عاجل … العثماني يتواصل ويقود

لأول مرة تواصل المغاربة مباشرة مع رئيس الحكومة الجديدة الدكتور سعد الدين العثماني الذي وقف أمام البرلمان للحصول على الثقة الدستورية الضرورية بعد التعيين الملكي. فرغم تعيينه قبل شهر لم يجر رئيس الحكومة أي حوار صحفي أو يقم بعملية تواصلية كبرى مع وسيلة إعلام ذات إشعاع وطني وقريبة من المواطن ليشرح نتائج وتفاصيل تشكيلة الحكومة. لم يحدث أي من هذا باستثناء حوار قصير مع جريدة إسبانية، ثم بلاغ توضيحي حول ظروف مشاركة حزب الإتحاد الإشتراكي المثيرة للجدل في الحكومة، وهو بلاغ غريب يحتاج بدوره إلى توضيح. وكان الغرض منه هو أن يوضح نقطة واحدة حساسة ربما بالنسبة للعثماني، في حين أن هناك العديد من النقط الحساسة بالنسبة للمواطنين والتي بقيت غامضة مثل: موقع التقنوقراط في التشكيلة، البرنامج الحكومي، “القرار السيادي”، التوازنات داخل حزب العدالة… وغيرها.

ربما كان مفهوما أن يتخلف حزب العدالة والتنمية عن التواصل في عز الأزمة عندما تعطل تشكيل الحكومة لأن السياسي عموما لا يتواصل في أوقات الأزمات لكن الأمر مختلف اليوم بعدما نجح العثماني في أن ينجز في 20 يوما ما عجز عنه ابن كيران في 6 أشهر. ولكن الحقيقة هي أن العثماني ليس هو السياسي الوحيد الذي لا يتواصل. فإخبار المواطن وتقديم المعلومة اليوم هو آخر ما يفكر فيه المسؤولون في البلد. إنها درجة الصفر في التواصل واستراتيجية التواصل مبينة على البروباغاندا والتغليط والخوف في عصر الفايسبوك.

وفي انتظار تعود العثماني على الوقوف لساعات طوال أمام البرلمان وعلى درجة أعلى من التواصل مما اعتاده حتى الآن، سنتابع كيف سيشتغل على هذا المستوى الإستراتيجي، لأن أي مشروع إصلاح لا يمكن أن يعطي ثماره بدون تواصل فعال. لكن يمكننا أن نتوقف عند بعض العلامات الدالة على أسلوبه في الأسابيع الأخيرة على الأقل. فبمجرد تعيينه وشروعه في التفاوض، ظهرت حزمة من المؤشرات على وجود تغيير جذري في تكتيك أو استراتيجية التواصل ليس فقط عند العثماني ولكن عند الحزب بكامله. ومن هاته المؤشرات، مثلا، تعيين مصطفى الخلفي ناطقا رسميا باسم الحزب، وخروج نائب الأمين العام سليمان العمراني وبجانبه عدة قياديين مثل محمد يتيم ومحمد الزويتن لقراءة بلاغات الأمانة العامة للحزب أو للوقوف خلف العثماني خلال تصريحاته. وهي شخصيات قيادية ليس من عادتها الوقوف أمام الكاميرات بهذا الشكل. وكأن الحزب أراد بهذه الطريقة أن يبين بأنه كتلة متراصة الصفوف ومتضامنة بعد إعفاء ابن كيران. وبنفس المنطق، يبدو أن هناك تغييرا في المنهج يفسح المجال لعدة قيادات للحديث باسم الحزب بعد أن كان ابن كيران وحده الذي يتكلم خلال المفاوضات.

