يونيو 2022
يصادف انعقاد الجمع العام لمركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية (CERSS) الذكرى 29 لتأسيسه. وقد عمل المركز باستمرار، ومنذ تأسيسه، على أن يحترم دورية اجتماعات هياكله والتئامها في الأوقات القانونية، وهو ما يفسر عدد الجموع العامة التي تمت منذ إنشائه إلى اليوم.
آخر جمع عام كان قد انعقد في 25 أبريل 2019، وهي سنة تميزت نهايتها بأحداث كان لها وقع سياسي كبير مثل الهجمات الدموية التي استهدفت مسجد كريستشورش في نيوزيلاندة، وانهيار تنظيم داعش، دون أن ننسى تطورات النزعة الانفصالية المأساوية التي عاشتها منطقة كاطالونيا في إسبانيا.
عدا ذلك، تميزت السنوات الثلاثة المنصرمة، على الخصوص، بأحداث كانت لها أهمية كبيرة أثرت، وبعمق، على خيارات وتوجهات وأنشطة المركز.
لقد شكل ظهور وباء كوفيد 19 (مع موجة الإغلاق العالمية، وسباق البحث عن اللقاح، وحملة التلقيح الواسعة، وتوزيع شهادات التلقيح..) الحدث الأبرز الذي ساهم، في نفس الآن، في الحد وفي تنشيط ديناميكيات المركز، حيث أن إكراهات الوباء سمحت باكتشاف العديد من الفرص ومن بينها الثقافة الرقمية وتقنياتها.
وكانت عودة الدولة بقوة وتجديد حضورها من بين أهم المظاهر المميزة لمواضيع ومجالات البحث التي اشتغل عليها المركز خلال هذه الفترة. وشكلت عودة الدولة مقدمة لصعود الدولة الاجتماعية بصورة أكثر قوة ودلالة مقارنة مع الماضي، خاصة من خلال توجه يركز على إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية. والملاحظ، في هذا الصدد، هو أن البعد الاجتماعي كان حاضرا بقوة خلال هذه السنوات الثلاثة من خلال: بروز حركات اجتماعية، ومظاهر العنف الزوجي، وإصلاح أنظمة التقاعد، والنقاش حول صندوق المقاصة، وتوجهات تؤشر إلى تبني نظام التأمين عن البطالة، وقضية الهجرة وغير ذلك…
لم تمنع الجائحة ولا الانشغالات ذات الطابع الاجتماعي من استمرار النزاعات الإقليمية العنيفة ( في ليبيا، واليمن، والخليج، والحرب بين حماس وإسرائيل، والحرب بين أرمينيا وأذربجان، واغتيال الجنرال سليماني …) إلى جانب أشكال أخرى من النزاع تم خلالها استعمال أقصى درجات العنف…
كما تميز سياق السنوات الثلاث الماضية بديناميكيات جديدة عرفتها الأقاليم الجنوبية تمثلت، فضلا عن أحداث الكركرات، في أزمات عرفتها العلاقات مع ألمانيا وإسبانيا وأوربا…
وعرفت السنوات الماضية حدثا سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا مهما. وهو حدث يمكن القول، انطلاقا من منظور شمولي، إنه برز بشكل طبيعي ولم يكن من الممكن ألا يحظى باهتمام الباحثين في مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية: يتعلق الأمر بالتفكير الجماعي حول النموذج التنموي الجديد. وقد ساهم المركز في هذا الإطار، بمشاركة جميع باحثيه، في عملية تفكير جماعية عبر إعداد وتقديم مذكرة في الموضوع وذلك في أفق تنمية جديدة ومختلفة. ولعل ما كان مبعث اعتزاز وفخر بالنسبة للمركز هو قيامه بتعبئة جميع موارده البشرية، وخاصة الهيآت المدنية الشريكة للمركز، وهو ما شكل لحظة مواطنة من أجل التحليل والتفكير والتوجه نحو المستقبل.
