الانتخابات الرئاسية والبرلمانية 2023 في تركيا … بين التغيير والاستمرارية

د.حميد بحكاك *

مقدمة

تستعد تركيا لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في 14 ماي 2023، إذ سينتخب الشعب التركي رئيسا جديدا للبلاد و600 نائب في البرلمان التركي لمدة خمس سنوات، وهذه الانتخابات تحظى بأهمية بالغة على المستوى الداخلي والخارجي، وتصادف الذكرى المئوية الأولى لتأسيس تركيا، وبالتالي لها رهانات متعددة الأطراف والأهداف وتفيض عن مساحة تركيا جغرافيا و جيوسياسيا وتحديدا في ارتباطها بمستقبل “حزب العدالة والتنمية” الذي قاد تركيا أكثر من عقدين من الزمن وبالرئيس “رجب طيب أردوغان ” الذي يخوض هذه الانتخابات الرئاسية لولاية ثالثة وأخيرة، وكذلك بتداعيات الحرب الروسية الاوكرانية إقليميا ودور تركيا في هذه الحرب وانعكاساتها داخليا وعلاقتها بدول الجوار وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي

السياق الوطني والدولي لهذه الانتخابات

تأتي هذه الانتخابات في سياق داخلي يتسم بتضعضع الاقتصاد التركي وانخفاض الليرة وارتفاع التضخم وارتفاع البطالة يضاف إلى ذلك انعكاس الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا وخلف  50 الف قتيل تركي وأكثر من 30 مليار دولار خسائر مادية وأكثر من ثلاثة ملايين فقدوا منازلهم، وكان من المتوقع أن تؤجل هذه الانتخابات نظرا لمخلفات الزلزال و احتمال تأثيره على مجريات العملية الانتخابية واحتمال توظيف مخلفاته في الحملة الانتخابية من كلا الطرفين، إلا أن الرئيس التركي في إطار صلاحياته الدستورية قرَّر إجراءها في وقتها، بل بتقديمها بشهر عن موعدها المحدد، من 18 يونيو إلى 14 ماي بحجة أن التاريخ الأول يتزامن مع الامتحانات الجامعية وموسم الحج والسياحة، وأيضا لبعد رمزي هو أن تـاريخ 14 ماي 1950 جرت فيه أول انتخابات ديمقراطية في تركيا.

أما على الصعيد الإقليمي والدولي فهناك الحرب الأوكرانية الروسية، وآثارها الاقتصادية على مستوى الطاقة والغذاء، والجيوسياسية من خلال رسم خرائط جديدة للتحالفات والاصطفافات والتكتلات والأحلاف، كزيادة الطلب على الانضمام إلى حلف الناتو (فلندا، السويد ….)  اللتان خرجتا من سياسة الحياد، وكذلك تعزيز التحالف الصيني الروسي، وقد لعبت تركيا دورا في هذه الحرب من خلال الوساطة بين روسيا وأوكرانيا لإيقاف الحرب من خلال المفاوضات، أو على مستوى تأمين ممرات القمح نحو أوروبا وإفريقيا ودول العالم، وهو ما منح تركيا إشعاعا دوليا استثمره “حزب العدالة والتنمية” في تعزيز قرار تركيا المستقل نسبيا عن المحاور المتصارعة ومنح تركيا دورا مؤثرا على الصعيد الإقليمي.

النظام الانتخابي التركي

جاء القانون الانتخابي التركي الجديد الذي قدمه التحالف الحاكم “تحالف الجمهور” (المكون من حزب العدالة والتنمية والحركة القومية) بتعديلات، أهمها تخفيض العتبة من 10 % إلى 7 %  و منع انتقال النواب البرلمانيين  من حزب لآخر، كما اشترط القانون على الأحزاب المشاركة في الانتخابات أن يكون الحزب قد عقد مؤتمره لمرتين متتاليتين1 . وجاءت هذه التعديلات في إطار إصدار “قوانين المواءمة” بعد الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي تم إقراره في استفتاء دستوري سنة 2017، وسن قوانين انتخابية ملائمة نظرا للاختلاف بين النظامين الرئاسي والبرلماني.

وتعد الانتخابات البرلمانية الثامن والعشرون والانتخابات الرئاسية الثالثة عشر في تاريخ تركيا، والمقرر إجراؤها في 14 ماي 2023 وفق جدول زمني محدد، ففي 20 مارس يتم تعليق قوائم الناخبين، وفي 24 مارس يتم تقديم الأحزاب المشاركة وقوائم التحالفات الذي يضم توقيع القادة وفي 31 مارس يتم نشر قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية في الجريدة الرسمية، وفي 7 أبريل تقدم الأحزاب لوائح المرشحين إلى البرلمان التركي، أما الحملة الانتخابية فتنتهي في 13 ماي 2023 لتجري الانتخابات في اليوم الموالي.

