباره الرابح الأول من هذا الانتقال، ولما يشكله نجاح أي انتقال ديمقراطي حقيقي في المنطقة من تهديد لمصالح المستفيدين من غياب الديمقراطية في الداخل والخارج .لاشك أن الحزب مقبل على مرحلة جديدة، عنوانها إعادة قراءة التجربة بعقل جديد ومقاربة نقدية تقطع مع منهجية تغييب العنصر الذاتي وتضخيم العنصر الموضوعي في فهم ما جرى، والتحرر من النرجسية التي أضرَّت بتجربة اليسار المغربي وأعمته عن أخطائه.
5 ــــ بعد هذه التجربة التي عاشها الحزب سواء في المعارضة أو قيادة الحكومة والتي بدأت منذ 1997 والتي انتهت بخروجه إلى المعارضة سنة 2021 هل سيعود النقاش من جديد حول “أطروحة الإصلاح من الداخل” التي يتبناها الحزب و تميزه عن أطروحة “جماعة العدل والإحسان” كبرى الفصائل الإسلامية في المغرب التي اختارت نهج المقاطعة الانتخابية وتشترط شروطا دستورية وسياسية قبل المشاركة في أي عملية انتخابية لضمان نجاح أي مشاركة انتخابية حسب رِؤيتها، كما هو الشأن أيضا عند بعض فصائل اليسار المغربي كحزب النهج الديمقراطي، أم أن الفشل والنجاح في أي تجربة يرتبط بالعامل الذاتي أساسا وطريقة إدارة الصراع السياسي وفهم الظروف والشروط التي تحكم قواعد اللعبة السياسية والانتخابية والعوامل الإقليمية والدولية المؤثرة والتوفيق بين الرغبات والإمكانات واستثمار حدود الهوامش المتاحة وطريقة إدارة التحالفات، فكثير من الدراسات والأبحاث حول “الانتقال الديمقراطي” ربطت بين تفاعل العوامل الداخلية والخارجية في إنجاح أو فشل بعض التجارب، وهل يمكن الحديث عن فشل “أطروحة الإصلاح من الداخل” أم فشل التجربة من خلال عناصرها الذاتية والموضوعية، وهل هناك فشل أم إفشال، لقد عاشت هذه التجربة لحزب العدالة والتنمية محطات علقت عليها علامات استفهام وطرحت فيها تساؤلات،( ظروف انسحاب حزب الاستقلال في الحكومة الأولى ،حديث عبد الإله بنكيران عن التماسيح والعفاريت، ظروف محطة البلوكاج الحكومي سنة 2016……)،فيما يرى البعض أن خطاب الحزب كان خطابا تبريريا وكان شغله الشاغل هو كسب ثقة المؤسسات أولا على حساب مصالح ومطالب الشعب الاجتماعية والديمقراطية التي حملته إلى السلطة، وأنه لم يفعِّل بنود دستور 2011 (كما سجل ذلك التقرير العام للنموذج التنموي )، ألا تشكل هذه العناصر جزء كبير من الأخطاء والتقديرات التي قد يقع فيها أي حزب كما حدث للاتحاد الاشتراكي، أم أن الأمر يتعلق بدورة سياسية وانتخابية عادية بدأت انتخابيا وانتهت انتخابيا ورجعت إلى حيث بدأت، كما حدث ويحدث لكثير من الأحزاب في العالم مع اختلاف السياقات والظروف والهياكل والأنظمة السياسية وسيكولوجية الجماهير الناخبة والمزاج العام للناخب والمؤثرات الخارجية.
6 ــــ فرضية التصويت العقابي ضد الحزب ومدى تأثيرها في هذه النتائج على فرض صحتها، تؤكد “سلطة صوت الناخب” التي تمنحه سلطة لمعاقبة المنتخبين، (إذا استثنينا حدود دور المال في توجيه هذا التصويت ) وهذا ساهم في رفع نسبة المشاركة حسب بعض التحليلات وعودة إلى السياسة، وهو ما تجلى في محاسبة “حزب العدالة والتنمية”، ولو أن الأمر يدعو للتساؤل لماذا “حزب العدالة والتنمية” بالذات دون بقية الأحزاب المشاركة في التجربة الحكومية في إطار المسؤولية التضامنية، أم أن الكتلة الحرجة التي تصوت للحزب هي التي عاقبته إما بمقاطعة التصويت في هذه الانتخابات أو توزعت أصواتها على بقية الأحزاب تحت “شعار عبد الواد كلهم واحد”. وهذه الثقافة التي تعطي الناخب سلطة عقاب الأحزاب إن أخلت بوعودها، هل ستفتح صفحة جديدة في إطار علاقة المواطن بالأحزاب السياسية مستقبلا، وتجعل أي حزب يفكر في التزاماته وشعاراته ووعوده وانجازاته، وهذا أحد الأدوار الرئيسية والطبيعية للعملية الانتخابية وعملية التصويت ومخرجاتها، ولهذا ينبغي تحصين هذا السلوك ( صوت الناخب) المدني من سلطة المال والتوجيه الغوغائي والغرائزي، وترصيد هذا المكتسب الانتخابي الذي يغري الناخب ويدفعه إلى محاسبة مسؤوليه عبر صناديق الاقتراع وتأسيس علاقة تعاقدية بين الناخب والمنتخب وربط المسؤولية بالمحاسبة التي جاء بها دستور 2011 .