وتبين لائحة الأنشطة المبرمجة خلال الفترة السابقة ل 2019 والتي كانت مسجلة في المخطط الثلاثي للمركز (التحولات الاجتماعية، القضايا الاجتماعية الخاصة، قضية المرأة، الحركات الاجتماعية، الملاحظة الانتخابية، التقرير الإستراتيجي..) أنها قد أنجزت في غالبيتها.
يبدو أن الأوضاع التي عشناها خلال السنوات الثلاثة الأخيرة قد ألهمت طرقا وتوجهات جديدة للبحث والتكوين تركز على المعرفة الرقمية وعلى انعكاساتها المختلفة، وحدودها وآفاقها خاصة على مستوى العوامل الاجتماعية، وعلى الأبعاد الجديدة لقضايا البيئة وتغيراتها (بفضل مؤتمرات كوب المتتالية، وبروز حركات مدافعة عن البيئة في مختلف المناطق في العالم…). وتشهد العديد من المواعيد القادمة على أهمية المواضيع المرتبطة بتغير المناخ في 2022 (ندوات ومؤتمرات حول التنوع البيئي، وحول وضعية الغابات والتصحر، والمنتدى العالمي حول المدن، ومنتديات حول المحيطات وتغير المناخ.. ).
وقد تم تدارس وبحث، والتعمق، أحيانا، في تحليل الخصائص السياسية التي تميزت بها هذه الفترة على عدة مستويات مثل: مظاهر السلطوية الجديدة، أو الانتخابات في ظل كوفيد19، أو بشكل أوسع، موضوع المشاركة السياسية خلال الأزمات، والعلاقات بين المدنيين والعسكريين، وحدود الإصلاح السياسي، والانقلابات، وعمليات الاستفراد بالسلطة (في بيرمانيا، تشاد، غينيا، مالي، تونس، السودان، العلاقات الجديدة بين الصين وهونغ كونغ… )
هناك أيضا أفق آخر يثير الانتباه: يتعلق الأمر بإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة أن 2022 ستكون السنة الدولية للعلوم الأساسية من أجل التنمية المستدامة. ولهذا ينبغي أن يكون هناك اهتمام متواصل وثابت بالظروف المادية والأخلاقية والإبستمولوجية لإنتاج المعرفة في العلوم الاجتماعية والإنسانية. وهو ما ينضاف إلى الاهتمام الذي يوليه المركز باستمرار إلى مسألة ارتباط العلم بالديمقراطية. وستكون المهمة الأولى للمركز خلال الأسابيع المقبلة هي العمل على بلورة جدول أعمال بحثي يأخذ بعين الاعتبار هذه التوجهات. ومن هنا يأتي الجزء الثاني من شعارنا وهو: نحو أجندة للبحث والتفكير والعمل خلال المرحلة المقبلة.
المواضيع السابقة ومواضيع السنوات الثلاثة الماضية تم بحثها وتناولها مجددا والتعمق فيها في سياق ظرفية يبدو أن مراكز البحث والتفكير عرفت خلالها بعض التطور. فقد تزايد عددها وتطورت في اتجاه طابع مؤسساتي من خلال إنشاء مراكز بحث تابعة للعديد من الجامعات وللبرلمان.. كما ظهر نوع من التخصص الموضوعاتي في عدد من القضايا مثل الشباب والنساء وحقوق الإنسان، إلى جانب بروز تخصصات ذات طابع ترابي تتعلق بإفريقيا وبمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط… وبشكل عام، تبنت مراكز البحث تموقعات مختلفة تتراوح بين تقديم الخبرة أو الاستشارات أو المرافعة أو تبني نزعة نضالية.. كما عرفت هذه المراكز تطورا وتنوعا من خلال إنشاء مراكز للإعلام والتفكير والترافع.
إن هذه الوضعية تتطلب من مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية أن يفكر مستقبلا في هويته، وتموقعه ومكانته، وفي دوره في ظل مناخ يعرف تغيرات وتحولات متواصلة. ومن هنا تأتي دلالة اختيار الجمع العام لشعار: ” العلم والعمل “.
Soyez le premier à commenter