وحسب الهيئة العليا للانتخابات التركية، فإن عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية يبلغ أكثر من 64 مليوناً، منهم قرابة 61 مليوناً داخل تركيا والباقون خارج البلاد. موزعين كالتالي : 

 داخل تركيا يبلغ العدد 60 مليوناً و904 آلاف و499 ناخباً، يصوتون في 190 ألفاً و736 صندوقاً انتخابياً في عموم البلاد.

و خارج تركيا يبلغ العدد 3 ملايين و286 ألفاً و786 ناخباً، سينتخبون في 4969 صندوقاً انتخابياً، ليبلغ الإجمالي داخل تركيا وخارجها 64 مليوناً و191 ألفاً و285 ناخباً 2 .

التحالفات الحزبية والمرشحون للرئاسة

أعلنت اللجة العليا للانتخابات رسميا عن أحقية 36 حزب المشاركة في هذه الانتخابات، كما حدَّدت قوائم المرشحين الأربعة للرئاسة، وتمَّ ترتيبهم وفق نظام القرعة، وينص القانون الانتخابي أن على الراغب في الترشح للانتخابات الرئاسية إما أن يتقدم على لائحة حزب سياسي قائم، وإذا تعذر الأمر، عليه أن يجمع مائة ألف توقيع كشرط للتقدم للترشيح لهذه الانتخابات، ويتم انتخاب الرئيس بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات، وتجري الانتخابات الرئاسية في دورتين يتعين على الفائز في الدورة الأولى أن يحصل على أكثر من 50 في المائة من الأصوات، وإذا لم يحصل أي من المرشحين على هذه النسبة يجري الدور الثاني لهذه الانتخابات بين المرشحين الأكثر تصويتا وتجرى بعد أسبوعين. 

  والأحزاب السياسية المشاركة في هذه الانتخابات تنتمي إلى توجهات أيديولوجية متباينة، يسارية وقومية ومحافظة وليبرالية وإسلامية وكردية، وتتفاوت في الحجم والأوزان السياسية والتاريخية والجماهيرية، وتخوض الانتخابات كأحزاب منفردة أو في شكل تحالفات فيما بينها، ومع اشتراط عتبة 7 %  للدخول إلى البرلمان التركي تفضل هذه الأحزاب عقد تحالفات لضمان مقعد في البرلمان، وهذه التحالفات :

تحالف الشعب/الجمهور ويضم كل من “حزب العدالة والتنمية” و”حزب الحركة القومية” و”حزب الاتحاد الكبير” و”حزب الهدى بار” و”حزب الوطن الأم” و”حزب الرفاه الجديد”، وانضمَّ إلى هذه المجموعة في إطار توسيع التحالفات واستقطاب الأصوات الانتخابية، كل من “حزب اليسار الديمقراطي” “وحزب الطريق القويم “، ويقدم هذا التحالف الرئيس “رجب طيب أردوغان مرشحا له.

تحالف الأمة ويسمى “تحالف الستة” أو “طاولة الستة” ويضم كل “حزب الشعب الجمهوري” و”الحزب الجيد” و”حزب السعادة” و”حزب المستقبل” و”الحزب الديمقراطي” و”حزب الديمقراطية والتقدم” ويقدم هذا التحالف “كمال كلشدار أوغلو” زعيم “حزب الشعب الجمهوري” مرشحا رئاسيا له، ويضم هذا التحالف حزبين انشقا عن “حزب العدالة والتنمية” هما “حزب المستقبل” بقيادة “أحمد داود أوغلو” رئيس الحكومة الأسبق، والحزب الثاني هو “حزب الديمقراطية والتقدم” بقيادة “على باباجان الوزير” ونائب رئيس الحكومة الأسبق، كما أن “حزب الجيد” منشق عن “حزب الحركة القومية” المتحالف مع أردوغان.

تحالف العمل والحرية ويضم “كل من حزب الشعوب الديمقراطي”و”حزب العمال” و “حزب العمل” و”حزب الحرية الاجتماعية” و”الحركة العمالية” و”اتحاد المجالس الاشتراكية” وهو ذو توجه يساري، هذا التحالف لم يقدم مرشحا رئاسيا، ويحسب على تحالف الأمة في مواجهة أردوغان .كما أن “حزب الشعوب الديمقراطي” الذي يعتبر الحزب الرئيسي في هذا التحالف، قد يتعرض إلى الحل إذ يواجه دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية العليا بتهم تتعلق “بالإرهاب” وهي الاتهامات التي ينفيها الحزب، لذلك قرر هذا الحزب دخول الانتخابات باسم اليسار الأخضر 3 .