7 ـــــ هل يمكن الحديث عن تكرار مآل تجربة حكومة التناوب التوافقي بقيادة الاتحاد الاشتراكي في نسختها الإسلامية هذه المرة كما تحدث عن ذلك كثير من المتابعين والمحللين ، إذ خرج حزب الاتحاد الاشتراكي منهكا من هذه التجربة، وعرف انشقاقات وانسحابات وخلافات داخل الحزب دفعت الكاتب الأول عبد الرحمان اليوسفي إلى اعتزال السياسة نهائيا بعد المحاضرة الشهيرة التي ألقاها في بلجيكا، تحدث فيها عن أعطاب تجربة التناوب التوافقي، وتطرق فيها إلى “مراكز مقاومة التغيير”، وعدم احترام “المنهجية الديمقراطية” بعد تعيين ادريس جطو وزيرا أول رغم حصول الاتحاد الاشتراكي على الرتبة الأولى، أم أنه لا قياس مع وجود الفارق، إذ تمّ احترام المنهجية الديمقراطية في تجربة العدالة والتنمية من خلال اختيار رئيس الحكومة من الحزب الفائز كما ينص على ذلك دستور 2011، وحتى أثناء البلوكاج الحكومي وإقالة الأمين العام السابق عبد الإله بن كيران سنة 2016 تمّ اختيار رئيس الحكومة جديد من نفس الحزب وهو سعد الدين العثماني، كما أن مدة الولاية حكومة اليوسفي كانت خمس سنوات 1997 ـــــ 2002 بينما مدة ولاية حزب العدالة والتنمية 10 سنوات 2011 ـــــ 2021 ، وتجربة اليوسفي رحمه الله تمت في إطار دستور 1996 بينما جرت تجربة العدالة والتنمية تمّت في ظل دستور جديد 2011 متقدم كمًّا ونوعا على دستور 1996، صحيح هناك تشابه من حيث السياق الاستثنائي لكلا التجربتين، فاستدعاء الاتحاد الاشتراكي كان لمواجهة السكتة القلبية آنذاك، و استدعاء حزب العدالة والتنمية أملته سياقات الربيع العربي أو ربيع الشعوب وحركة عشرين فبراير ( الربيع المغربي ) مع فارق أساسي أن هذا الاستدعاء تمَّ عبر صناديق الاقتراع وليس في إطار توافقي،كما أن الاتحاد الاشتراكي قاد حكومة التناوب التوافقي لمدة خمس سنوات بعد أزيد من ثلاثين سنة من المعارضة، بينما حزب العدالة والتنمية قضى تقريبا 13 سنة في المعارضة و 10 سنوات في قيادة الحكومة، ولو لا ظروف الربيع العربي وحركة عشرين فبراير لما وصل إلى الحكومة إذ كان الحزب يستبعد أن يكون مشاركا في الحكومة فأحرى أن يكون قائدا لها، لأنه كان يواجه يومها مشروعا حزبيا يهدد وجوده الانتخابي والسياسي ممثل في مشروع حزب الأصالة والمعاصرة، وهو ما حالت دونه حركة عشرين فبراير التي عارضها الأمين العام للحزب آنذاك، كما حدث مع القاسم الانتخابي على أساس المسجلين الذي عارضه الحزب وكان في صالحه وهذه إحدى مفارقات هذه المحطة الانتخابية .
