الانتخابات الإسبانية التشريعية المبكرة 2023 … بين تقدم اليمين ومقاومة اليسار

د. حميد بحكاك

 مقدمة

 شهدت إسبانيا بتاريخ 28 ماي 2023 انتخابات جهوية وبلدية أسفرت عن هزيمة الحزب الحاكم “حزب الاشتراكي العمالي” (ديمقراطي اجتماعي أو يسار حسب بعض التصنيفات) وفوز حزب “اليمين المحافظ” الحزب الشعبي، كما احتل “اليمين المتطرف” الإسباني حزب فوكس المرتبة الثالثة في هذه الانتخابات المحلية والجهوية، بعد هذه النتيجة أعلن رئيس الحكومة الإسبانية وبتشاور مع ملك إسبانيا حل البرلمان الإسباني والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها تجرى بتاريخ 23 يوليوز 2023 قبل ستة أشهر من موعدها المحدد. 

النظام الانتخابي

تعرف إسبانيا بشكل دوري أربعة انتخابات وهي الانتخابات البرلمانية وانتخابات المجالس التشريعية لمناطق الحكم الذاتي، والانتخابات المحلية وانتخابات البرلمان الأوروبي. تُقام الانتخابات البرلمانية الوطنية وانتخابات المجالس التشريعية لمناطق الحكم الذاتي كل أربع سنوات، ويمكن أن تحدث انتخابات مبكرة كما حدث في هذه الانتخابات. أما بالنسبة لانتخابات المجالس المحلية (البلدية، المقاطعة) وانتخابات البرلمان الأوروبي فهي تقام في مواعيد قارة.

نظام الحكم في إسبانيا ملكية برلمانية، ويعرف البرلمان بـــــــ “الكورتيس” ويتكون من مجلسين: مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، بالنسبة لمجلس النواب فيضم 350 عضوا ينتخبون بالاقتراع الشعبي وفق نظام اللوائح على أساس التمثيل النسبي لولاية مدتها أربع سنوات وبالنسبة لمجلس الشيوخ فيضم 259 عضوا من بينهم 208 عضو ينتخبون بالاقتراع الشعبي المباشر، وأما 51 عضوا الباقون يعينهم المشرعون المحليون لولاية أربع سنوات. 

وتجري هذه الانتخابات التشريعية المبكرة 2023 بعد ثلاث سنوات من حكم تحالف اليسار بين الحزب الاشتراكي العمالي  و حزب بوديموس .

الانتخابات الجهوية والبلدية

جرت الانتخابات الجهوية والبلدية بتاريخ 28 ماي 2023، وأسفرت نتائجها عن فوز “الحزب الشعبي” معارض ب 31,51 % من الأصوات وحصل الحزب الحاكم “الاشتراكي العمالي الإسباني” على 28,11 % وحزب فوكس (معارضة أقصى اليمين) على 7,19%، وبلغت نسبة المشاركة 63,92 %. على إثر هذه النتيجة دعا رئيس الوزراء بيدرو سانشيز بعد تشاور مع العاهل الإسباني إلى إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها بتاريخ 23 يوليوز 2023. 1

الانتخابات التشريعية 

 السياق الوطني والاوروبي 

تجري هذه الانتخابات التشريعية بعد الانتخابات المحلية والجهوية والتي حقق فيها اليمين ( الحزب الشعبي ) واليمين المتطرف (حزب فوكس)  تقدما، كما تجري هذه الانتخابات في ظل القيادة الدورية لإسبانيا للاتحاد الأوروبي التي بدأت في 1 يوليوز 2023 وتستمر لمدة ستة أشهر، وكذلك في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أوروبا اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وعسكريا، وفي سياق أوروبي وعالمي يطبعه زحف أحزاب اليمين بتياراتها المختلفة نحو الحكم، مما يجعل من هذه الانتخابات الإسبانية حدثا أوروبيا بامتياز لما له من آثار على أوضاع المواطنين الإسبان والمهاجرين، وتشريعات تهم قضايا الأسرة وسياسات البيئة، والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي ودول الجوار في شمال أفريقيا كالمغرب والجزائر. وتعتبر هذه الانتخابات الرابعة عشر في تاريخ الديمقراطية الإسبانية الحديثة.

رهانات هذه الانتخابية 

الرهانات المرتبطة بهذه الانتخابات رهانات متعددة ومركبة منها الرهانات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والهوياتية والسياسية كما أن لها أبعاد تتعلق بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، فاليمين الصاعد يطالب بتعديلات تهم المهاجرين وقضايا الأسرة كالعنف ضد المرأة والمثلية والإجهاض والتركيز على السيادة الوطنية، بينما يركز اليسار على الدفاع عن حقوق الإنسان والمهاجرين ومواجهة اليمين الصاعد لما يمثله من خطر على الحريات وحقوق المرأة والأقليات. 

