معارضات ما بعد الانتفاضات العربية

تقديم :

شهد العالم « العربي » مع بداية العقد الثاني للقرن الواحد و العشرين أحداثا هامة، سواء من حيث كثافتها وو تيرة تسارعها، أو من حيث نوعية الدينامية التي أفرزتها و أثرها على التوازنات الجيوسياسية للمنطقة ككل، مما جعل من سنة 2011 منعطفا رئيسيا في التاريخ السياسي « العربي ».

و إذا وضعنا جانبا هذا التنوع في المقاربات المعتمدة (السياسي منها والسوسيولوجي…)، وفي المفاهيم المستعملة ( ثورة، انتفاضة، ربيع عربي) من طرف الأبحاث و الدراسات التي تناولت بالوصف والتحليل هذا الحراك الذي عرفته المنطقة العربية، فإن غالبية هذه الأعمال والدراسات تمحورت حول النخب الجديدة التي تولت مقاليد السلطة كأحد أبرز مآلات الحراك، و غيبت بذلك المعارضة ، في مختلف تمظهراتها، عن دائرة اهتمامها.

إن هذا التوجه لدى اغلب الباحثين يجد تفسيره، ضمن تفسيرات أخرى، في كون التغيير الذي أفرزته هذه الأحداث رسمت له صورة واحدة وأعطي له وصف واحد و هو استبدال الأنظمة الاستبدادية القائمة بمعارضيها، والذين الذين ينتمي أغلبهم لتيارات إسلامية. فسواء تعلق الامر بالإخوان المسلمين في مصر، أو حزب النهضة في تونس، أو حزب العدالة و التنمية في المغرب أو مختلف الفرقاء السياسيين في ليبيا ما بعد القذافي )، فإن هذه التنظيمات تشترك جميعها في كونها إحدى تمظهرات الإسلام السياسي.

إن النظر إلى التحولات الجارية في العالم العربي لما بعد 2011 بالتركيز على دائرة السلطة، من حيث أسسها و آليات ممارستها و استراتيجيات الفعل…، يكاد لا يستقيم ، و ذلك لاعتبارين اثنين:

أولا: تركيز الباحثين على دائرة ممارسة السلطة لا يسعف في تقديم فهم أعمق وأشمل للأوضاع الجديدة من منطلق كونه غير قادر على استجلاء الديناميات التي تعيشها مختلف دوائر و فضاءات الممارسة السياسية.

ثانيا: النظر إلى الانتقال الديمقراطي من زاوية ممارسة السلطة فقط، من شأنه تقديم فهم مختزل للديمقراطية ككل. والواقع أن النظرية الديمقراطية تقوم على مبدأ كون المعارضة تعد لبنة أساسية في بناء صرح الديمقراطية من المنظور الليبرالي على الأقل.

و لتجاوز ما يعتري هذه الأبحاث والدراسات من ثغرات، يبقى من المشروع التساؤل حول واقع حال المعارضة في سياق عملية إعادة تشكل الأنظمة السياسية « العربية »، مع التأكيد منذ البداية على أنه ليس أمرا سهلا على الإطلاق تحليل مختلف التمظهرات السياسية والمؤسساتية الجديدة من زاوية المعارضة؛ بحيث أن تسارع وثيرة الأحداث وعدم توقع حدوث الكثير منها، بالإضافة إلى الصعوبات المرتبطة بعدم القدرة على قراءة استراتيجيات الفاعلين، كل ذلك شكل عائقا أمام كل عمل يهدف إلى دراسة واقع حال المعارضة في مرحلة ما بعد الحراك من خلال خطاطات تحليلية جاهزة أو معدة سلفا.

إن التحولات التي يعرفها المشهد السياسي في العديد من الدول « العربية »، يحتاج اليوم إلى عملية إعادة بناء مفاهيمي جديد، وإلى تحيين للخطاطات التحليلية التي دأب الباحثون على اعتمادها لتشخيص وتحليل الديناميات السياسية لهذه الدول.

من أجل ذلك ارتأت مجلة أبحاث إفراد عدد خاص لتسليط الضوء على وضعية المعارضة في العالم « العربي » في مرحلة ما بعد الحراك، و تعميق النقاش حول العديد من المفاهيم التي تحتاج إلى تدقيق، وحول العديد من الخطاطات التحليلية التي تحتاج إلى مراجعة وإعادة بناء. وذلك من مداخل متعددة من قبيل مفهوم المعارضة، تمظهراتها، مجالات اشتغاله ؛ مضمون المعارضة: هل تغير موضوع المعارضة أو بقي منحصرا فقط في الموضوعات الكلاسيكية التي تتمحور في معارضة الدولة أو النظام أو الزعيم أو السياسات؛ المعارضة والديموقراطية؛ المعارضة والفضاء العمومي.

محمد الهاشمي أستاذ باحث

A propos CERSS مركز الدراسات 340 Articles
Administrateur du site

Soyez le premier à commenter

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.


*