حزب البلد الذي يقدم “محرم إينجه” مرشحا رئاسيا، وهو منشق عن حزب الشعب الجمهوري ومؤسس حزب البلد، والذي شارك في الانتخابات الرئاسية السابقة لسنة 2018 وحاز على 30 في المائة من أصوات الناخبين.

تحالف أتا (أتا : تعني الأجداد ) ويضم كل من “حزب الظفر” و”حزب العدالة” و”حزب القويم” و”حزب دولتي” هذا التحالف يقدم المرشح سنان أوغان المعروف بعدائه للأجانب كالأفغان والسوريين ويتعهد بإرجاعهم إلى بلدهم إن فاز في الانتخابات الرئاسية .

تحالف تركيا ويضم “حزب الواحد” و “الطريق الجديد” و”الحزب العثماني” “وحدة الأناضول” و”محبي الوطن” و”التكنولوجيا والتنمية”.

وتتجه الانظار والاهتمام الإعلامي واستطلاعات الرأي بشكل أساسي إلى تحالفي “الشعب” و”الأمة”، والملاحظ في هذين التحالفين هو غلبة الطابع السياسي على الطابع الأيديولوجي، فكلا التحالفين يضمان التوجهات القومية (التركية والكردية) والإسلامية والعلمانية، وذلك بهدف استقطاب صوت الناخب التركي على أوسع نطاق وإلحاق الهزيمة بالطرف الآخر.

قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية

خاضت الأحزاب التي يحق لها المشاركة في هذه الانتخابات عملية توزيع الترشيحات على القوائم بين الأحزاب المتحالفة، وقد تنوعت طريقة الترشيح ما بين الترشيح على قائمه أحزابها أو قائمة حزب آخر داخل التحالف لضمان الفوز بمقاعد البرلمان، وحسب اللجنة العليا للانتخابات وإلى حدود تاريخ تسليم اللوائح في 7 أبريل، تقدمت 26 قائمة حزبية.

وبالنسبة لتحالف المعارضة فقد قررت أربعة صغيرة داخل التحالف الترشيح على قائمة حزب الشعب الجمهوري هي: “الحزب الديمقراطي” و”حزب السعادة” و”حزب دواء” و”حزب المستقبل”، بينما قرر “حزب الجيد” الترشح بشكل منفرد.

أما تحالف الجمهور فإن “حزب العدالة والتنمية” قد رشَّح معظم وزرائه ووضعهم على رأس قائمة ترشيحات الحزب وفي مسقط رأسهم أو في المدن التي قدموا فيها خدمات وذلك لضمان كسب أكبر عدد من الأصوات، ويمنع القانون الداخلي لحزب العدالة والتنمية نوابه الترشح لثلاث ولايات، كما خصص حزب “العدالة والتنمية” أربع مرشحين في قوائمه لحزب “هدى بار” الكردي الإسلامي، وثلاث مرشحين من حزب “اليسار الديمقراطي العلماني”، من بينهم زعماء هذه الأحزاب، بينما ترشحت الأحزاب الأخرى بأسمائها وهي حزب “الحركة القومية” وحزب “الوحدة الكبرى”، وحزب “الرفاه من جديد”.

في الرهانات السياسية والانتخابية

تخوض هذه الأحزاب هذه الانتخابات برهانات سياسية وانتخابية أهمها الوصول إلى الرئاسة والبرلمان وتشكيل أغلبية حكومية أو أحدهما وذلك حسب قاعدتها الجماهيرية في إطار تحالفاتها وتفاهماتها وحساباتها وحظوظها في الفوز في كل دائرة.

و”تحالف الستة” الذي يمثل المعارضة، يجمع أحزابا وتوجهات متناقضة بين القومي التركي والإسلامي والعلماني وتختلف في عدة قضايا تم تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات، كما عرف هذا التحالف خلافات وتوترات بين زعمائه سرعان ما تم احتواؤها، ويجمع هذا التحالف هدف واحد هو إسقاط أردوغان، والعودة إلى النظام البرلماني وتقاسم السلطة في حال الفوز في الانتخابات والقطع مع سياسة أردوغان داخليا وخارجيا. وإذا كان هذا التحالف غير متجانس أيديولوجيا ومتفاوت جماهيريا إذ يعتبر الحزبين “حزب الشعب الجمهوري” و”حزب الجيد” هما الحزبين الكبيرين في هذا التحالف مقارنة مع الأحزاب الأخرى الأربعة، فإنه يجمع قاعدة انتخابية عريضة بحكم التنوع الذي يمثله.