والأكيد هو أن الأوساط السياسية المعارضة للعدالة والتنمية، وبعيدا عن مضمون المفاوضات، لم تعجبها هذه الطريقة التواصلية الجديدة وأبدت انزعاجها لذلك على لسان عدد من الصحف الناطقة باسمها. بل إن بعض هذه الجرائد شنت حملة على ما سمته صقور الحزب وبالأساس على مصطفى الرميد ومحمد يتيم. حيث قال بعضها إن “الصقور” تؤثر على العثماني ولا تريد أن تتركه يتفاوض. وعموما ما ظل ثابتا في تواصل حزب العدالة قبل وبعد ابن كيران هو الرفض القاطع لأي تواصل يومي ومنهجي مع المواطنين مباشرة. وفي هذا يتساوى الحزب مع باقي الأحزاب والفاعلين.

الأسلوب هو الرجل كما يقول الفرنسيون وإن مع بعض التحفظ في الواقع المغربي حيث الفرد لا يبرز كثيرا أمام الجماعة. فالعثماني هو ذلك المثقف صاحب الكتب والمؤلفات في الفقه والسياسية، والذي “يذهب بعيداً في التمييز بين الديني والسياسي” حسب الأستاذ حسن طارق. أسلوب تواصل العثماني نخبوي فهو يستعمل مثلا تويتر وهو بالمناسبة من وسائل التواصل النخبوية عكس الفايسبوك، وهو أيضا رجل علم النفس الذي يكثر من الإنصات في بحر السياسة التي تفترض بالضرورة الكلام والخطابة والتي قد تكون ممارستها تمر عبر تدبير متوازن ودقيق بين الإنصات والكلام.

لكن السؤال هو كيف ستكون المقارنة بين حيوان تواصلي بامتياز اسمه ابن كيران الذي يتكلم أكثر مما ينظر، ويبني تواصله على وسيلة خطيرة هي الضحك والنكت، وعلى حكايات الحيوانات وكليلة ودمنة وعلى الصوت المرتفع الغاضب أحيانا.. وبين العثماني ابن سوس المتحفظ والهادئ الذي يفكر ربما أكثر مما يتواصل؟ وفضلا عن المقارنة تطرح عموما جملة من التساؤلات: هل أصبح التواصل برأسين وبأسلوبين في حزب العدالة والتنمية؟ أي أسلوب العثماني رئيس الحكومة وأسلوب ابن كيران زعيم الحزب. وهل سيؤثر ذلك على قوة حضور المضمون وعلى نجاعة السياسة المتعبة؟ لأن إبعاد ابن كيران قد يخلق، موضوعيا، زعيمين إذا لم يتصارعا، وذلك بعد أن كان هناك زعيم واحد فقط هو ابن كيران.

وتبقى، في النهاية، مسألة المضمون الجوهرية والأساسية، إذ لا تواصل بدون مضمون وبدون نسب نمو ونسب تشغيل… والملاحظ هو أنه قبل أيام من تقديم التصريح الحكومي خرجت تسريبات صحافية تتحدث بالأساس عن مواصلة إصلاح صندوق المقاصة والتوقف عن دعم أسعار الغاز الذي يقدر ب 13 مليار درهم، وذلك عبر تقديم دعم مباشر للمحتاجين للدعم. ويبدو أن هذا الملف هو أحد رهانات الصراع السياسي القادم. وبالتالي ما هو مضمون سياسة العثماني عموما؟ هل سيواصل نفس نهج ابن كيران في الإصلاح واحترام صلاحياته في إطار الدستور؟ وما هو حجم تأثير أسلوب ومضمون سياسة الحكومة الجديدة على مستوى التسييس لدى المواطن وارتفاع درجة مشاركته السياسية واهتمامه بالشأن العام في بلده؟

بطبعية الحال، لا يمكن لسياسة ولأسلوب رئيس الحكومة أن تعطي ثمارها وتنجح بدون روح قيادية قوية وحقيقية. يقول مثل إفريقي، مادامت إفريقيا، موضة هذه الأيام، قد تكون ملهمة أحيانا،: “إن جيشا من الخرفان يقوده أسد يمكنه أن ينتصر على جيش من الأسود يقودها خروف”.

*مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الإجتماعية

*محمد مستعد
*هيسبريس – الخميس 20 أبريل 2017

Soyez le premier à commenter

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.


*