المداخلة الأولى: تمحور العرض الأول من الجلسة العامة الأولى الذي ألقاه الأستاذ علي كريمي: “الطابع الالزامي للحقوق الثقافية الاقتصادية والاجتماعية”. في البداية قدم الأستاذ المحضر إشكالية الموضوع في شكل تساؤلات يمكن تلخيصها فيما ياي:
1- ما مدى إلزامية الحقوق ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي واللغوي؟
2- هل لها حضور كما للحقوق المدنية والسياسية؟
3- إن لم يكن كذلك فما السبب؟ هل لأنها نشأت كبرامج ووعود لا تتضمن إلتزاما من طرف الدولة أم أن الأمر يتعلق بلحظات ظهورها لكونها جاءت متأخرة عن الأولى..
بعد ذلك تطرق الأستاذ للسياق التاريخي لظهور هذه الحقوق، حيث أشار إلى أن الأولى نشأت في رحم فلسفة الأنوار، لتتحول إلى إعلانات والتزامات ثم إلى قواعد قانونية. أما الجيل الثاني من هذه الحقوق فقد نشأ داخل الفلسفة الإشتراكية وبدأ يجد طريقه إلى القانون الداخلي. كما اعتبر الأستاذ سنة 1848 سنة مرجعية في التاريخ السياسي لأوروبا في هذا الباب، حيث انتقلت الدولة من اللبرلة المتوحشة إلى دولة ذات حس اجتماعي متأثرة بالبيان الشيوعي لماركس وأنجلز إلى أن تبلورت هذه الأفكار في الثورة البولشوفية.
كما توقف الأستاذ عند التحولات التي عرفتها أوروبا في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى على إثر تراجع دور القطاع الخاص نتيجة آثار الحرب مما استدعى تدخل الدولة. وهكذا تحولت هذه الأخيرة من الدولة الحارسة إلى الدولة التدخلية.
وفي ختام مداخلته تطرق الأستاذ إلى مدى إلزامية هذه الحقوق؟ وهل يمكن الاحتجاج بها؟ في هذا الاطار أشار الأستاذ إلى توجهين:
1- التوجه الأول يقول أنها مجرد وعود قد لا تستطيع الدول أن تلبيها وبالتالي لا يمكن الاحتجاج بها أمام القضاء.
2- التوجه الثاني يقول أنها ملزمة وأن المساس بأحدها يؤدي إلى المساس بأخرى.
تناول العرض الثاني الذي ألقته الأستاذة صليحة بوعكاكة، إلى اشكالية الحقوق الثقافية بين القانون الداخلي والمواثيق الدولية، حيث تطرقت إلى مفهوم الثقافة باعتبار هذا المصطلح يعرف اختلافا يتراوح مدلوله بين اتجاهين: الاتجاه الأول يكاد يحصر مدلوله بالانتاج الفكري، الأدبي، الفني واللغوي. والاتجاه الثاني يوسع المدلول حتى تكاد تكون كلمة الثقافة ترادف الحضارة. بينما تستعمل كلمة ثقافة في المغرب للتعبير عن الحضارة الشاملة بمؤسساتها ومظاهرها وأسسها المادية والمعنوية.
بعد ذلك تناولت المداخلة الإشكالية المرتبطة بالقوانين الداخلية والمواثيق الدولية، ذلك أنه في حالة التعارض تطرح مسألة الأولوية بينهما من حيث التطبيق، وهل فعلا تحتاج الاتفاقيات الدولية لنفادها داخليا أن يتم تشريعها بقوانين؟ وخلال تفصيلها لهذه الإشكالية إلى أبرزت اتجاهان فقهيان:
1- مذهب ثنائية القانون، والذي يذهب إلى أن قواعد القانون الدولي لا تطبق داخل نطاق الدولة إلا إذا كانت في تشكل تشريعي داخلي.
2- مذهب سيادة القانون الدولي: الذي يعتبر المذهب السابق يؤدي إلى هدم القانون الدولي من أساسه حيث يفتح الإمكانية أمام الدول للتملص من التزاماتها الدولية متى شاءت.
وفي معرض الحديث عن الحالة المغربية، أشارت الأستاذة إلى أنه توجد مقتضيات صريحة من خلال ثلاثة مستويات: إذ على مستوى النصوص، يلاحظ سمو الاتفاقيات كما تنص على ذلك ديباجة الدستو. وعلى مستوى القضاء فالعديد من الأحكام أكدت على سمو القانون الدولي. وعلى المستوى الدبلوماسي، يلاحظ أن العديد من الخطب والرسائل الملكية تؤكد سمو الاتفاقيات الدولية.
وفي ختام مداخلتها أشارت الأستاذة إلى أن الاعتراف بالحقوق الثقافية أصبح يشكل إحدى العوامل الحاسمة في النمو الديموقراطي وأحد أهم تحدياته المعقدة وعلى الدولة توفير آليات فعلية لتطبيق حقوق الإنسان عامة والحقوق الثقافية خاصة ومن هذه الآليات توفير النظم القانونية والقضائية الفعالة لإقرارها والحفاظ والدفاع عنها وتسخير قنوات التربية والتعليم والثقافة للتوعية والتحسيس بأهميتها.