رهانات الخارج

تستأثر هذه الانتخابات باهتمامات الخارج خصوصا الدول الغربية، التي لا تنظر بعين الرضا إلى سياسة أردوغان التي تحاول الخروج من الهيمنة الغربية والتوجه نحو المحور الصيني الروسي أو إحداث توازن في العلاقة مع الشرق والغرب، وهو ما جسدته سياسة أردوغان في التعامل مع أطراف الحرب الروسية الأوكرانية، كما أن الموقف “المحايد” الذي سلكته الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وأعضاء حلف الناتو اتجاه الانقلاب العسكري الفاشل سنة 2016 في تركيا، في الوقت الذي أدان فيه الرئيس الروسي بوتين هذا الانقلاب، هذا الموقف الرمادي الغربي وأسباب أخرى، ساهم في دفع أردوغان للتوجه نحو المحور الصيني الروسي الآسيوي.

وقد تعهد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” سنة 2020 في حملته الانتخابية بإسقاط أردوغان ودعم المعارضة التركية في حال نجاحه في الانتخابات الأمريكية كمرشح ديمقراطي، وأكد أن إسقاط أردوغان ينبغي أن يكون عن طريق الانتخابات وليس عن طريق الانقلاب كما جاء ذلك في حوار مطول أجراه مع صحيفة “نيويورك تايمز” New York Times 4.

 أما الدول الإقليمية المعنية بهذه الانتخابات فعلى رأسها سوريا، إذ تشكل ورقة اللاجئين السوريين أحد الرهانات الداخلية بين المرشحين.

في السيناريوهات

تتفاوت حظوظ هذه التشكيلات الحزبية والتحالفات في الفوز في هذه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فتحالف الجمهور الذي يقوده “رجب طيب أردوغان” الذي يتمتع بكاريزما سياسية ودربة انتخابية وخطابة سياسية، وهذا التحالف يظهر أكثر تماسكا مقارنة مع منافسه “تحالف الأمة” الذي يقوده كمال كلشدار أوغلو، تجعل منه منافسا قويا خصوصا بعد قيادته لتركيا أكثر من عقدين من الزمن ولأول مرة في تاريخ تركيا الحديث، حقق فيها كثيرا من المنجزات تمثلت في إ نشاء بنية تحتية لتركيا في شتى المجالات الاقتصادية والتجارية والأمنية والسياسية والصناعات الدفاعية العسكرية، كما ساهم في أداء تركيا  لدور مؤثر على الساحة الإقليمية والدولية، هذا الرصيد يعزز فرص الفوز لهذا التحالف في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو هما معا، وبالنسبة للزلزال ومخلفاته فقد وعد أردوغان المتضررين بإعادة الإعمار في المناطق المنكوبة في أقرب وقت . ويبقى التراجع الاقتصادي وتدبير مشكلة اللاجئين وتدبير مخلفات الزلزال من بين التحديات الذي تواجه هذا التحالف.

بالنسبة لتحالف الجمهور وفي ظل غياب شخصية كاريزمية تنافس أردوغان، وهذا كان أحد أسباب الخلاف بين زعيمة “حزب الجيد” “ميرال أكشنار” التي اقترحت عمدتي استانبول وأنقرة المنتميان إلى حزب الشعب الجمهوري الترشح للرئاسة باعتبارهما شخصتين ذات شعبية، وهو ما رفضه كمال كلشدار أوغلو، مما دفع زعيمة حزب الجيد إلى الانسحاب من طاولة الستة لتعود بعد ذلك، ففي ظل غياب منافس جدي لإسقاط أردوغان سيركز الحزب في حملته الانتخابية على المدة التي قضاها حزب العدالة والتنمية في الحكم وهي أزيد من عشرين سنة، والمنطق الديمقراطي يقتضي التغيير والتداول، كما أن التنوع داخل هذا التحالف يعتبر عنصر قوة يمكنه من مخاطبة شرائح واسعة من الشعب التركي، كما يحاول حزب الشعب الجمهوري الاستفادة من فوزه الانتخابي سنة  2019 وحصوله على بلديات كبرى من استانبول وانقرة  وأزمير وغيرها، وهو الفوز الذي عكس تراجع “حزب العدالة والتنمية”، وأكبر تحد يواجه هذا التحالف هو مدى تماسكه إلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية، ويبقى التنافس بين التحالفين هو الذي يستأثر باهتمام المراقبين واستطلاعات الرأي وكذلك الاهتمام الدولي.