8 ـــــ هل أصبحنا نعيش “اللايقين السياسي”، فمن كان يظن أن حزب العدالة والتنمية قبل ظهور حركة عشرين فبراير سنة 2011 أنه سيقود الحكومة لولايتين متتالتين في تاريخ المغرب السياسي والحزبي، فحتى الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني الذي قال في أحد تصريحاته أنه لم يكن يحلم يوما أن يكون رئيس حكومة، وكانت بعض الأبحاث والمقالات المحسوبة على الصف العلماني واليساري وبعض الإسلاميين المستقلين وبعض التحليلات والأبحاث الصادرة عن مراكز أبحاث غربية وعربية تتحدث عن تراجع “الإسلام السياسي” أو “موت الإسلام السياسي”، فما أن أجريت انتخابات أكثر شفافية ونزاهة (مقارنة مع سابقاتها) سنة 2011 حتى تبوأ الإسلاميون المشاركون في العملية الانتخابية مواقع متقدمة، ونفس الأمر تكرر في هذه الانتخابات ولكن بصورة معكوسة فأغلب الباحثين والفاعلين السياسيين والمتتبعين للشأن المغربي، سواء كانوا متعاطفين مع الحزب أو من معارضيه وخصومه، كانوا يرجحون فرضية حصول الحزب في انتخابات 2021 على إحدى المراتب الأولى الأربع أو الثلاث رغم التعديلات الانتخابية والتي كانت توحي بتقزيم حظوظ الحزب في الفوز، ولم يكونوا يتوقعون هذه النتيجة المتدنية والتي حرمت الحزب حتى من تكوين فريق نيابي ( 20 نائبا )، وإذا بالنتائج كانت خارج التوقعات، مما جعلها “غير مفهومة” في نظر الحزب، وغير متوقعة حتى بالنسبة لأشد خصوم الحزب فهل أصبحنا أمام اللايقين السياسي، كما كانت فرضية العزوف الانتخابي سائدة بقوة قبل إجراء الانتخابات وإذا بنسبة المشاركة المعلنة كانت 50.18 % ومتقدمة على نسبة المشاركة سنة 2016 .
و هكذا أصبحت كل محطة انتخابية تفرج لنا عن مفاجآت سياسية عصية عن الفهم والتفسير بالمنطق الديمقراطي والاليات الكلاسيكية للتحليل السياسي والانتخابي، فكيف لحزب عارض حركة عشرين فبراير سنة 2011 وشكّك في مصدرها وتوجهها أن ينجح سنة 2011 في الانتخابات والحراك الجماهيري جاب أغلب مدن المملكة، أم أن المجال السياسي والاجتماعي المغربي له قوانينه الخاصة وتحكمه معادلات متعددة المجاهيل ولا يخضع للرغبات والانطباعات والمتمنيات.
9 ـــــــ بعد هذه النتيجة التي حصل عليها الحزب، من سيملأ كرسي المعارضة، وقد اختار الحزب التموقع في المعارضة كما جاء في بلاغه عقب إعلان النتائج، ف 13 مقعد لا تؤهل الحزب لتشكيل فريق برلماني ،وحتى لو شكل فريقا ما ذا سيعارض وأغلب القرارات اتخذت أثناء ولايته، والأغلبية التي ستشكل الحكومة ويعارضها كان جزء منها تحت “قيادته” في الولاية السابقة، كما سيُواجَه بنفس الحجة التي كان يتحجَّج بها ضد معارضيه ومنتقديه من الأحزاب حول المقاصة وإصلاح التقاعد، بأن هذه الملفات لم تجرؤ أي حكومة سابقة على فتحها ومباشرتها، والآن سيقال للحزب لا تعارض أشياء قمت أنت بتمريرها أو التوقيع عليها باعتباره قائدا للحكومة . وإذا عجز الحزب عن القيام بالمعارضة أو مارس معارضة ضعيفة فمن سيملأ مقعد المعارضة، هل سيشكل تحالفا برلمانيا مع أحزب اليسار التي لم تدخل الحكومة، هل ستقوم بالمعارضة الصحافة بأنواعها الورقية أو الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، أو منظمات المجتمع المدني والنقابات والجمعيات الحقوقية والتنسيقيات أو منصات الجمهور في ملاعب كرة القدم. لقد كان من اعطاب التجربة الحكومية السابقة والتي سجلها كثير من الملاحظين هو غياب معارضة قوية، فكان فريق حزب العدالة والتنمية في مجلس النواب يلعب هذا الدور، وفي غياب معارضة قوية هل سيلعب الشارع دور المعارضة، هل سينشط تيار المقاطعة والمعارضة خارج المؤسسات ،كما حدث في أحداث الحسيمة وجرادة وغيرها واعترف الجميع يومها بضعف مؤسسات الوساطة، لاشك أن هذا العنصر سيلعب دورا في توجيه مسار المرحلة المقبلة وفي مقدمتها تشكيل الحكومة، التي ينتظرها تنزيل النموذج التنموي الجديد، مما سيجعل من “التنمية ببعدها الاجتماعي” عنوان المرحلة المقبلة والتحدي الأكبر بحكم الانتظارات والآمال التي عكستها نتائج انتخابات 2021 ورسائلها المتعددة .
حميد بحكاك
باحث في مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية
مقال تحليلي