النتائج الانتخابية

بلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات 70 %، كما عرفت مشاركة مكثفة من خلال التصويت عن طريق البريد لتزامنها مع فصل الصيف والعطل، إذ صوت 2.5 مليون ناخب إسباني عن طريق البريد، وأسفرت هذه الانتخابات التشريعية عن النتائج التالية :

“الحزب الشعبي” ( يميني محافظ )  136 مقعدا 

“الحزب الاشتراكي العمالي” (يسار ) 122 مقعدا، 

“حزب فوكس” (أقصى اليمين) 33 مقعدا، 

حزب أو تحالف اليسار “سومار” (أقصى اليسار) ـ 31 مقعد .2

وبمنطق الأرقام فقد حصل الحزب الشعبي اليميني على أعلى الأصوات بوأته المرتبة الأولى، بينما تراجع حزب الاشتراكي العمالي، وهو ما يعكس زحف اليمين في أوروبا وتراجع اليسار عموما. كما كذَّبت هذه النتائج استطلاعات الرأي التي كانت ترجح فرضية انتصار اليمين التقليدي واليمين المتطرف وحصوله على الأغلبية المطلقة وتشكيل الحكومة بمفرده، بينما حافظت الأحزاب الثلاث الأولى على نفس ترتيب نتائج الانتخابات البلدية والجهوية. 

وبالمقارنة مع الانتخابات السابقة لسنة 2019، فقد أضاف الحزب الشعبي إلى رصيده البرلماني مقعدا واحدا بينما أضاف الحزب الاشتراكي مقعدين، كما خسر حزب فوكس 19 مقعدا ( 52 مقعد سنة 2019) .

وبالنسبة للكتل الحزبية المتقاربة سياسيا وأيديولوجيا من اليمين واليسار، فكلا التكتلين لم يحصل على الأغلبية المطلقة بما مجموعه 176 مقعد التي تمكنه من تشكيل حكومة، ف”الحزب الشعبي” مع “حزب فوكس” يكونان معا 169 مقعد، و”الحزب الاشتراكي العمالي” مع “حزب سومار” 153 مقعد، وحتى بانضمام أحزاب جهوية أخرى يصل العدد إلى 172، وهو دون الأغلبية المطلقة. 3

وقد اعتبر رئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي  بيدرو سانشيز، رغم عدم حصوله على الأغلبية المطلقة  أن هذه النتائج انتصارا لحزبه وإسبانيا إذ لم يتمكن اليمين من الفوز بالأغلبية المطلقة وتشكيل الحكومة، كما كانت تشير إلى ذلك  استطلاعات الرأي. 

خلاصة 

 

وأمام هذه النتائج التي لم تمكَن أي من اليمين واليسار من تشكيل الحكومة، مما خلق حالة من الضبابية حول الوضع السياسي في اسبانيا في انتظار ما ستؤول إليه نتائج الحوارات واللقاءات بين مختلف الأحزاب، ويبقى سيناريو إعادة الانتخابات التشريعية إحدى الفرضيات حسب كثير من المحللين والمهتمين بالشأن السياسي الإسباني، كما أن بقاء  بيدرو سانشيز على رأس الحكومة يبقى واردا في حال حاز على تأييد الحزب الكطلاني. وتبقى المفاوضات والتوافقات بين الفرقاء والأحزاب الوطنية والجهوية هي السبيل لإيجاد تسوية سياسية تجنب البلاد مخاطر الانسداد السياسي كما حصل في محطات سابقة. 4

 

 

مراجع

 

1 Espagne : très lourde défaite pour Pedro Sánchez aux     élections municipales et régionales , https://urlz.fr/n40r  ;   27/05/2023

2 Élections en Espagne. La droite finit première, mais sans majorité 

https://urlz.fr/n3ZB      24/07/2023

 

3 Élections : le PNV perd son hégémonie au Pays Basque Sud

https://www.mediabask.eus/fr/info_mbsk/20230724/elections-le-pnv-perd-son-hegemonie-au-pays-basque-sud 24 JUIL 2023

 

4 Après les législatives, le casse-tête politique en Espagne

https://urlz.fr/n3ZF   25/07/2023

A propos CERSS مركز الدراسات 332 Articles
Administrateur du site

Soyez le premier à commenter

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.


*