وهناك مرشحين آخرين للرئاسة والبرلمان كمحرم إنجه زعيم “حزب الوطن” أو “حزب البلد”، الذي انشق عن حزب الشعب الجمهوري وأسس حزب الوطن بعد الانتخابات الرئاسية لسنة 2018 والتي نافس فيها أردوغان وحاز فيها على نسبة 30 % من الأصوات، ويعتبر كذلك منافسا لحزب الشعب الجمهوري وتحالف الستة ويضيَق من فرص هذا التحالف في مواجهة أردوغان، كما يواجه تحدي العتبة لأنه يخوض الانتخابات البرلمانية بمفرده إذ لم ينضم لأي تحالف، وهناك أيضا مرشح آخر عن تحالف “أتا”  وهو سنان أوغان، وهذا التحالف يجد نفسه في الدفاع عن القومية والهوية التركية، يصنف ك”يمين قومي” معاد للأجانب . وبالتالي هذين المرشحين يضاف إليهم “تحالف العمل والحرية” الذي لم يقدم أي مرشح للرئاسة لهم تأثير على سير ومصير الانتخابات الرئاسية من حيث تشتيت الأصوات وترجيح إحدى كفة المرشحين الرئيسيين رجب طيب أردوغان وكمال كلشدار أوغلو.

أمام هذه الخريطة الحزبية الانتخابية المتنوعة، وأمام استطلاعات رأي متقلبة تتغير باستمرار وتمنح حظوظ الفوز لهذا الطرف أو ذاك سواء تعلق بالانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو هما معا، يجعل من الصعب التكهن بمن سيفوز، وعلى سبيل الاستشراف نحن أمام سيناريوهين:

الأول أن يفوز أردوغان بالرئاسة والانتخابات البرلمانية معا، لمواصلة المشروع السياسي لحزب العدالة والتنمية ومعه الأحزاب المتحالفة والتي تسعى إلى جعل تركيا في المرتبة العاشرة اقتصاديا عالميا حسب وعود أردوغان وتقوية الطابع التركي الإسلامي لتركيا وإعادة أمجاد تركيا كدولة قوية ذات سيادة وقرار مستقل.

الثاني أن يفوز أردوغان بالرئاسة وتفوز المعارضة بالأغلبية البرلمانية، ومن مؤشراته تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية والتي ظهرت في الانتخابات البلدية 2019، وهذا السيناريو له تكلفته من حيث التجانس بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة البرلمان، وتأثيره على سير الأوضاع الاقتصادية والسياسية والسياسة الخارجية، كما أن نجاح هذا السيناريو رهين بمدى تماسك المعارضة ووحدتها.

الخلاصة

تعتبر هذه الانتخابات محطة مفصلية في تاريخ تركيا الحديثة، وآخر ولاية رئاسية لأردوغان، ونظرا للتركيبة المعقدة للتحالفات التي تضم أحزاب بعضها منشق عن بعض وغير متجانسة، والطابع المركب لهذه الانتخابات التي تجمع بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بمعنى من سيفوز بالرئاسة ومن سيفوز بالأغلبية في البرلمان أو من سيفوز بهما معا، والطابع المتنوع إلى حد التناقض للرهانات والخلفيات المتناقضة للأحزاب المشاركة ما بين ليبرالية ومحافظة وإسلامية وعلمانية ويسارية وقومية (تركية وكردية)، وكذلك التحديات التي تواجه تركيا في حال انتقلت المعارضة إلى السلطة رئاسيا أوبرلمانيا أم هما معا، يجعل منها انتخابات القرن تحدد مصير ومستقبل تركيا لسنوات، ويتزامن ذلك مع مرور مائة سنة على اتفاقية لوزان التي تعتبر عقد ازدياد رسمي لتركيا الحديثة.

 

المراجع :

1 -كل ما تريد معرفته عن الانتخابات التركية 2023 https://www.ultrasawt.com/  

2 – أكثر من 64 مليون ناخب تركي يدلون بأصواتهم في الانتخابات المقبلة  https://www.alaraby.co.uk/politics/

3- الانتخابات التركية 2023: رحلة رجب طيب أردوغان في البحث عن ولاية رئاسية ثالثة https://www.bbc.com/arabic/middleeast-65154417

4- بايدن يتعهد بإسقاط أردوغان ويصفه بـ”المستبد

https://www.alarabiya.net/arab-and-world/american-elections

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحث في مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية

A propos CERSS مركز الدراسات 333 Articles
Administrateur du site

Soyez le premier à commenter

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.


*