العرض الثالث كان للأستاذ حسن بلقاسم حول الحقوق الثقافية واللغوية ومرجعيات الأمم المتحدة، في البداية تطرق الأستاذ المحاضر لتعريف الثقافة الوارد في الإعلان العالمي للسياسات الثقافية لسنة 1982 بمكسيكو الذي يعتبر أن كل مظاهر الحياة الإنسانية تدخل في الثقافة بما في ذلك حقوق الإنسان.
كما أشار إلى أن كل الحقوق الثقافية تكون مرتبطة باللغة والثقافة وبأنظمة قانونية متعلقة بالملكية الجماعية. وأن الدولة الأمة رفضت حقوق الشعوب الأصلية، موضحا أن سياسة المعايير الإدماجية في إطار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان شملت الحقوق الفردية والجماعية ، وبذلك تم وضع سياسات استيعابية في كافة أنحاء العالم متجاهلة الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية مما دفع الأخيرة للنضال من أجل إثبات الذات ونتيجة لهذا الصمود تم التراجع عن هذه السياسات الاستيعابية ويتجلى ذلك من خلال العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد ذلك تناول الأستاذ مسألة تكريس هذه الحقوق من خلال اتفاقية حقوق الشعوب الأصلية لسنة 1989 إلى أن تم تتويج مسار الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية بإعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية يوم 13-09-2007. وبعد جرده للمسار التاريخي خلص الأستاذ المحاضر بالنسبة للحالة المغربية أنه يجب ربط مسألة الحقوق الثقافية بالانتقال الديموقراطي الذي يحتاج إلى دستور جديد يحسم في هذه الحقوق وفي قضايا الانتقال الديموقراطي ككل.
المداخلة الرابعة كانت للأستاذ عبد الله ساعف حول موضوع: “التعدد الثقافي والانتقال الديمقراطي”، أشار الأستاذ المحاضر إلى أن هناك تعريفات متعددة للتعددية الثقافية مركزا على تعريف Vieworka الذي اعتمد ثلاثة مقاربات: المقاربة المؤسساتية: السياسات والقوانين والمؤسسات ، المقاربة السوسيولوجية: وهي التركيبة الإثنية والثقافية، المقاربة الإيديولوجية: وهي القيم المرتبطة بوضعية هذه الحقوق.
بعد ذلك أشار إلى أن هناك عدة إشكاليات تتفرع عنها منها:
1. مسألة الأمة التي تحيل إلى جماعة لديها قواسم وسمات ثقافية مشتركة
2. مسألة عدم التمييز : أبمعنى عدم وجود تميزاتبين مكونات الأمة
3. مسألة التطلع إلى تأكيد هوية جماعية
تم توقف عند رهانات الموضوع: كيف يمكن مثلا تصريف سياسات عمومية حقيقية في مجال التعددية الثقافية:
هل تثمين الاختلافات والتمايزات والخصوصيات وبالتالي كيف يمكن تدبير النزاعات الناشئة وعن تثمين الاختلافات؟ كيف يمكن الحد من هذه التصادمات التي قد تنشأ من آثارها السلبية؟
ذلك أنه إذا كان الاختيار لفتح المجال أمام كل الثقافات الفرعية المكونة للثقافة الوطنية، فكيف يمكن الانفتاح بأقل خسائر ممكنة. في هذا الباب، تطرق المحاضر إلى إمكانتين:
- الانطلاق من تناقض الوطنية المدنية والتعلق بالأصل الإثني وما ينتج عنه، وبالتالي ضرورة إنتاج أساليب تدبير التعدد الثقافي بكل أبعاده.
- تفكيك التعددية الثقافية، إلى أن تعمل في النهاية على إدماج الأقليات في المؤسسات الوطنية، وفي هدا السياق تم التوقف عند النماذج المعروفة في الموضوع:
النموذج الأمريكي: الذي يسعى إلى إدماج اندماج عدة مكونات ثقافية، النموذج الكندي: المتمثل في قانون التعددية الثقافية الذي طرح الإدماج مع احترام الثقافات. النموذج الفرنسي: الذي يلغي كل تمييز ويطرح مسألة المساواة للجميع.
كما تطرقت الورقة إلى مطالب الحركات التي تتحرك باسم الثقافات مصنفا إياها إلى أربعة أصناف:
المطالب التي تسعى إلى تحقيق المساعدة من خلال لتربية على المواطنة، التصويت السياسي، تواجد كل اللغات… المطالب الرمزية: الاحتفال بذكريات معينة، المطالب التي تنادي بالإعفاء،
وفي الأخير تناولت الورقة موضوع طرق تدبير التعددية إما من خلال سياسة الاندماج أو الاعتراف بالتعدد، أو تثمين التمايزات حيث يتم اعتبار كل الثقافات متساوية ولا يمكن الوقوف ضد أية ثقافة. والمسؤولية الوطنية تعطي للدولة الدور الرئيسي في التدبير.
أما فيما يتعلق بالتوجهات الممكنة فيمكن تناولها وفقا للشكل التالي:
- اعتماد ثقافة عمومية مشتركة لها القدرة على تحمل كل التمايزات وتعزيزها أمام كل المخاطر
- تدبير التعددية الثقافية من زوايا التربية، والتعبئة، والتواصل…
- فتح فضاءات لاندماج الدوائر الاجتماعية والثقافية،
- الحفاظ على الدور الأساسي للدولة